29-ديسمبر-2020

من مضبوضات مكتب مكافحة المخدرات في لبنان (جوزيف عيد/أ.ف.ب/Getty)

صار لبنان نقطة شهيرة في صناعة حبوب الكبتاغون، الاسم التجاري لمادة الفينيثايلين وهي من الأمفيتامينات، وممرًا إقليميًا ودوليًا لهذه التجارة الرائجة خلال السنوات الأخيرة. حتى أن صناع السينما والترفيه التلفزيوني تأثروا ونقلوا الواقع إلى الشاشة، فها هو مسلسل "الهيبة" يصور نماذج للتهريب الحدودي وصناعة حبوب الكبتاغون في لبنان وبشكل أقرب ما يكون إلى العلني.

تزدهر صناعة الكبتاغون، وغيره من المواد المخدرة، في لبنان لأغراض التصدير. في الوقت الذي ترتفع فيه مستويات الإدمان بين الشباب ونسب الإقبال على تعاطي هذه المواد التي تجد طريقها إلى السوق المحلي أيضًا

في عام 2012 أوقفت الجمارك اللبنانية معدات لتجهيز مصنع كامل لإنتاج 3 أنواع ثقيلة من المخدرات، هيرويين وكوكايين وكبتاغون، وتمت عملية الضبط داخل مرفأ بيروت. أوقفت الجمارك وقتها 5 أشخاص للتحقيق معهم. وكانت القدرة الإنتاجية للمعدات المضبوطة عالية جدًا وقد تصل إلى عشرات الآلاف من الحبوب يوميًا.

اقرأ/ي أيضًا: العملية كاسندرا.. كيف قايضت واشنطن مخدرات حزب الله بالاتفاق النووي الإيراني؟

وفي نفس العام تم ضبط مصنع آخر في ضاحية بيروت الجنوبية، لكن لم تتخذ أي خطوات فعلية ملموسة لمعالجة الأمر، واكتفت الدولة اللبنانية بالقيام بردة فعل دون اللجوء إلى محاربة هذه ظاهرة تصنيع المخدرات واقتلاعها من جذورها. وقد تم ربط هذه الظاهرة وشيوعها بالحرب في سوريا، لما تقدمه حبوب الكبتاغون من "خدمات" للمقاتلين عبر دعم معنوياتهم القتالية، لكن الأهم فعليًا هو المقدار الذي يتم تأمينه من الأموال اللازمة للحرب عبر التجارة بمثل هذه الأصناف. 

بينما في عام 2014 أحبطت القوى الأمنية اللبنانية عملية تهريب 15 مليون حبة كبتاغون عبر مرفأ بيروت أيضًا، كانت أخفيت تلك الحبوب داخل أكياس معبأة بالذرة. وفي عام 2015 ألقت القوى الأمنية اللبنانية القبض على أمير سعودي في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، بتهمة تهريب المخدرات. والأمير المعتقل هو "عبد المحسن بن وليد بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز آل سعود"، وهو إبن حفيد مؤسس مملكة آل سعود، وإبن أخ أمير حائل وعضو هيئة البيعة سعود بن عبد المحسن بن عبد العزيز. وكان الأمير السعودي متجهًا لركوب طائرته الخاصة في طريقه إلى السعودية. وكان برفقة الأمير 4 أشخاص، ومعهم 24 طردًا و8 حقائب سفر كبيرة، تحتوي جميعها على حبوب الكبتاغون المصنعة في لبنان. 

قالت الوكالة الوطنية للإعلام، رسمية لبنانية، في وقت الحادثة "أن حبوب الكبتاغون، المضبوطة وضعت في 40 حقيبة على متن الطائرة التي كانت ستقلع إلى المملكة العربية السعودية". ووصفت الوكالة هذه العملية أنها "أكبر عملية تهريب يتم إحباطها في مطار بيروت الدولي"، وقدرت قيمة الطرود المهربة بما يزيد عن 110 ملايين دولار أمريكي. أما في عام 2015 فقد ضبطت القوى الأمنية 30 مليون حبة كبتاغون بحسب ما جاء على لسان العميد غسان شمس الدين في تقرير نشرته فرانس 24.

تتم عمليات إحباط تصنيع وتهريب الكبتاغون في لبنان بين فترة وأخرى، لكن حجم هذه الصناعة أكبر بكثير مما طالته الجهود الرسمية حتى الآن

وفي هذا الشهر، كانون الأول/ديسمبر 2020 تمكنت قوة من الجيش اللبناني من ضبط مصنع لصناعة حبوب الكبتاغون، وكميات كبيرة من المادة موضبة داخل منزل أحد المطلوبين للعدالة خلال عملية دهم واعتقال في بلدة بريتال الواقعة في البقاع الشمالي بمحاذاة الحدود اللبنانية السورية. هذا وفق إفادة بيان رسمي نشر عبر الوكالة الوطنية للإعلام التابعة لوزارة الإعلام اللبنانية، نقلًا عن الجيش اللبناني الذي غرد عبر حسابه على تويتر بخصوص تفاصيل المداهمات الواسعة في منطقة بريتال – بعلبك.

اقرأ/ي أيضًا: طارق العيسمي.. بارون مخدرات حزب الله في فنزويلا

خلال هذا الشهر أيضًا، تم ضبط مقطورات مشحونة وصلت إلى ميناء ساليرنو الإيطالي تحتوي على حبوب كبتاغون. وقدر العدد بحوالي 84 مليون حبة كبتاغون، فيما يعتبر رقمًا قياسيًا تقدر قيمته بنحو مليار دولار. وأثير الجدل حول الجهة المسؤولة عن الشحنة، وقد وجهت أصابع الاتهام إلى تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". لكن سرعان ما بدأت الشكوك تتوجه باتجاه آخر، تحديدًا نحو مجموعات شرق أوسطية مركزها في سوريا وعلى علاقة بطهران وحليفها حزب الله، حسب ما قالته الشرطة الإيطالية، ووفق هذا التقرير المنشور في صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية.

وكانت السلطات الإيطالية أعلنت أن الشرطة الإيطالية علمت بالشحنة عبر مراقبة اتصالات عصابات الجريمة المحلية التي كانت بانتظار استلام الكبتاغون. ويذكر أن السلطات الفرنسية صادرت في عام 2017 شحنات مماثلة للشحنة المكتشفة في إيطاليا مصدرة من لبنان. وقد اتجهت بعض التحليلات إلى الربط بين كون الشحنة مصدرها سوريا وحزب الله وأنهما تحت ضائقة مالية بسبب العقوبات الأمريكية وبحاجة إلى العملات الصعبة لتمويل العمليات الحربية.

إذًا تزدهر صناعة الكبتاغون، وغيره من المواد المخدرة، في لبنان لأغراض التصدير. في الوقت الذي ترتفع فيه مستويات الإدمان بين الشباب ونسب الإقبال على تعاطي هذه المواد التي تجد طريقها إلى السوق المحلي أيضًا. وتبقى العمليات المضادة لهذه التجارة من قبل السلطات الرسمية محدودة وغير كافية أو متناسبة مع حجم التصنيع والتداول القائم فعليًا. في حين حاصرت الدولة زراعة التبغ وأفشلتها في عموم الجنوب اللبناني على مدار عقود، وكذلك الحال مع تعليق مسألة تشريع زراعة القنب والتضييق الكبير الذي تضربه السلطات على إنتاج محاصيل القنب ومنتجات "الحشيشة" في منطقة الهرمل. ما يشي بتوفر الإمكانية لدى الجهات الرسمية من أجل متابعة وحصار تصنيع الكبتاغون، لكن يبدو أن القرار السياسي يأتي أولًا بهذا الصدد. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

تاريخ "الكيف" الروسي.. مخدرات في الحرب والسياسة والرياضة

هل أصبحت مافيا "الحشيش" تشكل تهديدًا لاستقرار المغرب؟