تضامن شعبي مغربي واسع مع غزة يصطدم بموقف رسمي "مطبّع"
2 أغسطس 2025
يتواصل زخم الاحتجاجات في مختلف المدن المغربية، رفضًا للعدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، مع خروج حشود ضخمة للتنديد بما يتعرّض له الفلسطينيون من تجويع وتهجير وقتل جماعي، وتعكس في نفس الوقت رفضًا شعبيًا راسخًا للتطبيع.
في المقابل، تلتزم السلطات المغربية الصمت حيال هذه الجرائم الإسرائيلية، مكتفية بخطاب عام يطالب بـ"وقف إطلاق النار"، دون مراجعة لمسار التطبيع الذي بدأ رسميا عام 2020، مع مراهنتها على "العوائد" الجيوسياسية للعلاقة مع إسرائيل.
زخم غير طارئ
شهد المغرب خلال شهر تموز/يوليو تنظيم أكثر من 260 فعالية احتجاجية وتضامنية في أكثر من 60 مدينة، تنوّعت بين مسيرات مليونية ووقفات جماعية واعتصامات رمزية. وكانت أبرزها مسيرة العاصمة الرباط يوم 20 يوليو/تموز، التي شارك فيها عشرات الآلاف.
يرى منسق "المبادرة المغربية للدعم والنصرة"، رشيد فلولي، أن هذا الزخم "ليس طارئًا، بل يُعد امتدادًا لمسار شعبي بدأ منذ عقود، وتعمّق منذ السابع من أكتوبر 2023 مع انطلاق طوفان الأقصى، إذ أن الشعب المغربي، في مساره التاريخي تجاه القضية الفلسطينية، كان دائمًا يتفاعل بقوة، ويستند هذا التفاعل إلى الذاكرة المشتركة المغربية-الفلسطينية".
شهد المغرب خلال شهر تموز/يوليو تنظيم أكثر من 260 فعالية احتجاجية وتضامنية في أكثر من 60 مدينة، تنوّعت بين مسيرات مليونية ووقفات جماعية واعتصامات رمزية
وأكد فلولي في حديثه لـ"التر صوت" أن "المجتمع المغربي يشتغل، في ظل الصمت والتخاذل الدولي والعربي الرسمي، على جبهتين: دعم غزة، ومواجهة التطبيع المتسارع رغم الرفض الشعبي".
وأشار إلى أن "المجتمع المغربي، رغم ظروف الصيف، مستمر في تنظيم فعالياته من اعتصامات وأشكال احتجاجية أخرى، وستكون هناك محطات وطنية مقبلة في إطار هذا الدعم".
رفض ثابت للتطبيع
في السياق ذاته، يرى الكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع، عزيز هناوي، أن "ما يميز الساحة المغربية هو أن فلسطين ليست مجرد قضية تضامن، بل هي قضية وطنية متجذّرة في الوجدان الشعبي، بحكم حضورها التاريخي والحضاري في الذهنية والوعي الجماعي المغربي".
ويضيف هناوي في تصريحه لـ"الترا صوت"، أن "الحراك المغربي يتسم بثلاثة أبعاد رئيسية: دعم المقاومة، محاصرة التطبيع بهدف إسقاطه وإلغائه وطنياً، والانخراط في الحراك العالمي المناصر لغزة".
كما يشدد الفاعل المدني على أن الرفض الشعبي للتطبيع ليس موقفًا ظرفيًا، بل هو موقف ثابت ومبدئي تعزز مع المحاولات الرسمية لـ"تسخين" التطبيع شعبيًا، معتبرًا ذلك مستحيلًا. ويضيف: "التنسيقيات المناهضة للتطبيع تظل صوتًا حيويًا يعكس نبض الشارع الرافض للهرولة نحو الكيان الصهيوني ".
ويختم هناوي بالإشارة إلى أن "الموقف الشعبي المغربي يعبّر عن دعم واضح للمقاومة الفلسطينية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقبل بالتطبيع، ما يجعله موقفًا متقدماً على القرار السياسي الرسمي".
مفارقة سياسية حرجة
على هذا الأساس، يرى الباحث في العلوم السياسية عز الدين العزماني أن "الدولة المغربية تجد نفسها أمام مفارقة سياسية حرجة: كيف تواصل مسار التطبيع لأهداف جيوسياسية، وفي الوقت ذاته تحتوي الغضب الشعبي المتنامي؟".
وأوضح العزماني، في تصريحه لـ"الترا صوت"، أن السلطات المغربية "تعتمد هوامش احتجاجية مضبوطة"، غير أن ما يبديه المجتمع المدني من مقاومة متصاعدة لهذا المسار، يستدعي من الدولة أن تطرح سؤال الكُلفة السياسية والاجتماعية للتطبيع بالجدية ذاتها التي تفكر فيها بالمكاسب الجيوسياسية.
وأضاف أن السلطات تركز على ما تجنيه من عائدات جيوسياسية جرّاء التطبيع، لكنها تتغاضى عن تبعاته السياسية والاجتماعية، لا سيما في ظل تصاعد الغضب الشعبي إزاء الجرائم الإسرائيلية في غزة، وما يُنظر إليه كمفارقة مع الخطاب الرسمي الذي يؤكد التزام المغرب بالجهود الإنسانية في القطاع.
وبحسب العزماني، فإن استمرار التنسيق الأمني والعسكري بين المغرب وإسرائيل يقابله تصاعد متواصل في حراك الشارع، الأمر الذي يجعل من سؤال "شرعية التطبيع" بندًا ملحًا في أجندة صانع القرار المغربي.