08-مارس-2023
تونس احتجاج

من احتجاج ضد التحريض على اللاجئين في العاصمة تونس (Getty)

في اليوم العالمي للمرأة، ومن بين أشياء كثيرة لا بد أن نتعلمها من عقود من الكفاح النسوي حول العالم، أن العنف والاضطهاد لا يحدثان في خطوط منفصلة، وأن أي دفاع عن الكرامة الإنسانية والحقوق لا يمكن أن يتجزأ، فالحقوق تتقاطع كما تتقاطع أشكال الاستبداد العديدة. تبدو هذه الخلاصة أوضح من أي وقت مضى في السياق العربي الراهن.

يعطي نموذج الاستبداد الذي تطور ما بعد الربيع العربي صورة دقيقة عن هذه التقاطعات، حيث يتشابك قمع الحريات مع غياب الديمقراطية والتطبيع مع إسرائيل وانتهاكات حقوق المرأة والأقليات

يعطي نموذج الاستبداد الذي تطور ما بعد الربيع العربي صورة دقيقة عن هذه التقاطعات، حيث يتشابك قمع الحريات مع غياب الديمقراطية والتطبيع مع إسرائيل وانتهاكات حقوق المرأة والأقليات، ويهتز النموذج الذي كان راسخًا لسنوات، والذي يفترض زورًا وجود نمطين من الأنظمة، واحد استبدادي مناهض للغرب وإسرائيل، وآخر ديمقراطي وتابع لهما. تشير معطيات عديدة إلى هذه التشابكات في أسباب غياب الحرية، وكذا التشابكات في التطلعات لها.

شكلت بعض الدول نمطًا من التحالف الإقليمي الاستراتيجي، الذي كانت العلاقة مع إسرائيل في قلبه، وصار هذا التحالف السمة الأساسية لمرحلة ما بعد الموجة الثانية من الربيع العربي. من بين أشياء كثيرة ركز عليها هذا التحالف، برز التشارك في تقنيات وأدوات قمع المعارضة والناشطين، بما في ذلك الحركات الديمقراطية والنسوية. وكان من أبرز هذه التقنيات تطبيقات التجسس الإسرائيلية، التي أقرت مؤسسات حقوق الإنسان أنها تشكل خطرًا على أمن وعافية مئات آلاف الناشطين حول العالم، وبالأخص في المنطقة العربية.

أما ما يتضح أكثر في المرحلة الأخيرة، فهو طبقة جديدة من هذه التقاطعات، وهي الخطاب العنصري الشعبوي، المنسوخ للمفارقة من اليمين المتطرف في الغرب المعادي للاجئين. طوال السنوات الماضية، قامت المجموعات العسكرية التابعة لهذا التحالف، ممولة من أطراف محافظة في الغرب، بقمع الهجرة بشكل منظم. لعبت هذا الدور على سبيل المثال قوات الدعم السريع في السودان، وقوات حفتر في ليبيا، وأطراف أخرى رسمية في دول عربية أخرى. وليس من المصادفة أن تجمع هذه الأطراف علاقة مع دول عربية مناهضة للديمقراطية وتقود في نفس الوقت حملة واسعة للتطبيع مع إسرائيل. وهكذا، يتقاطع التطبيع مع إسرائيل، مع خطاب عنصري معاد للاجئين، ويساهم كلاهما في منح الشرعية لميلشيات عسكرية تحكم دولًا، وتمارس نمطًا من القمع المنظم لكل أشكال الحقوق.

في الشهرين الماضيين أيضًا، كان هناك مثال لا يقل وضوحًا، لكن هذه المرة من تونس. قام قيس سعيّد، بعد أن انقلب على آخر وعود الديمقراطية عربيًا، بحملة منظمة من أجل التحريض على اللاجئين من أفريقيا جنوب الصحراء، في خطاب لا يتعدى كونه ترجمة ركيكة لنظرية "الاستبدال العظيم" التي تطورت في الغرب في العقود الماضية. وهكذا، فإن نظام الانقلاب في تونس، الذي عمّق من أزمة اقتصادية كان قد وعد بحلها، يخوّف الناس من خسارة امتياز لا يملكونه، بعد أن عانوا من غياب سلع أساسية في الأسواق. ولم يكن من المصادقة أن تتعمق علاقة هذا النظام مع الدول العربية إياها، التي تطبع مع إسرائيل وتقود حملة منظمة ضد أي فرصة لتحول ديمقراطي، وكذلك خطواته الأخيرة للتطبيع مع نظام بشار الأسد. وهو مسعى التطبيع مع الأسد نفسه الذي يقوده نظام عبد المجيد تبون في الجزائر، والذي يتزامن مع حملة غير مسبوقة من التحريض على الصحفيات والصحفيين والناشطات والناشطين.

ليست هذه التقاطعات جديدة، فلقد قام الربيع العربي في لحظاته الطازجة عليها، وربط الناس في صرخاتهم العفوية الخبز بالعدالة والكرامة الاجتماعية

ليست هذه التقاطعات جديدة. فلقد قام الربيع العربي في لحظاته الطازجة عليها، وربط الناس في صرخاتهم العفوية الخبز بالعدالة والكرامة الاجتماعية، وفهموا أنهم كانوا في خروجهم على عقود من الاستبداد يخرجون ضد عقود من الاستعمار والتبعية للغرب أيضًا. ونشأت على هوامش هذه التطلعات تطلعات أخرى، لخلق مجتمع أكثر شمولًا وتنوعًا، ومطالبات بكافة أشكال الحريات. ولم يكن عصيًا على الملاحظة أن انهيار هذه الحقوق معًا، تزامن مع تطبيع وتصاعد موجات من العنصرية والشوفينية الشعبوية. لكن الواقع الآن، صار أوضح من أي وقت مضى. نحن أمام تقاطعات لم يعد من الممكن إنكارها.