13-يناير-2021

إعلان تجاري في دبلن (Getty)

عاش الاقتصاد العالمي خلال الربع الأول من عام 2020 في ظل حجم دين عالمي إجمالي بلغ 258 تريليون دولار أمريكي، وزاد على هذا المبلغ 17 تريليون دولار أمريكي خلال سنة 2020، في ظل جائحة كورونا، ليبلغ الحجم الإجمالي للدين الحكومي العالمي مع بداية 2021 مبلغ 275 تريليون دولار أمريكي، أي ما تشكل نسبته 105% للدين الحكومي العالمي مقابل حجم الناتج المحلي بحسب المركز الدولي للتمويل

يؤثر تفاقم حجم المديونية في الدول الفقيرة بشكل مباشر على واقع الخدمات الأساسية وعلى مستقبل البنى التحتية ويقيد هذه الدول بشروط خارجية

يمكن اعتبار هذه النسبة في المديونية مقابل الناتج المحلي  قفزة نادرة في سنة واحدة، بحجم يقدر بعشرة نقاط مئوية. من المسببات المباشرة التي تذكر في هذا الصدد أن نفقات الدول على شراء الأدوية والمعدات الطبية وتجهيز المستشفيات وتوظيف الكوادر الطبية والرعاية الصحية وتأمين اللقاحات قد ارتفعت عما سبق. هذا في مقابل انخفاض إيرادات الدول بفعل تراجع جباية الضرائب ونضوب المداخيل وتزايد معدلات البطالة ووقف الإنتاج في كثير من القطاعات. كما جاء تأثير جائحة كوفيد 19 مضاعفًا على الدول الفقيرة، خاصة تلك التي تعتمد على السياحة والخدمات في اقتصادها، ولا تملك اقتصاديات صناعية، ما ينذر بكوارث اجتماعية وتداعيات خطيرة متوقعة هذا العام.

اقرأ/ي أيضًا: هل سينتعش الاقتصاد العالمي في عام 2021؟

تعيش اليوم 38 دولة ضائقة مالية تهدد اقتصادات هذه الدول بالانهيار ما لم تقم الدول الغنية بإعادة جدولة ديونها أو تقديم إعفاءات كلية أو جزئية مما يجنب الدول المهددة خطر الإفلاس. وقد عرض البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تقديم مساعدات لهذه الدول ريثما تمر أزمة كوفيد-19 تفاديًا للانهيار الكلي. ومع كل ذلك فتداعيات الأزمة الاقتصادية التي خلفها فيروس كورونا سترخي بظلالها لسنوات مستقبلية وستقلص قدرات الدول الفقيرة في محاربة الفقر وفي صرف المبالغ على البنى التحتية الحيوية كالتعليم والطبابة وغيرها.

رئيس البنك الدولي، ديفيد مالباس، قال في مقابلة متلفزة في تشرين الأول/أكتوبر 2020  مع قناة CNBC "المؤشرات لا تشي بتعافي اقتصادات الدول الفقيرة بل بمزيد من الاستدانة، وهذا ما يجب معالجته وإيجاد حلول طويلة الأمد لسداد ديونها المتعثرة، وإذا لم نفعل ذلك فالمصارف المركزية في هذه البلدان لن يكون لديها المال اللازم لمحاربة الفقر وتأمين اللقاحات". وأضاف مالباس إلى أن ما يخيف هو "ارتفاع عدد من يرزحون تحت طائلة الفقر المدقع". وقدر مالباس أن في نهاية 2021 سيكون حوالي 150 إنسان مليون يعيشون بأقل من دولارين في اليوم.

من بين الأمثلة البارزة ضمن سياق الحديث عن الأخطار التي قد تسببها نسب المديونية لبعض الدول يحضر مثال كوستاريكا، إحدى دول أمريكا اللاتينية، والبلد السياحي الذي يعتبر بلد "تقاعد" للأغنياء، إذ يرتكز الاقتصاد في كوستاريكا على تقديم الخدمات السياحية، ومع تأثيرات جائحة كوفيد تراجعت المداخيل إلى حدودها الدنيا. وشكل الفيروس ضربة مؤذية للاقتصاد الكوستاريكي وتحديدًا في قطاع السياحة وأدى لفقدان كبير في الوظائف، حتى صارت البطالة تشكل 24%. في خريف 2020 اندلعت احتجاجات في كوستاريكا أمام القصر الرئاسي بعد قرار حكومي برفع الضرائب من أجل الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وبموجب الاتفاق كان على الحكومة تخفيض النفقات وفرض ضرائب جديدة من أجل الحصول على قرض بقيمة 1.75 مليار دولار أمريكي من البنك الدولي. وشهدت الاحتجاجات عنفًا بين المتظاهرين والقوى الأمنية وأغلقوا الطرقات في المدن الرئيسية ما أدى إلى تراجع الرئيس كارلوس كويزادا عن قراره، والاجتماع مع قادة المعارضة والناشطين المدنيين للتوصل إلى حلول بديلة للأزمة المالية والاجتماعية التي تعصف بالدولة.

اقرأ/ي أيضًا: كوفيد 19 يقلب المعادلة.. دول أوروبية تسهل التجنيس للعاملين في مواجهة الجائحة

في ذات السياق تحاول أنغولا عقد صفقة مع الصين بقيمة 20 مليار دولار تجنبها الكارثة المالية. وكذلك سيريلانكا ترزح تحت ركود اقتصادي ولديها مديونية مالية مستحقة هذا العام قيمتها 4 مليار دولار أمريكي، فيما لا يتجاوز الاحتياطي النقدي لديها 6 مليار دولار أمريكي. وتتماثل ذات الظروف في دول مثل زامبيا والبرازيل ولبنان. شعوب هذه الدول وغيرها من البلدان المصنفة "فقيرة" أمام حاجة ملحة في الاعتماد على المعونات الاجتماعية والبرامج الحكومية، لكن التهديد الأكبر يتمثل في شح التقديمات الحكومية في الصحة والتعليم والبنى التحتية الأساسية.

 يمثل لبنان خير دليل على التورط بالمديونية، مع وصول حجم الديون إلى ما يقارب 100 مليار دولار أمريكي، وانهيار العملة الوطنية، الليرة اللبنانية، في مقابل الدولار الأمريكي بنسبة 70%

في حين يمثل لبنان خير دليل على التورط بالمديونية، مع وصول حجم الديون إلى ما يقارب 100 مليار دولار أمريكي، وانهيار العملة الوطنية، الليرة اللبنانية، في مقابل الدولار بنسبة 70%، ما جعل القدرة الشرائية والمداخيل تتقلص 7 مرات، فيما صارت أسعار السلع خيالية، وسط تزايد معدلات البطالة وتفاقم الأزمة الصحية بفعل انتشار فيروس كورونا. وبعد تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في لبنان، ومع الظروف سابقة الذكر، كل ذلك أدى إلى تضرر قطاعات حيوية في البلد وسط مخاوف من تضاعف معدل انهيار الليرة أمام الدولار الأمريكي في الأشهر المقبلة ما ينذر بكوارث اجتماعية. ويذكر أن الحكومة اللبنانية توقفت عام 2020 عن سداد ديونها باليوروبوندز وأعلن رئيس حكومتها حسان دياب تخلف لبنان عن الدفع مما يضع البلد في خانة الإفلاس.

ونشر موقع SPENDMENOT المالي، تقريرًا حول نسبة حجم الدين العام في عشرين دولة لسنة 2020 مقارنة مع الناتج المحلي، وجاءت البيانات التي توضح فداحة حجم المديونية وتضخمه في اليونان مثلًأ 181% وسط تعثر كبير أمام قرض الاتحاد الأوروبي. أما في فنزويلا فحجم الدين مقارنة بالناتج المحلي يمثل ما نسبته 172%، وإريتريا 127% وموزامبيق 116% وغامبيا والكونغو 105%، ما يرجح أن حجم المديونية في طريقه إلى التفاقم إجمالًا خلال 2021. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

منظمات وبرامج الأمم المتحدة الإنسانية تدفع ثمن وقف التمويل الأمريكي

المافيا الإيطالية تدخل "سوق" جائحة كوفيد-19