20-فبراير-2021

الشاعر البولندي تشيسواف ميووش (1911 – 2004)

ألترا صوت – فريق التحرير

وصِف الشاعر البولندي تشيسواف ميووش (1911 – 2004)، بأنه مؤرخ أخبار تلاشي الافتتان بعقائد مختلفة انتصرت ثم انهارت خلال فتراتٍ معينة. ورأت فيه الشاعرة بوليا هارتفيغ شاعرًا قادرًا على تحويل: "المواضيع التي تبدو غير شعرية إلى شعرٍ حقيقي. إن شعره مفتوح على كافة المواضيع التي تثيره كإنسان، وهذا بحد ذاته أمر نادر الحدوث لدى الشعراء الآخرين. ربما هذه صفة الشعراء الكبار".

تتوزع مجموعة "أنشودة اللؤلؤة" على ستة أجزاء، ضمت قصائد وضع فيها تشيسواف ميووش خلاصة تأملاته حول ذاته وعوالمها وتناقضاتها

صفاتٌ من بين أخرى كثيرة لازمت الحديث عن تشيسواف ميووش، باعتباره أهم شعراء بولندا بحسب البعض، وأحد كبار شعرائها في القرن العشرين بحسب البعض الآخر، إلى جانب زبيغنيف هربرت، وفيسوافا شيمبورسكا، وتادئوش روزيفيتش، بالإضافة إلى أنه مؤلف واحدة من أهم الأطروحات الفكرية، التي درست أشكال الحصار التي يفرضها حُكم الحزب الواحد على الكتّاب والمفكرين.

اقرأ/ي أيضًا: "بلاغة المكان" لعلي سفر.. اللغة مفتاح الشعرية الأول

وتقديرًا لقصيدته التي تصرّ على وجود حقيقةٍ ما في الشعر، وأفكاره حيال أزمات عصره وواقعه، مُنح الشاعر البولندي جائزة نوبل للآداب عام 1980، وأتاح فوزه الفرصة لقراءته بلغات العالم الأخرى، ومنها العربية، حيث سارع الشاعر والمترجم العراقي هاتف جنابي، إلى ترجمة بعض قصائده ونشرها في مجلة "الهدف" مطلع عام 1981، ولكنه لن يُعرف عربيًا على نحوٍ واسع إلا بعد إصدار "دار المدى" مختاراتٍ من شعره عام (1998) تحت عنوان "مديح الطائر".

"أنشودة اللؤلؤة" هو عنوان مجموعته الشعرية التي ستصدر قريبًا عن "منشورات الجمل"، ترجمة هاتف جنابي، وهي أولى أعماله الكاملة التي تُنقل إلى اللغة العربية، بعد مختاراته الصادرة عن "دار المدى" عام 1998، وتلك الصادرة عن "الدار المصرية اللبنانية" عام 2010.

يقول المترجم العراقي في تقديمه للمجموعة الصادرة عام 1982: "شرع تشيسواف ميووش بكتابة "أنشودة اللؤلؤة" في النصف الثاني من سبعينيات القرن العشرين. وإذا ما وضعنا مسطرة العمر لاستطعنا القول إن عمره بدأ بتجاوز عتبة الخمسين والستين. وهذا يعني أنه كان فوق الكهولة ودون المَهرمة. من المفترض أن يكون المرء في مثل هكذا عمر أكثر ميلًا للتأمل والحكمة وتوظيف الخبرة والمعرفة، مع الابتعاد عن التجريد قدر المستطاع".

تتوزع المجموعة على ستة أجزاء، حمل أولها عنوان المجموعة "أنشودة اللؤلؤة"، وجاء الثاني تحت عنوان "الجبل السحري"، وضم خمسة عشر نصًا وضع فيها الشاعر البولندي خلاصة تأملاته حول ذاته وعوالمها وتناقضاتها أيضًا، بينما حمل الجزء الثالث عنوان "معتمة ومخيفة"، وتضمن حوارًا داخليًا بين الذات والعالم، إلى جانب تأملاتٍ في أحوال الشعر والشاعر وتناقضاتهما.

أما الجزء الرابع "دفتر متصل"، فتوزع على قسمين هما "عبر معرض المرايا"، و"أوراق سنوات الاستقلال البولندي 1918 – 1920 وما بعدها"، وقد خصصهما ميووش لاستعادة أحداثٍ مبكرة من حياته، حيث وظف سيرته الذاتية في بنية النص، إلى جانب مجموعة من الأفكار والاقتباسات والأغاني الشعبية وتفاصيل أخرى، رسم عبرها صورة شبه بانورامية للمكان الذي نشأ وعاش فيه، بما خبره وعايشه من دمارٍ ومآسٍ ورعب على امتداد أكثر من سبعة عقودٍ من الزمن.

وقدّم صاحب "العقل المعتَقَل" في الجزء الخامس محاورة لقصائد الشاعر الهندي المتصوف "كبير داس" (1440 – 1518)، حيث أعاد نقل وتحوير بعض قصائده التي تبحث في معنى الحياة والحب والمواضيع المرتبطة بهما، من منظور صوفي بحت، فيما ضم الجزء السادس والأخير "شارع ديكارت"، خمس قصائد تغطي فتراتٍ مختلفة من حياته، ويكشف عبرها الأفكار أو الأوهام الشخصية التي ينخدع بها الإنسان في شبابه عادةً.

يحاور الشاعر البولندي في مجموعته قصائد الشاعر الهندي المتصوف "كبير داس" التي تبحث في معنى الحب والحياة من منظورٍ صوفي

يبحث تشيسواف ميووش في معظم قصائده، وفقًا لآراء عددٍ كبير من النقاد الذين درسوا أعماله، عن الواقع الذي يراه: "معضلة حقيقية اليوم"، بينما يرى نقاد آخرون أن قصائده لا تسعى إلى وضع تقديمٍ ما للواقع بقدر سعيها لإضفاء الطابع الدرامي على الوعي، وهي فكرة يتفق معها الشاعر الأمريكي تشارلز سيميك الذي رأى أن قصيدة الشاعر البولندي، تُقدّم فهمًا عميقًا للاضطراب النفسي والفكري الذي يعانيه الإنسان في مختلف حقب التاريخ.

اقرأ/ي أيضًا: مشروع "أصوات".. إصدارات إلكترونية لمحو المسافة مع الشعر

يقول الشاعر البولندي في إحدى قصائده: "أخذت اللؤلؤة وانطلقت في طريق عودتي إلى منزل أبي. نزعت من جسمي ثيابهم القذرة والنجسة تاركًا إياها ورائي في أرضهم. وهكذا توجهت لكي أتمكن مباشرةً من الوصول إلى نور وطننا المشرق. حلّقت أمامي الرسالة التي أيقظتني. ومثلما أيقظتني بصوتها سابقًا قادتني الآن بنورها الساطع أمام ناظري وبصوته روْعي وشجعني بحبه".

 

اقرأ/ي أيضًا:

بوب كوفمان في "المطر القديم".. الشاعر مسمر على عظام العالم

عماد الدين موسى في مجموعته "كسماء أخيرة"