07-يناير-2019

يواجه الاقتصاد العراقي أزمة شديدة (Getty)

بعد إقرارها بشكل منتظم ومبكر خلال فترة إدارة حكومة حيدر العبادي للعراق باستثناء العام الماضي، عاد ملف الموازنة لينضم لسلسلة الملفات العالقة والأزمات التي تواجه الحكومة الجديدة في العراق.

شكل ملف الموازنة هاجسًا كبيرًا للعراقيين، منذ الغزو الأمريكي للبلاد في عام 2003، بعد أن عرقلت الخلافات والمصالح السياسية تمريرها في موعدها على مدى سنوات

شكل ملف الموازنة هاجسًا كبيرًا للعراقيين، منذ الغزو الأمريكي للبلاد في عام 2003، بعد أن عرقلت الخلافات والمصالح السياسية تمريرها في موعدها على مدى أكثر من عشرة أعوام، بل إن البرلمان فشل بتمرير موازنة عام 2014 بعد خلافات مع رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على عجلة الاقتصاد في البلاد، والذي يعتمد بشكل أساس على النفط.

اقرأ/ي أيضًا: هل تتجاوز جلسة البرلمان العراقي فشل عبدالمهدي ومتاهة الفياض؟

مؤخرًا، أعلنت الأمانة العامة لمجلس الوزراء السابق، في 28 تشرين الأول/أكتوبر 2018، عن موافقة المجلس على مشروع قانون الموازنة المالية لعام 2019 وإحالته إلى مجلس النواب، بحجم نفقات بلغت 128.4 تريليون دينار عراقي (نحو 108 مليارات دولار)، وعجز مالي بلغ 22.8 تريليون دينار (نحو 19 مليار دولار).

لكن البرلمان الجديد رفض تمرير الموازنة، وصوت في 6 تشرين الثاني/نوفمبر، على مفاتحة الحكومة الجديدة لتمرير التعديلات على الموازنة عبر لجنة مشتركة، بعد اعتراضات من نواب عدة محافظات من بينها المحافظات المحررة والبصرة، حيث قالوا إن الموازنة لم توفر تخصيصات كافية لتلك المحافظات في ظل الحاجة الكبيرة إلى المشاريع والوظائف، فضلًا عن اعتراضات النواب الكرد المطالبين بـ 17% من حجم الموازنة لإقليم كردستان.

ومن المحتمل أن يعقد البرلمان جلسة جديدة الثلاثاء 8 كانون الثاني/يناير 2019، قد تتضمن مناقشات جديدة لمسودة القانون، بعد تعديلات أجراها البرلمان على النسخة التي قدمتها الحكومة بعد منتصف كانون الأول/ديسمبر 2018، وفق عضو اللجنة المالية النيابية، أحمد حاجي رشيد، الذي أكد في تصريحات صحافية عدم علمه بالتوصل لأي اتفاقية بين بغداد وأربيل حول حصة الإقليم من الموزانة الاتحادية.

ارتفاع العجز!

تسلم البرلمان مسودة جديدة للقانون من الحكومة، وسط ترجيحات برلمانية بإعادتها إلى الحكومة مجددًا، بعد "نتائج بائسة" قدمتها اللجنة المشتركة الخاصة بتعديل فقرات الموازنة وارتفاع نسبة العجز فيها، على حد تعبير عضو لجنة النزاهة في البرلمان، عبد الأمير المياحي.

وارتفع العجز إلى 27,537 ترليون دينار بعد التعديلات التي أقرتها اللجنة المشتركة على القانون، بحسب وثائق رسمية كشفت عن المسودة النهائية التي قدمت إلى البرلمان، فيما قدرت الإيرادات العامة بـ 105,569 ترليون دينار، وفق سعر 56 دولارًا لبرميل النفط الواحد وبمعدل تصدير يبلغ 3.88 مليون برميل يوميًا.

فيما سيتم سد العجز الكبير وفق الوثائق من خلال الاقتراض الداخلي عبر  السندات والرصيد المدور لوزارة المالية، والخارجي، عبر عدد كبير من القروض من البنك الدولي وجهات ودول عدة من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا والسعودية، فضلًا عن السندات.

وبلغ حجم النفقات الجارية ضمن مسودة قانون الموازنة 100 ترليون و59 مليار دينار، فيما بلغ إجمالي النفقات الاستثمارية، 33 ترليون و43 مليار دينار، مقابل إنفاق استثماري من الخزينة بقيمة 26 ترليون و932 مليار دينار وإنفاق استثماري عن طريق القروض الأجنبية ومصرف التجارة بقيمة 6 ترليون و115 مليار دينار.

وخصص قانون الموازنة ترليوني دينار فقط، أي نحو 1.6 مليار دولار، لـ"إعمار وتنمية المشاريع في المحافظات كافة"، و800 مليون دولار أخرى للمشاريع في المحافظات المنتجة للنفط والغاز.

حصة كردستان

تقترح مسودة قانون الموازنة تحديد حصة إقليم كردستان، بحسب عدد نفوس كل محافظة من محافظات الإقليم، بعد استبعاد "النفقات السيادية"، على أن تتم تسوية المستحقات بين الإقليم والمركز للسنوات 2004 – 2018 بعد تدقيقها من قبل ديوان الرقابة، مقابل أن تلتزم حكومة كردستان بتصدير ما لا يقل عن 250 ألف برميل من النفط يوميًا من حقولها، وتسليم إيراداتها إلى الخزينة العامة.

ونص القانون على منح نسبة من تخصيصات القوات البرية الاتحادية إلى قوات البيشمركة بوصفها "جزءًا من المنظومة الأمنية العراقية"، وحسب النسب السكانية، فيما فرض استقطاع أموال من حصة الإقليم في حال عدم التزام إدارة كردستان بتسديد الإيرادات الاتحادية.

وفقًا لذلك، فإن نسبة الإقليم لن تتجاوز 12.67%، وهو ما تعترض عليه القوى الكردية وتطالب برفعه إلى 17%، وسط رفض من قبل رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، الذي أكد خلال مؤتمره الصحافي الأسبوعي في 31 كانون الثاني/ديسمبر، أن "أي تغيير لن يطرأ على حصة الإقليم التي أقرتها الحكومة السابقة وفق تقديرات وزارة التخطيط".

وأكد عبد المهدي، أن حكومته طرحت مقترحات تقوم على اتفاقات كاملة مع الإقليم بما يشمل كل القضايا الاتحادية ومنها الرسوم الجمركية والواردات المالية، لكن "من الصعب تطبيقها" في هذا الوقت، مشيرًا إلى أن المقترحات تهدف إلى إلغاء مسألة النسبة على أن يتم التعامل مع الإقليم كباقي المحافظات.

وكان نواب كرد قد هددوا بعرقلة قانون الموازنة في حال عدم رفع تلك النسبة وتأمين مستحقات قوات البيشمركة والفلاحين، والشركات النفطية. ولطالما نشبت خلافات بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان حول الحصص المالية منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003.

ومع تقديم الموازنة إلى البرلمان، فإن من المرجح أن يتم تعديل بعض الفقرات التي حددتها الحكومة ومن بينها حصة كردستان قبل طرح مسودة القانون للتصويت، وهو ما تشي به بعض تصريحات النواب الكرد ومن بينهم عضو اللجنة المالية هوشيار عبدالله، الذي طالب بضمانات من رئيس الوزراء بعدم الطعن بالمواد التي ستعدل، كما كان يفعل رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.

تتعلق تلك التعديلات كما يبين النائب الكردي، بـ "النسبة العادلة للمحافظات وتخصيصات المناطق المتضررة من داعش وحصة كردستان، وحسم الملف النفطي بين حكومتي المركز والإقليم ومدى التزام حكومة الإقليم بالنسبة المحددة للتصدير من خلال شركة سومو، وتخصيصات البيشمركة وتثبيت موظفي العقود وتوفير الدرجات الوظيفية، وغيرها".

الدرجات الوظيفية

بعيدًا عن الخلافات السياسية بشأن الموازنة، فإن أهم جنبة في القانون بالنسبة للمواطنين تلك المتعلقة بتخصيصات المشاريع والدرجات الوظيفية، والتي تراجعت بفعل الأزمة المالية الناتجة عن انخفاض أسعار النفط منذ عام 2014.

وكشفت اللجنة المالية في البرلمان،على لسان النائبة سهام العقيلي، عن تضمين مسودة الموازنة 65 ألف درجة وظيفية، تشمل تثبيت الدرجات الوظيفية للعقود بواقع 31 ألف درجة تم تخصيصها لوزارة الكهرباء، مشيرة في تصريحات صحافية، إلى أن الدرجات المذكورة تضمنت درجات حركة الملاك في جميع الوزارات ودوائر الدولة، فيما أكدت أن "الدرجات الوظيفية لمحافظة البصرة ستكون أيضًا ضمن حركة الملاك في دوائر المحافظة".

من جانبها نفت النائبة عن تحالف سائرون ماجدة التميمي في بيان لها، الأحد 6 كانون الثاني/يناير، التسريبات التي تحدثت عن استقطاع 10% من رواتب الموظفين في القطاع الحكومي لدعم الموازنة.

وكانت التميمي قد قالت في تغريدة سابقة عبر "تويتر"، إن الموازنة المالية العامة "تسير بالاتجاه الخاطئ"، حيث تنال "حصة الأسد" من التخصيصات أربع وزارات هي النفط والداخلية والدفاع والكهرباء، بحصة تقدر بـ 41.29 مليار دولار، بنسبة 36.6% من الموازنة، في وقت تنال بقية مؤسسات الدولة مجتمعة 63%.

ومع تذبذب أسعار النفط، يحذر مراقبون من تراكم العجز والديون على البلاد، وسط دعوات، لا تزال بعيدة المنال، لتنشيط القطاعات غير النفطية، والاعتماد على الصناعة والزراعة لرفد البلاد بالإيرادات واستثمار الأيدي العاملة، في وقت تشير فيه تقديرات برلمانية إلى أن انخفاض سعر النفط بمقدار دولار واحد لكل برميل يزيد معدل العجز في الموازنة بنحو 2 ترليون دينار.

اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف.. تكليف عادل عبدالمهدي بتشكيل حكومة العراق: التحديات وظروف الاختيار

ومن المتوقع أن يصل العجز في موازنة 2019، التي يسعى البرلمان إلى إقرارها قبل انقضاء شهر كانون الثاني/يناير، إلى 50% بسبب انخفاض أسعار النفط، بحسب عضو اللجنة المالية النيابية أحمد حمه، الذي استبعد إمكانية تأجيل مشروع قانون الموازنة لحين تحسن سوق النفط.

مع تذبذب أسعار النفط، يحذر مراقبون من تراكم العجز والديون على العراق، وسط دعوات، لا تزال بعيدة المنال، لتنشيط القطاعات غير النفطية

واستكمل مجلس النواب بجلسته التي عقدت في 24 كانون الأول/ديسمبر 2018، تقرير ومناقشة الموازنة الاتحادية للسنة المالية 2019، وسط دعوات نيابية لتأجيل مناقشات استكمال الحكومة والتفرغ لإقرار الموازنة، بهدف تمكين الحكومة من إنجاز برنامجها، في حين تستبعد مصادر برلمانية تحدثت لـ "ألترا صوت"، نجاح البرلمان بتمرير مسودة القانون بجلسة الثلاثاء 8 كانون الثاني/يناير.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

إعادة فالح الفياض إلى مناصبه.. حكومة عبد المهدي تلعب بشروط طهران

"حرب" توزير فالح الفياض.. إيران تبيح كل الوسائل لأذرعها العراقية