24-أغسطس-2022
National Sovereignty and Children's Day in Turkiye's Cappadocia

منطاد في منطقة كابودوكيا وسط تركيا (Getty)

مثلت جائحة كورونا، وما تزال،  تهديدًا على صحة البشرية وجوانب معاشها المختلفة، اقتصاديًا واجتماعيًا ونفسيًا. فقد أحدثت فوضى وتراجعًا بعدد من القطاعات، لا سيما في مجال السياحة والضيافة، وهو ما تباين بين الدول بحسب حجم الاعتماد على هذا القطاع ونسبته من مجمل النشاط الاقتصادي فيها. ولأن تركيا إحدى الوجهات السياحية الأبرز لملايين الناس حول العالم، يبدو أنها بدأت تتعافى بشكل ملحوظ وقياسي، منذ بداية عام 2022.

يشهد قطاع السياحة في تركيا تعافيًا قياسيًا في العام 2022 

ونظرًا لطبيعة البلاد الساحرة وأماكنها المتنوعة والعديدة، إضافة إلى أنها تضمّ مدنًا من الأجمل عالميًا، وتعدّ تكاليف السياحة فيها مناسبة للأغنياء ومتوسطي الحال على حدّ سواء، شهد قطاع السياحة انتعاشة سريعة، وصل فيها عدد السيّاح الذين دخلوا تركيا منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية الشهر الفائت تموز\يوليو، أكثر من 23 مليونًا و30 ألف شخص، لكن ورغم أن العدد يعتبر قياسيًا مقارنة بالعام الفائت، إلا أنه لم يصل إلى عدد السياح عام 2019، والذي بلغ نحو 45 مليون سائح.

زار تركيا ثلاثة ملايين مواطن تركي يعيشون في الخارج منذ بداية العام الجاري 

موقع "TRT Haber" التركي أوضح استنادًا لبيانات وزارة الثقافة والسياحة، أن عدد الزوار الأجانب ارتفع بنسبة 128.28%، في الفترة من كانون الثاني\يناير إلى تموز\يوليو مقارنة بفترة 7 أشهر من العام السابق. واحتلت ألمانيا المرتبة الأولى في عدد السياح إلى تركيا بما يقارب 3 ملايين سائح، تلتهاروسيا ثم إنجلترا، وبلغاريا وإيران على التوالي، وإلى جانب 23 مليون زائر أجنبي، زار البلاد ثلاثة ملايين مواطن تركي يعيشون في الخارج. 

من جانبه، تطرقت مجلة "يوميات السياحة" التركية، إلى الأثر الحاصل في قطاع السياحة جراء الحرب الروسية الأوكرانية، والخسارة التي تكبّدها أصحاب الفنادق والمنتجعات السياحية في تركيا، فكان من المتوقع وصول عدد السياح إلى 13-14 مليون سائح في منطقة أنطاليا التركية مثلًا، لكن يبدو أن التوقعات انخفضت بسبب التوتر الروسي الأوكراني، وأصبح الطموح أن يتم الوصول إلى أعداد العام الماضي على الأقل، والتي وصلت 9.1 مليون سائح. 

صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية نقلت عن سيلفا ديمير ألب، أستاذة الاقتصاد في جامعة كوتش بإسطنبول قولها، "إن عائدات السياحة أمر بالغ الأهمية في هذه البيئة، لتخفيف الضغوط،، وقد لجأت الحكومة إلى السياحة كخيار أخير لإنقاذ الموقف"، مضيفة "تسببت أزمة فيروس كورونا في خسائر فادحة، هذا التراجع تسبب في إلحاق الألم بالمنتجعات الشاطئية المعتمدة على السائحين وكذلك مدينة إسطنبول، الوجهة الشهيرة لقضاء العطلات في مدينة، ومواقع مثل كابادوكيا في قلب الأناضول، وسط تركيا، اليوم عادت العمليات الطبيعية على قدم وساق".

Hot air balloons in Cappadocia

وقال توفيق أولمز، رئيس رابطة السياحة المحلية "Kaptid"، إن شهر تموز\يوليو كان الأفضل على الإطلاق لفنادق المنطقة، على الرغم من غياب السياح الصينيين - الذين يشكلون عادة نسبة كبيرة من الزوار - بسبب الإغلاق الصارم في بلادهم ". لكن ثمة أعداد متزايدة من زوار من الدول الآسيوية الأخرى، وكذلك من قبل الأمريكيين والأمريكيين الجنوبيين والأوروبيين، إضافة إلى السياح الروس رغم الحرب التي تشنها بلادهم على أوكرانيا. فقد حل الروس في المرتبة الثانية بعد الألمان في الأشهر السبعة الأولى من العام. يذكر أنه قد كان لوضع الليرة التركية وتهاوي قيمتها أمام العملات الأخرى أثر مهم بجعل تركيا وجهة للملايين هذا العام، بعد عامين من العزلة الدولية التي تسبب بها فيروس كورونا. 

السياحة العربية في تركيا

قد يكون من المستحيل عند زيارة أي معلم سياحي في تركيا ألا تجد سائحًا عربيًا، فبكل منتجع سياحي، أو منطقة خلابة أو حتى سوق ستقابل سائحًا عربيًا، وربما أصحاب الفنادق والمطاعم والباعة هم أكثر الأشخاص الذين يعرفون كم يضيف السائح العربي إلى الاقتصاد التركي في كل رحلة له في تركيا، لكن ورغم ذلك قد تجد بعض الأصوات المتذمّرة من الوجود العربي في تركيا حتى ولو كسيّاح يضخّون الآلاف من العملة الأجنبية في كل زيارة.

 عن ذلك، يقول موقع "صباح" التركي، إن أولوية العرب الأثرياء هي أوروبا، ومع ذلك، عندما تأتي عائلة غربية متوسطة إلى تركيا، فإنها تنفق 700 دولار، بينما تنفق الأسرة العربية 3 آلاف دولار، "يذهب السائحون العرب في إجازة كعائلة، ويزورون البازارات، ويذهبون إلى المرتفعات، ولا يغادرون المطاعم، إنهم ينفقون المزيد من المال على الأكل والشرب والسفر والاستمتاع، أما السائح الأوروبي، المحبوب من قبل خصومنا، لا يخرج من الفندق الشامل!".

ووفقًا للشركات السياحة فإن العرب ينفقون خمسة أضعاف ما ينفقه السياح الغربيون، وقد تقرر أن السياح من دول الخليج ينفقون 20 مليار دولار سنويًا حول العالم.

وانتقد الكاتب التركي مولود تيزيل بمقاله في موقع "صباح"، فنانين أتراكًا تذمّروا في وقت سابق من السيّاح العرب، من بينهم الشهير سيرميان ميديات الذي قال في إحدى تغريداته عبر تويتر "أنا على متن الطائرة إلى مدينة طرابزون، الكل يتكلم العربية، أتمنى أن أذهب إلى طرابزون"، متسائلًا "أليس فنانون مثل مديات يسافرون حول العالم ويلتقون بالسياح العرب في لندن وباريس والبندقية؟ ألا تعرف دول الخليج بالذات كيف يتم احترام مواطنيها هناك؟ لا حاجة للسفر إلى الخارج، المحلات التجارية وأصحاب المتاجر في المناطق السياحية يعبرون دومًا بسعادتهم من وجود سائحين عرب، يُنسى أن السياح العرب، الذين يتم التقليل من شأنهم وإهانتهم على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص، هم مصدر دخل مهم للاقتصاد التركي!".

عوائق حقوقية

لا شك أن السياحة في بلد ما مرهونة بوضعها الأمني، واحترامها للحريات وحقوق الإنسان فضلًا عن جودة خدماتها، ولذلك تعدّ تركيا إحدى البلدان التي تحاول جاهدة أن تطمئن السيّاح الأجانب من وضعها الأمني، والحقوقي، على مدار السنوات الفائتة، التي شهدت خلالها عمليات إرهابية، زعزعت من ثقة السيّاح بأمان البلد، كما أن مؤشرات احترام تركيا ومراعاتها لحقوق الإنسان تثير القلق لدى الكثيرين.

بدوره، قال موقع "بوليتيك يول" التركي، إن "من أجل استقطاب المجتمع الغربي يجب أن نغيّر من الظاهرة المسماة بصورة تركيا السلبية للغاية، لأن انعكاسات قضايا حقوق الإنسان، والبيئة غير الآمنة أو القمعية، والحريات المحدودة والاعتقالات غير القانونية، والعنف ضد المرأة، تخلق بالتأكيد تصورًا في أذهان الأشخاص الذين يسافرون، كما لا يمكن نكران حقائق مثل أزمة الطائرة مع روسيا عام 2014، ومحاولة الانقلاب عام 2016، ووباء كورونا".

لطالما عُدّت تركيا وجهة أمثل للسياح من مختلف أرجاء العالم

وفي الآونة الأخيرة، أبدى العديد من السياح في تركيا استياءهم من محاولة الاستغلال الذي يتعرضون له خلال فترة رحلتهم، كما بدأ الرُهاب من السياحة في تركيا يظهر لدى السيّاح الذين طالما اعتبروا أن تركيا الوجهة الأمثل، وذلك بسبب ارتفاع حالات العنف ضد الأجانب، وارتكاب جرائم بحقهم، فضلًا عن شكاوى من العنصرية التي يتعرض لها سياّح في تركيا، لا سيما من الدول العربية، والتذمّر الحاصل في الشارع التركي من كتابة لافتات باللغة العربية، وقوائم طعام في بعض المطاعم، علاوة على استنكار أتراك بيع المنازل للعرب في تركيا، وهي ظواهر تمثّل قلقًا متزايدًا.