15-يونيو-2022

تهديد رئيس الوزراء الاسرائيلي لطهران يأتي بعد رفع مستوى التحذير للدرجة القصوى (Getty)

في تطور لافت مرتبط بالتصعيد الحاصل بين إسرائيل وإيران في الفترة الأخيرة، هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت بقتل العناصر التي تستهدف الإسرائيليين والمسؤولين عن إرسالهم. حديث بينيت جاء خلال مراسم إحياء ذكرى قتلى الغزو الإسرائيلي للبنان في العام  1982، وأشار إلى معلومات عن استهداف إسرائيليين بقوله "نشهد في هذه الأيام محاولات لاستهداف الإسرائيليين في مناطق مختلفة في العالم، وتبذل أذرع الأمن الإسرائيلية كل جهد لإحباط هذه العمليات، وتحييد من أرسل هؤلاء. لن نتردد في استخدام قوة دولة إسرائيل في كل مكان في العالم من أجل المحافظة على مواطنينا".

تهديد رئيس الوزراء الاسرائيلي يأتي بعد رفع مستوى التحذير للدرجة القصوى والطلب من الإسرائيليين عدم السفر إلى تركيا

تهديد رئيس الوزراء الاسرائيلي يأتي بعد رفع مستوى التحذير للدرجة القصوى والطلب من الإسرائيليين عدم السفر إلى تركيا. فقد دعت الحكومة الإسرائيلية ومجلس الأمن القومي الإسرائيلي "الإسرائيليين الموجودين على الأراضي التركية إلى العودة فورًا"، بفعل مخاوف جدية من استهدافهم من قبل عناصر إيرانية. بدوره دعا وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد يوم الإثنين عبر "تويتر" الإسرائيليين إلى عدم السفر إلى إسطنبول، وإذا لم تكن لديك حاجة ماسة فلا تسافر إلى تركيا". وتابع "إذا كنت بالفعل في إسطنبول، عد إلى إسرائيل في أسرع وقت ممكن وذلك بعد أحداث الأسابيع الأخيرة في تركيا وبعد سلسلة من محاولات الهجمات الإرهابية الإيرانية ضد الإسرائيليين الذين ذهبوا في إجازة لإسطنبول".

وذكرت وسائل إعلام عبرية أن "إسرائيل أطلعت تركيا بشكل مسبق على دعوة وزير الخارجية يائير لبيد الإسرائيليين بعدم السفر إلى تركيا"، مشيرة إلى أن "الأتراك لم يعترضوا وقالوا إنهم يدركون الموقف جيدًا ويأخذونه على محمل الجد". كما نقلت وسائل إعلام اسرائيلية عن جيش الاحتلال إصداره تعليمات بمنع جميع الضباط والعاملين في المجالات العسكرية من السفر إلى تركيا، وقالت صحيفة هآرتس الإسرائيلية إن "الجيش الإسرائيلي أصدر توجيهات لجميع الضباط والموظفين الدائمين والجنود المتواجدين على الأراضي التركية بمغادرتها على الفور"، وذلك في ظل تقارير بشأن هجمات إيرانية محتملة ضد أهداف إسرائيلية. وأضافت الصحيفة أن "القرار شمل كذلك إلغاء جميع التصاريح الاستثنائية الممنوحة للضباط التي تسمح لهم بالتواجد على الأراضي التركية"، حيث تمنع التوجيهات الجديدة "جميع عناصر الجيش الإسرائيلي من السفر حتى عبر رحلات غير مباشرة تستوجب التوقف في المطارات التركية".

إلى ذلك، ذكرت القناة 12 الإسرائيلية أن "قوات الأمن التركية عززت من انتشارها في الأماكن التي يمكث فيها مواطنون إسرائيليون، وسط جهود أمنية مكثفة بالتعاون مع الموساد، لمنع استهداف إسرائيليين"، وأضافت القناة بأن "مسؤولين أمنيين إسرائيليين تحدثوا هاتفيًا مع نحو ألف مواطن إسرائيلي متواجد في تركيا، وحذروهم من هجمات إيرانية محتملة". 

كما أوردت القناة الـ13 الإسرائيلية تفاصيل ما قالت إنه "تدخل مسؤولين أمنيين إسرائيليين لإجلاء عدد من الأشخاص من تركيا بصورة عاجلة"، بعد ورود معلومات عن استهدافهم، حيث أشارت إلى أنه تم "إحباط عملية كانت تستهدف سياحًا إسرائيليين في تركيا، وأن أجهزة الأمن الإسرائيلية تواصلت مع مجموعة السياح، وطلبت منهم العودة للفندق الذي تقيم فيه المجموعة، ونقلهم بشكل سريع إلى المطار، ومن هناك إلى إسرائيل حتى دون حزم أمتعتهم". وتصدر موضوع محاولات الحرس الثوري وعناصر إيرانية استهداف إسرائيليين خارج دولة الاحتلال في تركيا تحديدًا على الخطاب والتقارير الإعلامية الإسرائيلية، مع الإشادة أيضًا بـ "التعاون الوثيق بين أجهزة الاستخبارات والأمن الإسرائيلية والتركية".

وفي إطار الحرب الخفية المتبادلة بين الطرفين نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن مصادر إيرانية قولها إن "طهران تعتقد أن إسرائيل قامت بتصفية عالمين إيرانيين عن طريق تسميم طعامهما في أيار/مايو الماضي". وأشارت المصادر إلى أن العالمين هما أيوب انتظاري وهو مهندس طيران عمل في مركز عسكري للأبحاث، وكمران أغملائي هو عالم جيولوجي، وكلاهما درس في أرقى الجامعات الايرانية، وفي مقتبل العمر ويتمتعان بصحة ولياقة بدنية جيدة.

وذكر أحد المصادر أن أعراض التسمم بدأت بالظهور على انتظاري بعد مأدبة عشاء حضرها في مدينة يزد وسط إيران، وأن الداعي إلى المأدبة اختفى بعد الحادثة، وأن السلطات الإيرانية شرعت في البحث عنه. أما كمران أغملائي فنقلت نيويورك تايمز عن صديقه قوله أن أعراض تسمم حادة ظهرت عليه عقب عودته إلى طهران من رحلة عمل إلى مدينة تبريز شمال غربي إيران.

ووفقًا للنيويورك تايمز، فإن انتظاري عمل في مشاريع مرتبطة بالصواريخ ومحركات الطائرات بمركز حكومي للفضاء في مدينة يزد، أما أغملائي فإن المعلومات المتداولة حوله والتي نقلتها تقارير إيرانية معارضه تحدثت عن عمله في منشأة "نطنز" النووية وهو ما نفاه أصدقاؤه مؤكدين أنه كان يعمل في شركة خاصة للبحث الجيولوجي. هذا ونفت وزارة العدل الإيرانية وفاة انتظاري جراء التسميم، واعتبرتها معلومات غير دقيقة، وقال مسؤول في الوزارة إن "انتظاري  لم يكن عالمًا بارزًا بل كان موظفًا عاديًا في إحدى الشركات، وكان مريضًا وتوفي لأسباب طبيعية".

كما أعلن بداية الأسبوع عن مقتل عنصرين من القوات الجوية الفضائية بالحرس الثوري الإيراني في حادثتين منفصلتين أثناء أداء مهام عملهما. وقال بيان صادر عن الحرس الثوري الايراني إن "الضابط في القوات الجوية الفضائية علي كماني لقي مصرعه في حادث سير بمدينة خمين وسط البلاد أثناء أداء مهامه"، من دون ذكر مزيد من التفاصيل. وبعد ساعات قليلة أفادت وكالة فارس للأنباء التابعة للحرس الثوري عن "وفاة محمد عبدوس أحد موظفي القوات الجوية الفضائية في الحرس الثوري في مدينة سمنان شرقي العاصمة طهران أثناء أدائه مهام عمله"، ولم تذكر الوكالة تفاصيل إضافية عن ظروف الوفاة.

يذكر أن إيران شهدت  خلال السنوات الأخيرة الماضية مجموعة من الاغتيالات والهجمات استهدفت عددًا من العلماء والعسكريين، اتهمت إسرائيل بالوقوف وراءها، آخرها كان اغتيال القيادي في فيلق القدس حسن صياد خدايي. واتهمت طهران تل أبيب بالوقوف وراء اغتياله، وتعهد الحرس الثوري الإيراني بالرد على عملية الاغتيال. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت قد ألمح الأسبوع الماضي إلى ضلوع إسرائيل في عمليات الاغتيال التي شهدتها إيران مؤخرًا، حين قال إن "العام الأخير شكل عام تحول بكل ما يتعلق باستراتيجية إسرائيل تجاه إيران، وإن إسرائيل تعمل في أي زمان وفي كل مكان في مواجهة طهران".

أزمات داخلية وإقليمية في الخلفية

مع احتدام التصعيد بين إسرائيل وإيران وانتقاله إلى ساحات أخرى مثل الساحة التركية، اعتبر عدد من المختصين والمتابعين للملف أن التصعيد الإسرائيلي الأخير يندرج في إطار سياسة الهروب إلى الأمام من خلال تصدير الأزمة الداخلية التي تعاني منها إسرائيل إلى الخارج. وفي حين أن الحكومة الإسرائيلية استكملت عامها الأول قبل أيام فقط، فإنها فشلت في التعامل مع ملفات حاسمة، من بينها الاستقطاب العميق بين مكونات التحالف المبنية عليه، والمهدد طوال الوقت تقريبًا بالتفسخ، فيما خسر قدرته على إقرار أي مشروع قانون بعد رفض نواب المعارضة ونواب منسحبون التصويت على أي مقترح يقدمه الائتلاف.

يضاف إلى ذلك، أن هناك مخاوف لدى الحكومة الإسرائيلية من فشل ضغوطها على إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، فيما يتعلق بالمفاوضات حول تجديد الاتفاق النووي. حيث تخوف مسؤولون إسرائيليون في غير مرة من ما وصفوه بأنه تعامل أمريكي منفتح مع طهران، في ظل حملة غربية واسعة النطاق على روسيا. خاصة أن الأخيرة تلعب ورقة الانسحاب من مناطق في سوريا للضغط على واشنطن، وبالتالي ترك المجال أمام القوات الإيرانية للتقدم أكثر، وهو ما يقلق المسؤولين في إسرائيل على نحو خاص.

اعتبر عدد من المختصين والمتابعين للملف أن التصعيد الإسرائيلي الأخير يندرج في إطار تصدير الأزمة الداخلية التي تعاني منها إسرائيل إلى الخارج

في هذا السياق، يشير الإعلامي الإسرائيلي المتخصص في الشؤون العربية والفلسطينية يواف شتيرن إلى "عمق التشرذم السياسي والشرخ في المجتمع الإسرائيلي وعدم التوافق أو الإجماع على حقيقة المخاطر الخارجية المحدقة مثلما كان بالسابق، وسط المخاطر الداخلية التي تهدد مستقبل إسرائيل". وردًا على سؤال عما إذا كانت إسرائيل تسعى إلى تصدير أزماتها الداخلية عبر رفع منسوب التصعيد، أجاب بالقول "هذا هو الواقع الذي تحاول حكومة بينيت احتواءه، حيث لجأت مجددًا للتصعيد بنبرة التهديد ضد إيران وإعادة فزاعة المشروع النووي والتهديدات التي يشكلها حزب الله، في محاولة منها لإعادة تكريس العدو المشترك في الذهنية الإسرائيلية".