03-أغسطس-2018

تشكل دعوة "علمانيون" انشقاقًا عن صف الاحتجاج الوطني في العراق (Getty)

سقط نظام الاستبداد العراقي على يد الاحتلال الأمريكي منذ 2003، فكان سقوطه بداية لانهيار الدولة العراقية التقليدية التي يمتد عمرها إلى أكثر من 90 عامًا، إذ دمرت المؤسسات وحل الجيش العراقي مكانها، ورفع غطاء الاستبداد بتجلياته الفظيعة، ليأتي الحاكم الأمريكي بنظام توافقي، حسب ما تقتضيه التضاريس المذهبية في العراق. وكان نظام المحاصصة جزءًا من عملية التفتيت الممنهج الذي أجري على المجتمع العراقي.

بقي العراق لأكثر من عقد يعيش حالة من الانقسام، وكان الاحتجاج فيه يجري على شكل جماعات مكوناتية، كل جماعة تطالب بحقوقها الحصرية

بقي العراق لأكثر من عقد يعيش حالة من الانقسام، وكان الاحتجاج فيه يجري على شكل جماعات مكوناتية، كل جماعة تطالب بحقوقها، إلى أن جاءت تظاهرات 2011، التي بدت امتدادًا للربيع العربي.

 كان انطلاق هذه المظاهرات عبارة عن وقفات تضامنية مع تونس ومصر في بادئ الأمر، ثم انطلقت احتجاجات في 25 شباط/ فبراير 2011، تطالب بالحقوق، ومحاسبة الفاسدين، وتحسين الواقع الخدمي بشكل وطني، دون الرجوع إلى الهويات الفرعية. ولم يكتب لهذه الاحتجاجات النجاح بسبب ما فعله معها رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، الذي واجهها بالقمع وملأ السجون بالمتظاهرين طوال عامين.

لكن حالة التغيير التي جاءت على عكس ما تشتهيه المحاصصة كانت في تموز/ يوليو 2015، حيث خرجت احتجاجات تجسدت هويتها البارزة في المطالبة بالحقوق وبمحاسبة الفاسدين وتغيير نظام المحاصصة. لم يكن لونها حزبيًا أو مكوناتيًا، إنما عراقيًا، وقد وجهت نحوها سهام كثيرة، وحاول فصيل عصائب أهل الحق أن يدخل إليها، ويركب موجتها، ثمّ فشل، ودخل التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، بوصفه منقذًا للتظاهرات من العصائب والمقربين من إيران.

اقرأ/ي أيضًا: "جمعة الحقوق" في العراق.. صرخة لتفكيك المحاصصة

توحد الصدريون والمدنيون والشيوعيون، في احتجاجات نادت بعدة مطالب خدمية وسياسية، وقد اعتصموا في خيام واحدة، بعدما كانت هناك فجوة بين المتدينين وبين الذين لا يرجعون إلى أي مرجعية دينية، لكنهم كانوا يقولون إن هذا اللقاء يجري وفق المشتركات الوطنية. بعد ذلك، انشقت مجموعة باسم "مدنيون" عن الاحتجاج، تحت مبرر أنهم لا يجتمعون مع المتدينين في مركب واحد، لكونهم علمانيين، فضلًا عن اعتقادهم بشراكة الصدر مع النظام الحاكم، وأحزاب الإسلام السياسي، لهذا خرجوا من الاحتجاجات، وانتشر في وسائل التواصل الاجتماعي هاشتاغ "أنا علماني".

لاقت الخطوة الأخيرة استياءً ونقاشًا طويلًا بين المثقفين، إذ تحول النقاش بين فريقين، واحد يقول إن العلماني لا يجب أن يتعامل مع المتديّن، وآخر يقول إن العلمانية ليست طائفة عصبية، أو هي دين لا يمكن أن لا يقبل الآخر المختلف.

احتجاجات تموز 2018

بدأت الاحتجاجات في جنوب العراق منذ مطلع تموز/ يوليو الماضي، وكانت مطالبها تقتصر على تحسين الواقع الخدمي وتوفير فرص العمل، حتى توسعت في المحافظات الأخرى، وانتقلت إلى النجف وكربلاء وميسان وذي قار وبغداد.

وواجهت السلطة تظاهرات بغداد بالغاز المسيل للدموع وفرقتها، فضلًا عن المحافظات الأخرى التي قمعت وقتل فيها متظاهرون وأوقعت إصابات بين صفوف المحتجين، لكن لونها بقي عراقيًا. والمتابع يعرف أن سلطة المحاصصة لا ترغب في تظاهرات يكون شكلها وطنيًا لأنها خارجة عن النسق المكوناتي في التعامل مع الجماهير العراقية على أنهم جماعات تخرج في أيام الانتخابات، لتتبع خياراتهم المذهبية والدينية والقومية.

أعيد مشهد تظاهرات 2015، حيث خرجت جماعة "مدنيون" بعنوان "علمانيون"، بعد أسبوعين من الاحتجاجات في بغداد

أعيد مشهد تظاهرات 2015، حيث خرجت جماعة "مدنيون" بعنوان "علمانيون"، بعد أسبوعين من الاحتجاجات في بغداد، وقالوا في دعوة مكتوبة: "يقيم مجموعة من المثقفين والفنانين والأكاديميين والإعلاميين والناشطين المدنيين، الرافضين لنهج المحاصصة وسوء إدارة الدولة وقمع التظاهرات من قبل أحزاب السلطة، تظاهرة سلمية تأييدًا لحركة الاحتجاج في العراق والتي انطلقت شرارتها من مدينة البصرة الفيحاء، والتي طالبت بالخدمات وتوفير الحياة الكريمة للعراقيين". خاتمين دعوتهم بهاشتاغ "#علمانيون".

اقرأ/ي أيضًا: تظاهرات البصرة تتوسع في العراق.. سخط الجنوب يوحد الشارع

وحالما أطلقت الدعوة أبدى ناشطون عراقيون اعتراضات حولها، إذ يعتقد منتقدوها أن الاحتجاج كان فرصة لبلورة إجماع عراقي بغض النظر عن أي هوية فرعية على أساس قبلي أو طائفي أو أيدولوجي، وكان يشارك فيه المتدين وغير المتدين، فلماذا لم يشارك "علمانيون" بوصفهم عراقيين فقط؟ ثم إن الدعوة تضمنت أن احتجاجات "علمانيون" جاءت تأييدًا لحركة الاحتجاج في العراق، وكأنهم نقابة أو اتحاد، لا جزءًا من العراقيين، الذين يحملون نفس المطالب.

سعدي الموسوي، وهو ناشط في التظاهرات، كتب على صفحته منشورًا ينتقد فيه الدعوة، بعنوان "نفس السيناريو"، قائلًا فيه، إنه "في 31 تموز 2015 (أقيمت) تظاهرة كبرى عفوية في بغداد تطالب بتوفير الخدمات ومحاسبة الفاسدين. بعدها ينزل العلمانيون إلى ساحة التحرير، ثم ينبري فصيل العصائب للدفاع عن الدين ضد خطر العلمانية"، متابعًا أنه "سيأتي التيار الصدري ليؤكد هيمنته على الساحة"، في إشارة إلى ساحة التحرير، مكان التظاهرات في بغداد، "وهكذا يضيع أصل الحكاية".

وبعد دعوة "علمانيون" للتظاهر، أشار مراقبون إلى أن التظاهر في سياق خارج عن الهوية العراقية الجامعة، جزء من الانقسام الذي خلقته حالة الديمقراطية التوافقية في العراق، وأن الطبقة السياسية العراقية لا يخيفها شيء بقدر ارتفاع الوعي الوطني، والوعي بالحقوق، إذ بدا العراقيون في المظاهرات وكأنهم لن ينخدعون مجددًا بشعارات المذاهب والطائفة لإسكات مطالبهم، إنما ثمة حقوق وواقع خدمي ينبغي أن يتحسن.

 

اقرأ/ي أيضًا:

سباق تركيا وإيران على مياه العراق.. عطش الرافدين على الأبواب!

احتجاجات الكهرباء في كربلاء.. أيادٍ حزبية وراء الفوضى وتشويش الحراك