24-أغسطس-2017

(getty) شارع في الجزائر العاصمة، 2015

إن الحديث عن جزئية من المنظومة الثقافية، ومنها النشر، في ظل غياب إستراتيجية واعية بمنطلقاتها وآفاقها، تتبناها هذه المنظومة، ما هو إلا إهدار للوقت، وكذب على الذات والآخرين، وإن كان هؤلاء الآخرون مدركين جدًّا لتخوم الصدق والكذب، لأنهم يحتكمون إلى الثمرة لا إلى الحديث عنها.

أسندت المكتبات البلدية في الجزائر لوجوه لا علاقة لها بالثقافة، تنشط وفق العقل الإداري المحنّط لا العقل الإبداعي

فما هي ثمار ما تسميه الحكومة ونقابات الناشرين عندنا بسياسة النشر؟ كم كتابًا ننشر في العام؟ ما هي طبيعة هذه الكتب؟ ما علاقتها بالواقع الجزائري، من حيث ثراءاته واحتياجاته ورهاناته؟ كم قارئًا نستهدف؟ هل واكبت عملية النشر ما يُكتب عندنا في شتى المجالات والأقاليم؟ أين التقاليد التي يجب أن تواكب النشر من جوائزَ وازنةٍ، وبيوعاتٍ بالتوقيع، وحضورٍ إعلامي مدروس للكاتب والكتاب؟ كم مكتبة في القارة الجزائرية تستقبل جديد النشر عرضًا وبيعًا؟

اقرأ/ي أيضًا: النّشر في الفضاء المغاربي.. أحلام معلّقة

إن التأمّل في الإجابات الموضوعية المتعلقة بهذه الأسئلة، تجعلنا نقف صراحة على كذب الحكومة والناشرين معًا، وهذه الشراكة في الكذب، هي التي جعلت الحكومة من خلال وزارة الثقافة، تتبنى رهطًا معينين من الناشرين، لتدعمهم وفق برنامج سنوي، ومن خلال التظاهرات الثقافية والتاريخية الكبرى، بطريقة تجعل مياه هذا الدعم تصبّ في بحيرة الناشر، لا في بحيرة القارئ والكاتب كما هو مطلوب.

إن هذه الطريقة المعتمدة في الدعم، والتي تخدم مصلحة الناشر فقط، جعلته لا يتصرف بصفته مؤسسة تجارية، عليها أن تبذل جهودًا مدروسة في تسويق منشوراتها، بل يكتفي بإصدار عدد معين من النسخ، عادة لا يتجاوز ألفي نسخة، يقدم معظمها للوزارة الوصية، والتي تركنها بدورها في أركان مجهولة، وتنتهي عنده عملية النشر. فلا الكاتب بات مقروءاً، ولا القارئ أشبع رغبته في القراءة. أليست طريقة منسجمة مع سياسة النظام الحاكم في جعل النشاط الثقافي والفكري واجهة فقط؟

من بين المشاريع الثقافية التي يفخر بها محيط الرئيس في الحملات الانتخابية المختلفة مشروع "مكتبة في كلّ بلدية"، أي 1554 مكتبة في المحافظات الـ48، وهو عدد ضخم قادر على أن يخلق ثورة ثقافية بتعبير الصّين الماوية، ذلك أن هذه المكتبات أسندت لوجوه لا علاقة لها بالكتابة ولا القراءة، وهي تنشط وفق العقل الإداري المحنّط لا العقل الإبداعي المفتوح، فباتت معزولة عن محيطها الذي يجهل ماهيتها أصلًا.

الآن هذه باتت قاعدة: إن الكتاب الذي يُطبع في الجزائر يبقى في حكم المخطوط

شخصياً نشرتُ ستة عناوين في الجزائر، ما بين عامي 2004 و2013، ولم أتقاضَ مستحقاتٍ مالية إلا على عنوان واحد، أما البقية فقد استلمتها في شكل نسخ محددة، ولا زلت أواجه أسئلة من يعرفني من القراء عن النقاط التي تباع فيها كتبي، لأنها لا توزع إلا في نقاط محدودة جدًا، ولا أملك فكرة عن العناوين التي نفدت، لذلك أقول إن الكتاب الذي يُطبع في الجزائر يبقى في حكم المخطوط.

اقرأ/ي أيضًا: لعنات النشر العربي

وإن السّؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق: لماذا لا يكون للجزائر دخول أدبي يحتفي بالكتابة والكتّاب والقراءة والقرّاء، مثلما هو معمول به في المشهد الفرنسي؟ ما دام قطاع واسع من ساستها ومثقفيها معًا معجبًا بالثقافة الفرنسية؟ لماذا أثمر هذا الإعجاب انبهارًا وتبعية للسياسة الفرنسية، ولم يثمر تقليدًا لآليات العمل الثقافي؟ والحديث قياس على المجالات التي تعتبر فرنسا رائدة فيها عالميًا مثل المطاعم والسياحة والمتاحف والمسارح والمحميات الطبيعية؟    

 

اقرأ/ي أيضًا:

علي عبد الأمير: زمن النشر الإلكتروني

عن دور النشر وكتبها المترجمة