13-مارس-2020

لم تحظ زيارة أردوغان لبروكسل بكثير من النجاح (EPA)

توجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى بروكسل يوم الإثنين 9 مارس/آذار، متأبطًا هدنة وقعها مع الجانب الروسي لوقف إطلاق النار في إدلب، والتي يرجح مراقبون أنه ليس لها فرص كبيرة للنجاح مع خروقات مستمرة من قوات النظام السوري، حيث تضمنت الهدنة استمرار الجانب الروسي بمحاربة ما يسميها المجموعات الإرهابية، وبنفس الوقت تعهد صريح من الرئيس التركي في عدم تهاونه مع أي خرق للهدنة يمكن أن يهدد قواته الموجودة في منطقة إدلب.

جاءت زيارة أردوغان لبروكسل لتعالج ملفين أساسيين، هما إشكاليات المهاجرين العالقين على الحدود التركية اليونانية وتموضع تركيا في حلف الناتو

جاءت الزيارة لتعالج ملفين أساسيين، هما إشكاليات المهاجرين العالقين على الحدود التركية اليونانية بعد أن أعلن الرئيس التركي أن الحدود التركية لم تعد مغلقة أمامهم باتجاه أوروبا، حيث اقتنع عشرات الآلاف منهم بأنهم سيكونون قادرين على دخول الاتحاد الأوروبي، ثم توافدوا إلى الحدود اليونانية، ليتم استقبالهم هناك بالهراوات والغاز المسيل للدموع، أما الموضوع الآخر الذي لا يقل خطورة وحساسية فقد كان مناقشة تموضع تركيا داخل حلف شمال الأطلسي بعد جملة من الإجراءات العسكرية التي اتخذها الرئيس التركي في كل من سوريا وليبيا دون تنسيق مسبق مع حلفائه في الناتو.

اقرأ/ي أيضًا: اللاجئون السوريون في وجه البطش اليوناني المدعوم من بروكسل

المهاجرون على الطاولة مرة أخرى

قبيل الاجتماع أرادت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لين، أن تقدم وصفًا للوضع في تركيا بما يخص موضوع اللاجئين بصيغة تسمح للأجواء بأن تكون إيجابية، معلقةً: "نحن ندرك أن تركيا تفعل الكثير، وتعتني بالملايين من اللاجئين منذ أوائل عام 2016، وكجزء من اتفاقية تفاوضت عليها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التزمت تركيا بالاحتفاظ بالمهاجرين على أراضيها، مقابل مساعدة أوروبية بقيمة ستة مليارات يورو. حيث يعيش حاليا 3.7 مليون شخص، معظمهم من السوريين".

لكن الرئيس التركي كان يمتلك طموحات وحسابات مختلفة عن تلك التي قدمها الاتحاد الأوروبي، حيث حاول الجانب التركي إقناع الأوروبيين بمراجعة اتفاقية استقبال المهاجرين للعام 2016، ولكن الاتحاد من جانبه دعا تركيا إلى "احترام الالتزامات" الناتجة عن الاتفاق، والذي ينص على بقاء المهاجرين في تركيا مقابل المساعدة المالية الأوروبية. الأمر الذي دفع أنقرة إلى اتهام بروكسل بعدم الوفاء بوعودها، خاصة فيما يتعلق بالتمويل. وأكد رأس الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو أنه يجب إعادة تقييم اتفاقية 2016 في ضوء التطورات الأخيرة في سوريا، لا سيما في محافظة إدلب (شمال غرب) حيث يعيش ما يقرب من مليون شخص تهديدًا شاملًا بسبب العنف على الحدود التركية.

فيما أكدت أورسولا فون دير لين، بأن هناك خلافات كبيرة ما بين الجانبين، واصفة المحادثات بأنها كانت صريحة وجيدة، فيما دعا تشارلز ميشيل تركيا إلى احترام الالتزامات الناشئة عن اتفاق الاتحاد الأوروبي وتركيا في 2016، في الوقت الذي ترى فيه أنقرة عدم كفاية المساعدات الممنوحة لرعاية أربعة ملايين مهاجر ولاجئ، معظمهم من السوريين، الذين تستضيفهم منذ سنوات.

وفي خضم هذه المفاوضات، وفي نوع من أنواع امتصاص غضب الحركات الأوروبية الداعية إلى فتح الحدود أمام المهاجرين، أعلنت برلين أن خمس دول (ألمانيا وفرنسا ولوكسمبورج وفنلندا والبرتغال) تعهدت بتوزيع 1500 قاصر، من اللاجئين الموجودين حاليًا في اليونان. وسيكون هؤلاء مهاجرين شباب معزولين عن أسرهم وأطفال مرضى، الأمر الذي لا يعدو أن يكون سوى قطرة ماء، في محيط الاتحاد الأوروبي وسكانه الـ 512 مليونًا.

حلف الناتو والرهانات التركية

في بداية عام 2020، تدخلت تركيا عسكريًا بشكل واسع النطاق على جبهتين، في كل من سوريا وليبيا الواقعة على بعد عدة آلاف من الكيلومترات، الأمر الذي أدى إلى توجيه انتقادات كبيرة من قبل  مساعديه الرئيسيين السابقين، أحمد داود أوغلو وعلي باباجان، والذي أدى بدوره إلى انكسار السحر بين تركيا والناتو، في الوقت الذي تبدو فيه الشراكة التي تأسست قبل 70 عامًا، في زمن الحرب الباردة ما بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية في أضعف حالاتها، وسط الدعوات المتكررة من قبل أكثر من زغيم للتشكيك في فعالية هذا التحالف ومدى قدرته على الاستجابة للتهديدات التي تستهدف أعضائه. لكن التوتر ما بين حلف الناتو وتركيا بلغ ذروته عندما قررت تركيا الحصول على صواريخ S 400 الروسية.

حيث وصلت العلاقة ما بين الجانبين إلى نقطة تحول استراتيجي مع اقتناء صواريخ S-400 الروسية، مما يشكل حسب بروكسل مخاطر على أمن  نظام الدفاع الأطلسي نظرًا لأن التكنولوجيا الروسية لا تتوافق مع نظام الدفاع لحلف الناتو. حيث أثار البنتاغون مخاوف من أن منظومة S-400، المجهزة برادار قوي، ستتسبب في فك الأسرار التكنولوجية لأحدث الطائرات العسكرية الأمريكية. وعلى الرغم من التحذيرات المتكررة من الولايات المتحدة، تم تسليم أول صواريخ روسية في 12 تموز/يوليو 2019.

اقرأ/ي أيضًا: وقف إطلاق النار في إدلب.. تسوية أم فرصة لالتقاط الأنفاس؟

وكان الرئيس التركي يأمل من خلال أوراق الضغط التي يمتلكها أن يستطيع الحصول على منظومة الدفاع الجوي الأمريكية باتريوت إلا أن المفاوضات على هذا الجانب أيضًا لم تجر وفق ما كان منتظرًا لها، ويظهر ذلك من خلال التوتر الذي أعقب المفاوضات يوم الاثنين، بعد أن اختار أردوغان بشكل خاص التوجه مباشرة إلى المطار بدلًا من عقد مؤتمر صحفي مع رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لين.

تبقى صفقة S-400 معيارًا يمكن من خلاله قراءة مدى التقارب الروسي التركي اليوم، ولو أثار ذلك غضب حلف الناتو

تبقى صفقة S-400 معيارًا يمكن من خلاله قراءة مدى التقارب الروسي التركي اليوم، ولو أثار ذلك غضب حلف الناتو، بالإضافة إلى أن أردوغان أحد "الضامنين" في الشمال السوري جنبًا إلى جنب مع بوتين، على ما شاهد العالم بأسره في اتفاق "الهدنة" المفترضة مؤخرًا.