28-مايو-2022
عملية تركية وشيكة شمالي سوريا (Getty)

عملية تركية وشيكة شمالي سوريا (Getty)

أكد مجلس الأمن القومي التركي عقب اجتماعه الخميس برئاسة الرئيس رجب طيب أردوغان، في المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة والذي استمر لثلاث ساعات، أن "العمليات العسكرية الجارية وتلك التي ستُنفّذ على الحدود الجنوبية للبلاد، ضرورة للأمن القومي وأنها لا تستهدف سيادة دول الجوار أو سلامة أراضيها ووحدتها". وشدد بيان مجلس الأمن القومي على أن "أنقرة التزمت دائمًا روح التحالفات الدولية وقانونها، وأنها تنتظر نفس المسؤولية والصدق من حلفائها. وأضاف البيان "أننا وجّهنا دعوة للدول التي تنتهك القانون الدولي بدعم الإرهاب للتخلي عن موقفها والأخذ بعين الاعتبار مخاوف تركيا الأمنية".

تخطط الحكومة التركية منذ أكثر من عام لتوسيع دائرة سيطرتها في مناطق الشمال السوري على حساب مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية

ويأتي الاجتماع في أعقاب إعلان الرئيس رجب طيب أردوغان يوم الاثنين الماضي أن بلاده "ستشن قريبًا عمليات عسكرية جديدة على حدودها الجنوبية لمكافحة التهديدات الإرهابية عن طريق توسيع المنطقة الآمنة بعمق 30 كلم". وأضاف أردوغان أن "الهدف الرئيسي لهذه العمليات سيكون مناطق تمثل مراكز للهجمات على بلادنا"، متابعًا أن "العمليات ستبدأ فور استكمال القوات العسكرية وأجهزة المخابرات والأمن استعداداتها".

وتخطط الحكومة التركية منذ أكثر من عام لتوسيع دائرة سيطرتها في مناطق الشمال السوري على حساب مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمودها الرئيسي، وتعتبرها أنقرة مصدر تهديد دائم للأمن القومي التركي. وتريد أنقرة السيطرة على شريط داخل الأراضي السورية بعمق 30 كلم على طول نحو 900 كلم، وهي الحدود التي تربطها مع سوريا ومنها نحو 400 كلم في شرقي الفرات. حيث تسيطر أنقرة حاليًا على شريط بطول 100 كلم وبعمق 30 كلم شرقي الفرات يمتد من تل أبيض في ريف الرقة الشمالي إلى ما بعد رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي.

وقد أثارت تصريحات الرئيس التركي بقرب تنفيذ عملية عسكرية جديدة على الحدود مع سوريا تكهنات حول الأهداف المحتملة للعملية مع ظهور بلدة تل رفعت السورية كهدف أساسي للعملية العسكرية التركية القادمة. يذكر أن منطقة تل رفعت كانت مستهدفة خلال العملية العسكرية التي شنتها القوات التركية في تشرين أول/أكتوبر 2019  لكنها توقفت نتيجة مفاوضات جرت مع موسكو لوجود جنود روس في المنطقة.

وكشفت المعلومات حول العملية القادمة أن تركيا تخطط  إلى ربط المناطق التي شنت فيها عمليات سابقة داخل سوريا. فقد تستهدف العملية مناطق تل رفعت ومنبج وعين العرب بهدف ربط منطقة جرابلس بمنبج في ريف حلب الشرقي، ومنطقة عفرين بتل رفعت بريف حلب الشمالي. كذلك سيتم ربط مناطق عملية درع الفرات بمناطق عملية نبع السلام من خلال السيطرة على عين العرب وعين عيسى، كما أن المناطق التي ستشملها العمليات العسكرية التركية سيتم وصلها بمحافظة إدلب.

وتطمح أنقرة حسب تقارير لإنشاء "منطقة آمنة" لإعادة نحو مليون سوري لاجئ في تركيا خلال عام، لسحب ورقة اللاجئين السوريين من يد المعارضة التركية قبيل الانتخابات المقررة منتصف العام المقبل. وستمتد هذه المنطقة من ريف إدلب الشمالي غربًا مرورًا بمنطقة عفرين إلى ريف حلب الشمالي الذي تسيطر عليه تركيا منذ عام 2017، ومدينة منبج الواقعة غرب نهر الفرات، بالإضافة لشرقي الفرات من منطقة عين العرب (كوباني) وصولًا إلى منطقتي تل أبيض ورأس العين الخاضعتين للنفوذ التركي منذ عام 2019.

وما يعزز الاعتقاد بقرب تنفيذ العملية، تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاووش أغلو الذي قال إن "بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الهجمات في شمال سوريا، وستقوم بما يلزم من أجل ضمان المنطقة الآمنة". وأضاف أوغلو خلال حديثه للصحافيين على متن الطائرة بعد زيارة قادته إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة أن "المخاطر الأمنية باتت تحد تركيا سواء من منطقة نبع السلام أو بقية المناطق، وتركيا أنشأت المنطقة الآمنة من أجل إزالة هذه التهديدات". وتابع أنه "إذا زادت التهديدات علينا أن نقوم باتخاذ التدابير، وهذا أمر طبيعي. الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي يقولان إنهما يتفهّمان مخاوف تركيا، في حين أن المخاوف الأمنية لا تتطلب فقط تفهّمًا بل عمل ما يلزم".

وأشار الوزير التركي إلى أن "الولايات المتحدة وعدتنا بإبعاد العناصر الإرهابية إلى 30 كلم عن الحدود، وما دام أنها لا تريد عمليات عسكرية وتفهم مخاوف تركيا، فعليها فعل ما يلزم، والأمر نفسه بالنسبة لروسيا، إذ لدينا توافقات معها ومسؤوليات مشتركة، وفي النهاية لم يطبق ذلك". وتابع الوزير التركي أنه "وأخيرًا زادت الهجمات المسلحة، وتركيا لا يمكن أن تبقى مكتوفة الأيدي عندما يتم مهاجمتها، وستقوم بما يلزم".

قلق دولي

هذه المؤشرات عن قرب انطلاق العملية العسكرية التركية تصطدم بموقف دولي رافض، إذ أعلنت الولايات المتحدة رفضها للعملية التركية المرتقبة. جاء ذلك على لسان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس الذي عبر عن قلق الإدارة الأمريكية إزاء الإعلان التركي. وقال برايس "ندين أي تصعيد، ونؤيد الإبقاء على خطوط وقف إطلاق النار الراهنة"، مشيرًا إلى أن بلاده "تتوقع من تركيا أن تلتزم بالبيان المشترك الصادر في تشرين الأول/أكتوبر2019"، مضيفًا "نحن ندرك المخاوف الأمنية المشروعة لتركيا على حدودها الجنوبية، لكن أي هجوم جديد سيزيد من تقويض الاستقرار الإقليمي وسيعرّض للخطر القوات الأمريكية المنضوية في حملة التحالف ضد تنظيم داعش".

وهو نفس الموقف الذي عبر عنه المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية جون كيربي حين قال إن "الولايات المتحدة قلقة للغاية بشأن إعلان تركيا نيتها زيادة نشاطها العسكري في شمالي سوريا". وأوضح كيربي خلال مؤتمر صحفي الخميس أن "ما يشغل الولايات المتحدة هو سلامة السكان المدنيين، والتأثير على عمليات الهزيمة المستمرة لتنظيم الدولة". وأشار المتحدث باسم البنتاغون إلى أن "العملية العسكرية التركية قد تدفع عناصر قوات سوريا الديمقراطية للابتعاد عن القتال ضد داعش، وهو الأمر الذي نركز عليه في شمالي سوريا"، مضيفًا أن "شن عملية عسكرية شمالي سوريا يرفع احتياجات المساعدة الإنسانية، ولذلك أعربت الحكومة الأمريكية عن قلقها بشأن هذا الأمر".

ينطبق ذلك أيضًا على الموقف الروسي، حيث أجرى الطيران الروسي الأربعاء طلعات تدريبية في منطقة شرقي الفرات غير بعيد عن المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية الموالية لأنقرة، في مؤشر واضح على رفض الجانب الروسي لأي توغل عسكري تركي في شمال سوريا.

أما بخصوص الموقف الإيراني، فنقلت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام السوري عن السفير الإيراني في دمشق مهدي سبحاني، قوله إن بلاده "ترفض أي شيء يسبب انتهاك سلامة ووحدة وسيادة الأراضي السورية". كما بعثت وزارة خارجية النظام برسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ومجلس الأمن قالت فيها إن "تصرفات تركيا غير شرعية وملغاة ولا ترتب أي أثر قانوني أو واقعي، بل وترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".

لكن ما يعزز حظوظ أنقرة لتحقيق مكاسب جديدة على الرغم من الرفض الدولي للعملية، هو اعتراض تركيا على طلب السويد وفنلندا الانضمام لحلف شمال الأطلسي، حيث تكرر السلطات التركية اتهامها لهما باستضافة قيادات وعناصر تعتبرها إرهابية من حزب العمال الكردستاني. وهي فرصة لأنقرة للضغط على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لأخذ موافقة ضمنية على العملية، بالإضافة لانشغال روسيا في حربها على أوكرانيا، وتصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في حواره مع قناة روسيا اليوم عن أن "القوات الروسية في سوريا لم يتبق لديها مهام عسكرية تقريبًا"، مؤكدًا أن "عددها على الأرض تحدده مهام محددة، وعلى أساس مبدأ المصلحة".

هذه المؤشرات عن قرب انطلاق العملية العسكرية التركية شمالي سوريا تصطدم بموقف دولي رافض

يذكر أن تركيا شنت ثلاث عمليات هي  "درع الفرات" و"غصن الزيتون" و "نبع السلام" في الشمال السوري منذ العام 2016 ضد الوحدات الكردية، بهدف إقامة "منطقة آمنة"، لتفصل تلك المنطقة العازلة عن الأراضي التي تقع تحت سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها السلطات التركية الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني الذي تحاربه منذ أكثر من 40 عامًا.