19-ديسمبر-2020

تصعيد جديد شرق الفرات (Getty)

ارتفعت وتيرة الأعمال القتالية في منطقة شرق نهر الفرات بصورةٍ متسارعة، تنذرُ بتجدد المواجهات العسكرية المباشرة بين فصائل المعارضة المسلحة المدعومة من الجانب التركي من جهة، وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" من جهةٍ أخرى، إذ تشير المعطيات الميدانية والسياسية إلى أن المنطقة مقبلة على تصعيدٍ عسكريٍ جديد، محوره بلدة عين عيسى الواقعة في ريف الرقة الشمالي، على الطريق الدولي"M4"، وهي البلدة الأكثر أهمية اليوم بالنسبة إلى أطراف الصراع الفاعلة شرق نهر الفرات.

ارتفعت وتيرة الأعمال القتالية في منطقة شرق نهر الفرات بصورةٍ متسارعة، تنذرُ بتجدد المواجهات العسكرية المباشرة

يأتي تصعيد الجانب التركي والفصائل الموالية له بعد ثلاثة أشهر من عمليات التحشيد العسكري على جبهة بلدة عين عيسى، تخللتها اشتباكات متقطعة بين الفصائل وميليشيات "قسد"، اتسعت رقعتها منذ بداية كانون الأول/ ديسمبر الجاري، وسط تزايد الأنباء والتكهنات حول نية الأتراك تنفيذ عملية عسكرية واسعة بهدف السيطرة على البلدة، بلغت ذروتها ليل الخميس – الجمعة، 18 من الشهر الجاري، بعد شن فصائل المعارضة هجومًا عنيفًا وواسعًا على الأطراف الشرقية لعين عيسى، تمكنت خلاله من السيطرة على قريتي المشيرفة والجهبل، والوصول إلى الطريق الدولي "M4" من الجهة الشرقية للبلدة، وذلك بالتزامن مع تصعيدٍ مشابه في ريفيها الشمالي والغربي، الأمر الذي أشار إلى نية الفصائل تطويق المنطقة من ثلاث جهات بهدف إسقاطها ناريًا، وشل حركة ميليشيات "قسد" داخلها، تمهيدًا لإجبارها على الانسحاب.

اقرأ/ي أيضًا: تحركات أمريكية لرسم مشهد سياسي جديد شرق الفرات

ولم يُعرف حتى هذه اللحظة ما إذا كان الهجوم الذي نفذته فصائل المعارضة جزءًا من العملية العسكرية التركية المرتقبة، إذ لم تعلن أنقرة رسميًا إطلاق أي معركة جديدة شرق الفرات، كما أنها لم تستخدم الطائرات الحربية كما هو الحال في عملياتها السابقة، "غصن الزيتون" و"نبع السلام"، إذ اقتصرت مشاركتها على توفير الغطاء المدفعي للقوات المُهاجِمة، وتوجيه بعض الضربات الجوية عبر طائراتها المسيرة، وسط تضارب كبير في الأنباء لجهة تحديد أسباب الهجوم والهدف منه، حيث ذكرت مصادر لـ "تلفزيون سوريا"، نقلًا عن مصدرٍ لها في "الفيلق الأول" المسؤول عن جبهة عين عيسى، ما مفاده أن المعركة المرتقبة شرق نهر الفرات قد بدأت بالفعل، فيما نفى ناشطون، نقلًا عن مدير المكتب الإعلامي للفيلق محمد أتارب، أن يكون الهجوم جزءًا من العملية العسكرية المرتقبة.

ولكن ما نفاه الناشطون، أشار إليه عضو "هيئة المصالحة" التابعة لنظام الأسد عمر رحمون، إذ قال في تغريدةٍ له نشرها ليلة الأربعاء: "وداعًا عين عيسى"، في إشارةٍ إلى احتمال تعرض البلدة لهجومٍ من قبل فصائل الجيش الوطني المدعومة من الأتراك من جهة، ووصول المفاوضات الثلاثية بين "قسد" وروسيا والنظام حول البلدة، إلى طريقٍ مسدود من جهةٍ أخرى، وهو ما أشارت إليه أمينة عمر، الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية "مسد"، حيث قالت في تصريح لوكالة أنباء "هاوار" المقربة من حزب الاتحاد الديمقراطي، إن الهجوم الذي نفذته فصائل المعارضة بدعمٍ تركي على عين عيسى، يهدف إلى السيطرة على أراضي جديدة شمال شرقي سوريا، وقطع أوصال مناطق سيطرة "قسد".

وحمّلت عمر في تصريحاتها الجانب الروسي مسؤولية ما يجري في عين عيسى، باعتباره الطرف المسؤول عن حماية البلدة بناءً على التفاهمات المبرمة بين موسكو وأنقرة حول المنطقة نهاية العام الفائت. وأكدت عمر في هذا السياق أن روسيا حاولت الضغط على قوات سوريا الديمقراطية بهدف تسليمهم المنطقة بشكلٍ كامل، تمهيدًا لتسليمها إلى نظام الأسد في وقتٍ لاحق، وهو ما أشارت إليه مصادر مقربة من "قسد" لصحيفة العربي الجديد، اعتبرت أن التنازل عن عين عيسى سيمهد لتنازلات تطال مناطق أخرى تحت حجة حمايتها من الأتراك، وأكدت أن "قسد" ليست بصدد التفكير بالتنازل عن أي منطقة شمال شرق سوريا لنظام الأسد.

وكانت قوات سوريا الديمقراطية قد توصلت في تشرين الأول/أكتوبر الفائت، إلى اتفاقٍ عسكري مع الجانب الروسي، يقضي بالسماح للقوات الروسية وميليشيات نظام الأسد بالتمركز في عدة نقاط شرق نهر الفرات، في محاولةٍ منها لتجنب الهجوم التركي على بلدة عين عيسى التي تعتبر العاصمة الإدارية لـ "الإدارة الذاتية"، حيث كانت تضم أغلب المكاتب الإدارية والسياسية للإدارة، قبل نقلها إلى مدينة الرقة أثناء العملية العسكرية التركية خلال تشرين الأول/ أكتوبر من العام الفائت، مما يعني أن سقوطها بيد الأتراك سيهدد وجودها في المنطقة، وهو ما سيحدث أيضًا في حال قبلت قسد تسليم البلدة للقوات الروسية.

يأتي تصعيد الجانب التركي والفصائل الموالية له بعد ثلاثة أشهر من عمليات التحشيد العسكري على جبهة بلدة عين عيسى، تخللتها اشتباكات متقطعة بين الفصائل وميليشيات "قسد"

وضعت التطورات الجديدة "قسد" أمام خياراتٍ صعبة، فإما أن تقبل بتسليم البلدة للقوات الروسية بالكامل، وبالتالي تسليمها لقوات النظام، وهو ما قد يتكرر في مناطق أخرى تسعى تركيا إلى السيطرة عليها شرق نهر الفرات، أو الانسحاب منها وتسليمها للجيش التركي والفصائل الموالية له، على غرار ما حدث في عفرين ورأس العين وتل أبيض، الأمر الذي يعزز موقف الأتراك العسكري في المنطقة الأكثر أهمية في الجغرافية السورية اليوم بالنسبة إلى أطراف الصراع، حيث تتيح السيطرة على بلدة عين عيسى التحكم بعقدة طرق تربط بين مدن وبلدات المنطقة، مما يعني تقطيع أوصال مناطق سيطرة "قسد". ­­

 

اقرأ/ي أيضًا: