15-مارس-2021

رفض ديبي حملات مقاطعة الانتخابات (Getty)

يبدو أن المشهد السياسي في تشاد غير مستقر منذ أن وقعت حادثة القيادي المعارض والمرشح الرئاسي يحيى ديلو، في الثامن والعشرين من شهر شباط/فبراير الماضي، والتي أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى وسط أفراد أسرته بمن فيهم والدته. 

يبدو أن المشهد السياسي في تشاد غير مستقر منذ أن وقعت حادثة القيادي المعارض والمرشح الرئاسي يحيى ديلو، في الثامن والعشرين من شهر شباط/فبراير الماضي

وجدت هذه الحادثة رفضًا وتعاطفًا شعبيًا كبيرًا، وأسفرت عن انشقاقات داخل القيادة العامة، نظرًا لتركيبة الجيش القبلية الأمر الذي أدى إلى إقالة العديد من الضباط من بينهم المدير العام للشرطة بسبب تضامنه مع القضية، بحسب مقربين له. 

اقرأ/ي أيضًا: ديبي سمسار حفل الظلام.. ما الذي تبحث عنه إسرائيل في تشاد؟

ساد توتر كبير، وانفجرت منصات التواصل الاجتماعي بصور ومقاطع الحادثة وأطلق النشطاء السياسيون في المنفى وسمًا بعنوان #تمرق_بس #تشاد_يعاني على تويتر وفيسبوك للمطالبة برحيل الرئيس ديبي، الأمر الذي أغضب السلطات التشادية بحجب خدمات الإنترنت لمدة أربعة يام، في خطوة وصفها المراقبون بأنها تمثل حرص الرئيس إدريس ديبي على المحافظة على مقاليد السلطة مقابل تصفية الحسابات مع كل من يطمح في السلطة أو يرفض تعليماته. 

وفي أول ردة فعل سياسي أعلن 4 من أبرز القادة السياسيين في الساحة التشادية انسحابهم من السباق الرئاسي وتمسكهم بقرار مقاطعة انتخابات 11 نيسان/أبريل 2021، ولكن المحكمة العليا رفضت قبول ذلك وأصدرت القائمة النهائية، وأعلنت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات المعروفة بــ"سيني" عن بدء الحملة الانتخابية منتصف ليلة الخميس، إلا أن القادة السياسيين ما زالوا يحثون الشعب على ضرورة مساندتهم لعرقلة الانتخابات.

المرشح عن تحالف النصر  نوتفيل بونقورو برر على لسان المتحدث  باسم التحالف جيوكومبي فرانسوا، سبب انسحابه من السباق الرئاسي بأنه يتعلق بحادثة اقتحام منزل يحيى ديلو وقال إنه اشترط تأجيل الانتخابات والدعوة إلى طاولة الحوار. بينما لخص مرشح كتلة الفيدراليين نجارليجي يورونقار سبب انسحابه في تردي الوضع السياسي والذي من شأنه التأثير على نزاهة الانتخابات. 

وأعلن كل من المرشح عن التحالف الديمقراطي بريس جدمباي ومرشح  اتحاد العمال من أجل التماسك عبر مؤتمر صحفي تعليق حملاتهما الانتخابية مساء الخميس 11آذار/ مارس الجاري. كما أعلن رئيس حزب المحولون سيكسيه مسرا، الأربعاء 10 آذار/مارس عبر صفحته في الفيسبوك، سحب جواز سفره من قبل السلطات الأمنية، ويتوقع مسرا سحب جنسيته. يأتي ذلك على خلفية رفض ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية قبل أيام بحجة أن حزبه غير مصرح له للعمل من قبل الجمعية الوطنية (البرلمان)، ومنذ كانون الثاني/يناير الماضي بدأ مسرا في تنطيم مسيرات سلمية رفضًا لقرار ترشح الرئيس ديبي الذي يحكم البلاد منذ ثلاثة عقود (2 كانون الأول/ديسمبر 1990)  لولاية سادسة. 

رافق هذا المشهد المتازم تساؤلات عدة حول موقف المعارضة من التمسك بقرار مقاطعة الانتخابات، وتوقعات الطرفين عن نجاح أو فشل سير العملية الانتخابية في ظل الأوضاع الحالية. 

تمسك المعارضة بقرار مقاطعة الانتخابات يأتي على خلفية رفض ملفات كل من المرشح الرئاسي عن حزب المحولون سيكسي مسرا  والمرشح الرئاسي عن الحزب الاشتراكي يحيى ديلو وآخرون من كتلة المعارضة وجماعات الحراك الشعبي، كما يوضح رئيس حزب الشعب من أجل التغيير خليل محمد جبريل لـ"الترا صوت". ويتابع المتحدث: "نحن كأحزاب سياسية معارضة نعتقد أن هذه الانتخابات تفتقد أسس الديمقراطية والنزاهة، لذا قررنا مقاطعة هذه الانتخابات مقاطعة تامة. لقد بدأنا في عقد لقاءات ومشاورات مع جمعيات المجتمع المدني والنقابات العمالية إلى جانب كتل أحزاب المعارضة وما زالت المشاورات مستمرة . سنخرج بخارطة طريق عمل واضحة". كما يشير إلى أن "الخارطة ستضم بعض الأعمال التي نقوم بها ليس فقط مقاطعة للانتخابات بل منع إجرائها بالأساس، لإسقاط نظام إدريس ديبي، وأن نؤسس لحوار وطني جاد وتشكيل حكومة انتقالية لمدة عامين حتى نتمكن من وضع أسس الديمقراطية والحرية والمساواة  وقيام انتخابات حرة وشفافة"، معتبرًا أن "الأيام القادمة ستكشف ما نرمي إليه".

وفي وقت سابق كتب زعيم المعارضة الديمقراطية السابق والمرشح الرئاسي عن حزب الاتحاد من أجل التنمية والتجديد صالح كبزابو على صفحته في الفيسبوك معللًا أن قرار مقاطعتهم للانتخابات لا يعني إعطاء ديبي ولاية سادسة كما كانت في 2006 و2011، مؤكدًا أنه لن تكون هناك انتخابات في 11 نيسان/أبريل، قائلًا: "سيكون عام 2021 عام التناوب أي التغيير في تشاد . هذا هو إيماني الراسخ.  لكن هذه النتيجة ستعتمد قبل كل شيء على الشعب".

وردا على قرار المقاطعة قال الأمين العام النائب للحزب الحاكم في تشاد (الحركة الوطنية للإنقاذ) جان برنارد باداريه في تصريح لراديو فرنسا الدولية RFI "لن يتمكن أحد من منع إجراء الانتخابات الرئاسية".

بدوره، استبعد الوزير السابق ورئيس حزب النصر محمد النضيف يوسف (عن تحالف الموالاة) في حديث لـ "الترا صوت"، قرار المقاطعة، وقال "إن هذه الاضطرابات لا تؤثر على سير الانتخابات نظرًا لأن الرئاسيات ضمن الاستحقاقات الأخرى: التشريعية، والبلدية قد تمت جدولتها منذ فترة طويلة وعبر توافق جميع الأطراف المكونة للإطار الوطني للحوار السياسي الذي يجمع المعارضة والموالاة، فلا يمكن أن نأتي في اللحظة الأخيرة ونقول كلاما آخر". مشيرًا إلى أن هناك ما يقرب من عشرين مرشحًا تقدموا بملفاتهم فتم قبول البعض ورفض آخرون، ومن بينهم معارضون. وتابع أنه "حتى الذين يعترضون اليوم لو قبلت ملفاتهم لما اعترضوا"، منوهًا إلى أن الأحزاب التي تقف وراء مرشح التوافق إدريس ديبي تزيد على المئة حزب وهي أيضا لها رأيها وخياراتها، ومن الديمقراطية نفسها أن نستمع للجميع ونقدر كل الآراء والخيارات وإلا نكون قد ظلمنا الديمقراطية نفسها ولم نقبل الرأي الآخر، بحسب تعبيره.

مخطط إفشال الانتخابات 

 حول خيارات المعارضة لإفشال العملية الانتخابية يقول خليل لـ"لترا صوت" سنركز على المظاهرات والمسيرات السلمية، وقد قمنا بمخاطبة السفارات والبعثات الدبلوماسية، والهيئات الدولية كالأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي والأفريقي، وبعض الدول مثل فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا، وسويسرا، وهولندا.

وعن انعكاسات قرارات المعارضة على مجريات الانتخابات  يقول النائب البرلماني  إسحاق عيسى يوسف لـ"الترا صوت" إن انسحاب أربعة من المترشحين للرئاسة وأبرزهم صالح كبزابو لن يؤثر مباشرة على مجريات الانتخابات الرئاسية بل العكس هو في مصلحة الرئيس إدريس ديبي. حيث لن يكون أمامه منافس قوي يوصله إلى الدور الثاني على الأقل.

فيما قال القيادي المعارض رئيس الحزب الاشتراكي يحي ديلو جرو  في تصريح لـ"الترا صوت" أيضًا إن انتخابات نيسان/أبريل 2021 لن تجرى. "نحن قد عزمنا العقد بإفشالها، لقد بدأنا في مشاورات جادة مع رفاقنا في كتل أحزاب المعارضة التي يتجاوز عددها أكثر من 60 حزبًا إلى جانب النقابات العمالية والمنظمات الحقوقية، وهناك اتجاه لتحريك الشارع في كافة الأراضى الوطنية ابتداء من يوم 20 شهر آذار/مارس الحالي. سوف يرحل إدريس ديبي قريبًا وندخل في فترة انتقالية".

لم يكن أمام الرئيس ديبي فرصة لإقناع المعارضة للعودة إلى الحوار. ظهر ذلك خلال مخاطبته حفل انطلاق حملته الانتخابية مساء السبت بملعب إدريس محمد اويا، حيث وجه رسالة مفادها "تبًا لكم" في إشارة إلى الزعماء السياسيين الذين أعلنوا انسحابهم من السباق الرئاسي، وقال إنهم شعروا بالخسارة أمامي، إن قرار انسحابهم يؤكد انتحارهم السياسي. وفي تهديد لمشغلي شبكات التواصل الاجتماعي قال إنه لا يقبل الفوضى باسم الديمقراطية، وإن هناك رجالًا ضحوا بأرواحهم في سبيلها.

انتخابات نيسان/أبريل 2021  ليست كسابقاتها، فهي تأتي والبلاد  تعيش حالة انسداد سياسي لم تشهد مثيلًا له من قبل

وفي تقديرات الباحث والمحلل السياسي محمد آدم العيساوي، فإن انتخابات نيسان/أبريل 2021  ليست كسابقاتها، فهي تأتي والبلاد  تعيش حالة انسداد سياسي لم تشهد مثيلًا له من قبل. ويشرح العيساوي خلال حديثه لـ "الترا صوت" الأسباب وراء ذلك، معتبرًا أنها تدور حول انقطاع الحوار بين الحكومة والمعارضة السياسية، وواقعة مداهمة منزل المعارض (يحي ديلو) التي انعكست بشكل واضح على الوضع السياسي في تشاد بانسحاب رموز المعارضة من العملية الانتخابية، وهم الآن يتحركون بتناغم، وتنسيق ملحوظ. ورغم أنهم جميعًا خارج حلبة التنافس إلا أن استراتيجيتهم واحدة وهي مجاراة النظام الحاكم حتى لحظة إعلان نتائج الانتخابات ومن ثم رفضها وهو أمر من شأنه إدخال البلاد في أزمة سياسية وانتخابية ومواجهات وأعمال عنف قد تنتهي بدخول الحركات المسلحة في المشهد، وهي حركات معظمها يتواجد في الأراضي الليبية وبعضها تتخذ من مناطق المثلث بين تشاد والسودان وأفريقيا الوسطى مسرحًا لتحركاتها. وهذه الحركات لا ينبغي تجاهلها بأي حال من الأحوال، إذ سوف تحاول الاستفادة من أي مواجهة تقوم بين الحكومة والمعارضة، وهي مواجهة تكاد أن تكون حتمية حسبب العيساوي.

 
اقرأ/ي أيضًا:
دلالات: