إعداد: مها عمر وعز الدين التميمي
كعادة السياسة وكعادة ترامب الذي لا ينضب جديده المثير للجدل منذ توليه السلطة في 2016، فإن توجهه المعادي لبعض جماعات الإسلام السياسي، متقاطعًا مع المحور السعودي الإماراتي المصري، ومدفوعًا بمال الرياض وأبوظبي السياسي، شكل خطًا بارزًا في سياساته الخارجية تجاه الإقليم العربي، بنوع من الانتقاء الذي أصبح يثير عديدًا من الأسئلة، وبصفقات يغمض فيها عين البيت الأبيض عن جهات، ويأخذها إلى أخرى.
تساهم تسمية الإخوان المسلمين كحركة إرهابية، في فرض نمط المحور السعودي الإماراتي المعادي للربيع العربي، من الحركات الدينية والسلفية الموالية للاستبداد، أو المنحازة للثورة المضادة
آخر تلك القرارات المثيرة للجدل، كان إعلان الرئيس الأمريكي نيته إدراج الإخوان المسلمين على قائمة الجماعات الإرهابية، ضمن مسار انتهجه منذ لحظته الأولى في السلطة، ضد أي معارضة دينية في الوطن العربي، غاضًا النظر عن ميليشيات أخرى تسهُل إدانتها بالإرهاب، ممولة من الأجندات الإماراتية والسعودية، وتعمل لصالح سعيهما الدؤوب للوقوف ضد مشاريع التغيير عربيًا.
اقرأ/ي أيضًا: غراميات السعودية والقاعدة في اليمن.. حنين إلى مظلة بريجنسكي
هذه الخطوة، التي لا يمكن تأويلها إلا في إطار تعزيز الإدارة اليمينية في واشنطن لتحالفاتها مع المحور الخليجي المناوئ للإسلام السياسي، والفاعل ضده طوال الوقت سواء في أنموذجه السعودي أو الإماراتي، وفي حالته الواضحة القوية في مصر، تكمل الإقصاء المتواصل للجماعة في مختلف النواحي، منذ انقلاب تموز/يوليو 2013، مرورًا بمجزرة رابعة وحملات الاعتقال والتصفية المستمرة منذ أعوام. كما أنها خطوة في مشوار فرض نمط المحور الخليجي المعادي للربيع العربي من الحركات الدينية والسلفية الموالية للاستبداد، أو المنحازة للثورة المضادة، في ليبيا واليمن وسوريا ومناطق عربية أخرى.
زيارة نيسان: ضوء أخضر للأجندة الجديدة
جاءت الزيارة التي قام بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الولايات المتحدة في التاسع من نيسان/إبريل الماضي، قبيل الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي ستسمح للسيسي البقاء في الحكم حتى عام 2034، والتي حين سُئل ترامب نفسه عنها، نفى معرفته بمحتواها، مكتفيًا بالإشادة بالسيسي، قائلًا إنه يقوم بعمل جيد، وإنه رئيس عظيم.
لكن السيسي الذي نجحت مساعيه في فرض حكم ديكتاتوري طويل المدى في مصر، كان يطمح مثله مثل حلفائه في السعودية والإمارات إلى مزيد من الشرعية لسحق خصومه الداخليين، وتصوير نفسه كرئيس معتدل مناوئ للإرهاب، وهي التهمة التي ساهمت سياسات واشنطن في عهد ترامب بجعلها فضفاضة، تتسع لأي معارضة وتتسامح مع ميليشيات دموية تقاتل لمصالح حلفائها، وتتجاهل مجازر الاحتلال في حالة إسرائيل، وتشدد الخناق على من يسعى لمقاومته. عطفًا على أنها السياسات نفسها التي تقتطع من المشهد تاريخًا طويلًا من الإدانة بالإرهاب في المحاكم الأمريكية نفسها، تلاحق السلطات السعودية، فتنحاز للمال السياسي الذي يبذله المتهمون الأوائل بـ"غزوة منهاتن"، ضد ضحايا هذه المجزرة من المواطنين الأمريكيين أنفسهم.
أمام هذا التواطؤ، تسقط حتى سردية ترامب القومية الشوفينية، حين يضع "رجل الأعمال" مصالح حلفائه "السخيين" في الخليج العربي على رأس أولوياته، ثم يسمح للوبيات الإسرائيلية بتحديد سياساته الخارجية، منتهكًا سيادة بلاده علنًا حتى لو نجا من تحقيقات التدخل الروسي، وضاربًا بعرض الحائط قيم "أمريكا العظيمة"، إن وُجدت يومًا.
لكن ماذا يترتب على هذا القرار؟
في حال تم اتخاذ هذه القرار، ووضعت جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب، فستتبع فرض مثل هذا التوصيف عقوبات اقتصادية وحظر سفر واسع النطاق على الشركات والأفراد الذين يتفاعلون مع الجماعة.
لقد رأى ترامب ما يبدو أن السيسي كان يطالب به طوال الوقت، بوضع الجماعة على قوائم الإرهاب منطقيًا، وقال مسؤولون إن بعض مستشاري ترامب قد فسروا ذلك على أنه التزام الولايات المتحدة تجاه حلفائها الذين يحاربون الإسلام السياسي بشكل ممنهج وفق أجنداتهم، حسبما أوردت صحيفة نيويورك تايمز عن القصة.
الضفة الأخرى من النهر: المجزرة اليمنية
طالما كانت محاربة الإسلام السياسي الأجندة التي تذرع بها السيسي، من أجل خفض سقف الحريات في الداخل المصري، وهي أيضًا ذات الأجندة التي بذل في سبيلها ولي العهد المثير للجدل، محمد بن سلمان ونظراؤه في أبوظبي المال والقوة في اليمن.
على الضفة الأخرى من النهر، وفي عالم آخر ليس بعيدًا، حيث اليمن ساحة للمصالح الإماراتية التي شكلت في السنوات الماضية شبكة من النفوذ العسكري ومن الميليشيات المسلحة التي لا تخطئها العين في كل محافظات البلاد، يدعم المال الإماراتي السعودي ما يُسمى بالحزام الأمني، والميليشيات السلفية من أمثال كتائب أبو العباس في محافظة تعز، وأخرى تحت اسم "النخبة" و"العمالقة"، وهي الميليشيات التي أوردت تقارير حقوقية دولية عديدة تفاصيل عن تورطها في جرائم حرب، بدعم من الإمارات التي تزودها بأسلحة أمريكية وغربية حصلت عليها بمليارات الدولارات، دون أي مساءلة قانونية أو ملاحقة لمسار هذه "الصادرات العسكرية"، وهو ما توضحه منظمة العفو الدولية في بيانها الصادر بهذا الشأن.
هناك في اليمن أيضًا، حيث توصلت تحقيقات مفصلة أعدتها وكالة أسوشيتد برس، إلى خلاصات صادمة عن تورط كل من السعودية والإمارات في التنسيق مع تنظيم القاعدة، من أجل شراء ولاءات محلية، وتصميم "انتصارات" وهمية، حيث دفع "المحور السني المعتدل" مبالغ طائلة لمقاتلي التنظيم الإرهابي من أجل الانسحاب من مناطق في اليمن من دون قتال، بالإضافة إلى دفع مبالغ أخرى لمقاتلين في القاعدة انضموا لصف الحليفين في الحرب ضد الحوثيين.
لكن الأكثر صدمة، أن التنظيم الإرهابي الذي طبع الذاكرة الأمريكية بالدم قبل أقل من 18 عامًا، في أحداث أيلول/سبتمبر، استطاع كما ترجح تحقيقات لشبكة "سي إن إن" الحصول على أسلحة أمريكية باعتها واشنطن للسعودية، دون أن تبدي إدارة دونالد ترامب أي قلق، أو دون حتى مساءلة الحرب على الإرهاب، التي يتم فيها الاستعانة بواحد من أوائل التنظيمات التي ارتبط بها هذا المفهوم.
لكن الأمور ليست بهذه السهولة
سيتبع وضع جماعة الإخوان على قوائم الإرهاب في الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية وإجراءات عديدة ضد شرائح واسعة من المصريين، لكن هذا الاقتراح أثار جدلًا حادًا داخل إدارة ترامب نفسها، بما في ذلك الجدل الذي حدث في اجتماع رفيع المستوى لواضعي السياسات من مختلف الإدارات عقده الأسبوع الماضي مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، حسبما قال المسؤولون لنيويورك تايمز.
وفي بيان لها، اعترفت سارة هاكابي ساندرز السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، بأن الإدارة تعمل على وضع جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب. وقالت بهذا الشأن: "لقد تشاور الرئيس مع فريق الأمن القومي وقادة المنطقة الذين يشاركونه قلقه، وهذا الإدراج يسير في طريقه من خلال العملية الداخلية".
كما أن ساندرز أكدت أن جون بولتون مستشار الأمن القومي، ومايك بومبيو وزير الخارجية، اللذين يعتبران الآلة المنفذة لقرارات ترامب، يدعمان الفكرة.
لكن البنتاغون وموظفي الأمن القومي والمحامين الحكوميين والمسؤولين الدبلوماسيين عبروا عن وجود عوائق قانونية وسياسية أمام القرار، ولكنهم في ذات الوقت يسعون جاهدين لإيجاد خطوة محدودة ترضي البيت الأبيض.
اقرأ/ي أيضًا: خدعة محاربة الإرهاب.. السعودية والإمارات واسطة القاعدة للأسلحة الأمريكية
من الناحية القانونية، يبدو الإدارج جالبًا للمتاعب، حيث جادل مسؤولون أمريكيون بأن معايير تسمية الجماعة كمنظمة إرهابية ليست مناسبة للإخوان المسلمين، التي تبدو بفروعها أقل تجانسًا، كما أن بعضها ممن يتواجدون في أماكن مختلفة، يحملون الاسم لروابط تاريخية فقط دون أن يكون لهم علاقة بأجندة النشاط السياسي بشكل لصيق، في تونس والأردن وغيرها.
في حال وُضعت جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب، فستتبع فرض مثل هذا التوصيف عقوبات اقتصادية وحظر سفر على الشركات والأفراد الذين يتفاعلون مع الجماعة
كما قد يفتح إدراج الجماعة على قوائم الإرهاب توترات جديدة مع تركيا التي تستضيف بعض أعضاء الجماعة، حيث صرح عمر جليك المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية بالفعل، أن من شأن هذه الخطوة أن تعزز معاداة الإسلام في الغرب وحول العالم، واعتبر حسب ما نقلت قناة الجزيرة، أنه "سيشكل ضربة كبيرة لمطالب التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط، وسيؤدي إلى تقديم الدعم الكامل للعناصر غير الديمقراطية، وهذا أيضا يعتبر أكبر دعم يمكن تقديمه للدعاية لداعش (تنظيم الدولة)".
هذا بخلاف المنظمات الإنسانية الأمريكية التي لا تناهض حركات المعارضة الدينية، كما يشعر مسؤولو حقوق الإنسان بالقلق من أن السيسي قد يستخدم هذا الإدراج لتبرير حملة قمع أشد ضد خصومه السياسيين في الداخل.
اقرأ/ي أيضًا:
بشهادات ضباطها.. تنظيم القاعدة ضمن مرتزقة الإمارات في اليمن