08-أغسطس-2016

مدافع حلب التي لم تنطفئ بعد.. (Getty)

يُقال: قائدٌ قَوَّاد، أي قويُّ القيادة؛ ورجلٌ قَوَّاد، أي سمسار الفاحِشة والبِغاء، وهو الذي ينظِّم شؤُون المرأَة البَغي، ويحرصُ على تَصْريف أمورِها، وتُطلَق أيضًا على من يسعى بين الرجلِ والمرأة لترتيب أمور الممارسة الجنسية بينهما لا على سبيل الإعلان، والقِوادة هي الخِسَّة ودناءة النفس، واستجلاب المنفعةِ مما عندَ الغير من ميزات، إلى من يدفعُ أو يُهدي.

وإن كانت القوادة استنادًا إلى ما سبق، تعني السعيَ إلى إمتاعك كـ"ذكر" مقابل أن تدفع للقواد المال، فالقِوادة في مقالنا هذا، أسوأ بكثير، فهي تحتّم عليك "اختيارًا" واحدًا، مقابل أن تدفع بطبيعة الحال.

 لماذا لم يبادر (PYD) كأحد مكونات هذا الشعب، بالتعاون مع المعارضة لفك حصار حلب من الجهة الشمالية، أقصر الطرق، لإنقاذ حياة أكثر من 300 ألف مدني محاصَر؟ 

في الحادي والثلاثين، من شهر آب/أغسطس الجاري، أطلقت قوات المعارضة السورية، بالاشتراك مع جماعات جهادية، معركةً أطلقت عليها اسم "ملحمة حلب الكبرى"، بغية فك الحصار الذي فرضته قوات النظام السوري، وميليشيات إيرانية وعراقية وأفغانية، وأخرى من "حزب الله" اللبناني يوم السادس والعشرين من شهر تموز/يوليو الفائت، على أكثر من 300 ألف مدني داخل حلب الاستراتيجية شمال البلاد.

تزامنًا مع ذلك، كثرت في رأسي الأسئلة.. وبتُّ أعاني كثرة الربط المنطقي بين الأشياء في ذاكرتي المؤقتة، فأستند إلى النتائج تارة، وأستثنيها تارةً أُخرى… لماذا لم يبادر أعداء حزب "البعث العربي" السوري في حي "الشيخ مقصود" في حلب، ممن خرجوا عن عباءة النظام كـ"منطقة حكم ذاتي" العام 2014، إبان الثورة الشعبية في سوريا، بعد أن كان قد أخرجهم منها الأسد منذ توليه زمام الحكم في سوريا قبل خمسين عامًا، غير معترفٍ بكل ما لهم من حقوق، كأحد مكونات الشعب الممتد على اتساع الأراضي بين الحدود السورية؟ .. لماذا لم يبادروا هم كأحد مكونات هذا الشعب، بالتعاون مع المعارضة لفك الحصار من الجهة الشمالية، أقصر الطرق، لإنقاذ حياة أكثر من 300 ألف مدني محاصَر؟ هل الجيوش العسكرية التي لا تبدأ أسماء قاداتها بـ"أبو" هي الجيوش التي يحق لها الحديث عن القيم والأخلاق فقط؟ أم أن ردَّ القائمين على "الشيخ مقصود" من الـ (PYD) ناقمون على حياة مئات الآلاف من المدنيين، بسبب القذائف التي كانت تطلق أحيانًا على الحي؟ أكان موضوع حصار النظام أحياءَ المعارضة الشرقية في حلب يهمهم في شيء؟ أم أن الأمر يتعلق بصراع عربي-عربي فقط، والكردي ظلمته الثورة السورية فنأى بنفسه جانبًا عنها؟ بعد ذلك.. استذكرتُ تعليقًا قرأته في مكان ما يقول: "دخيلك .. عرب بين بعضوا بيتقاتل، اللي بيربطنا مع هالمدينة هو الجامعة وقعدات القهاوي، نحنا ما دخلنا".

القِوادة أيها السادة بدايةً، هي أن يتْبعَ القائدُ العسكري شهوتَه المستشرية عبر التاريخ، ويحمّل مدنيي "الشيخ مقصود" مسؤولية فصلهم عن هذا المجتمع كليًا، نظرًا لما يتمتّع به أولئك المدنيون من صفات خاصة في المجتمع السوري، ويرى في مجاورة "الجيش العربي السوري" حليفًا ضد الذقون في البلاد كلها، فيعمد إلى افتتاح مكتب له في العاصمة الروسية موسكو، وحين يُسأل أمام الملايين من السوريين يردف بالقول: "إن المعضلة السورية لا يمكن أن تنحل دون روسيا، وأن "توازن القوى" في الشرق الأوسط، يستوجب تدخلها".

اقرأ/ي أيضًا: جنة على الأرض

شارفت "ملحمة حلب الكبرى" على دخول يومها السادس، فصائل المعارضة السورية الموافِقة على ما أخرجه مؤتمر الرياض من بنود، إضافة إلى الفصائل الجهادية، على تخوم حي "الحمدانية" في حلب، بعد سيطرتها على كلية المدفعية، أو كما أسمت نفسها "آلهة الحرب". وها هي أمس، قد فرضت سيطرتها على كامل حي "الراموسة"، كاسرة بذلك الحصار الذي فرضه النظام على مئات الآلاف من المدنيين العزّل، خلال المرحلة الثالثة، التي أطلقت على نفسها اسم "غزوة إبراهيم اليوسف" المعروف لدى السوريين.

عارُ الوثبة أن تُرضيَ العلا…

حين تكون حياة الملايين في سوريا، مرتبطة ببقاء الواثب منتصرًا، وهذا ردّنا على من انتقد تسمية المرحلة الثالثة من "ملحمة حلب الكبرى" باسم هذا الرجل… أن تكون الفصائل المشاركة في معركة فك الحصار، الموافِقة على مُخرجات مؤتمر الرياض، تمثّل 75% من تعداد المشاركين، فهذا يعني أن نهجًا سياسيًا مبنيًا على "جلب المصالح" اتُّخِذَ إبان اختيار الاسم، وأن مستقبل ثورة في سوريا شرّدت الملايين ولمّا تؤتي أُكلها بعد، أرفع وأهم من كل التسميات.

في تلك الأثناء أيها السادة، كانت تتعالى الأصوات هنا وهناك، المئات وربما الآلاف، يودّون أن تبقى حلب في قبضة النظام السوري، على أن يسمع صوت "الله أكبر" داخلها… عادت تتكاثر في رأسي الأسئلة مرة أخرى، أليسَ يعني استمرارُ النظام السوري بالتقدم على الأرض، إعدامًا لوجود كل معارضيه على الأرض السورية؟ أوليسَ يعني ذلك ضربًا بدماء (غياث مطر، رزان زيتونة، باسل شحادة، مشعل تمو، حسين هرموش، وأبو فرات) وصمود "داريا" ذاك المثال الذي يُحتذى، عرضَ الحائط؟. ثم أعود مجددًا لأستذكر هنا شيئًا قرأته في مكان ما يقول: "من يقاتل ضد هذا النظام في حلب، هم أبناؤنا رغم اختلاف ألوانهم وانتماءاتهم .. نختلف معهم، ونتعرض للاعتقال، ونطلق على بعضنا السباب والشتائم.. لكنهم على خطوط القتال أولادنا، ولهم منا الدعاء، ونناصرهم بما نملك، ففي الوقت الذي يخوضون فيه حرب وجودهم، يخوضون حرب وجودنا أيضًا كسوريين.

اقرأ/ي أيضًا: 

إشكالية إعادة السنة إلى منظومة الحكم عراقيًا

في مقاطعة إسرائيل والانزعاج الصهيو- شبّيحي!!