15-يونيو-2016

(Getty) من تظاهرة في واشنطن

شهدت السياسة الرسمية الأمريكية فيما يسمي بـ"استراتيجية مكافحة الإرهاب" منذ عام 2009، ومع تولي باراك أوباما، تحولًا تكتيكيًا، يخالف كثيرًا تكتيك الإدارة السابقة للرئيس جورج بوش الابن، وتحديدًا في مسألة الخطاب السياسي، كان أبرز ملامحها، هو التجاوز عن استعمال المفردات التي شاع استعمالها في الخطاب الرسمي الأمريكي خلال الحقبة التي تلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، مثل "الحرب على الإرهاب، الإسلام الراديكالي، الفاشية الإسلامية".

 برهن تكتيك إدارة أوباما بنبذ التشدد الخطابي مع "العالم الإسلامي" على نجاحه النوعي، فمثلًا مرت تصفية أسامة بن لادن دون ردود أفعال عنيفة

كانت وجهة نظر الإدارة الجديدة أن استعمال تلك المفردات يؤجج غضب قطاعات واسعة من المسلمين، فضلًا عن استعمال النخب الثقافية المعادية للولايات للمتحدة لتلك المفردات بطريقة شعبوية لتأجيج الكراهية تجاه الأمريكيين، بتصويره حروبها على أنها "حرب ضد الإسلام".

اقرأ/ي أيضًا: تاريخ صناعة السلاح في إسرائيل..3 مراحل و3 أهداف

ولم تكن الخلفية الإيديولوجية لتلك النخب إسلامية فقط، فبعض اليسار والعروبين والأبواق الدعائية لنظم الشرق الأوسط، ساروا على نفس الدرب آنذاك، تحديدًا بعد التدخل الأمريكي في أفغانستان والعراق وممارسة الضغوط لأجل الإصلاحات الديمقراطية على بعض الأنظمة العربية.

اعتبرت إدارة أوباما، أن استعمال خطاب انفتاحي متصالح مع ما أسماه أوباما بـ"العالم الإسلامي"، يقر صراحة بالتمايز الإسلامي ويفصل بشكل واضح بين الجماعات الإرهابية وأغلبية المسلمين، قد يلقي بظلال إيجابية على العلاقات "الأمريكية-الإسلامية".

 كما اعتبرت الإدارة عينها أن هذا الخطاب من شأنه أن يقلل من معدلات المخاطر الأمنية التي قد تستهدف الأراضي الأمريكية أو المصالح والبعثات والمواطنين الأمريكيين في خارج الولايات المتحدة، وكان خطاب أوباما في جامعة القاهرة، تحت رعاية الأزهر، مؤشرًا على هذا التحول التكتيكي في الاستراتيجية الأمريكية تجاه مجابهة التطرف الإسلامي، وإعلان ضمني عن توقف سياسة الضغوط العلنية المباشرة من أجل الإصلاحات الديمقراطية واستبدالها بالحوار عبر القنوات الدبلوماسية.

المتابع للحالتين المصرية والتونسية مثلًا، سيتأكد أن الولايات المتحدة لم تقدم أي دعم جاد لحكم الإخوان في مصر أو النهضة في تونس

بعد انتهاج إدارة أوباما لسياسة متحفظة بشأن دعم الديمقراطية خلال عاميها الأولين، جاءت انتفاضات الربيع العربي مباغتة للإدارة، ورغم كل الأداء الأمريكي المتحفظ في البداية، سواء في الحالة التونسية أو المصرية، إلا أن اتهام الولايات المتحدة بتأجيج تلك الانتفاضات كان حاضرًا منذ اللحظة الأولى في إعلام الأنظمة العربية، ومع صعود الإسلاميين المتوقع كأكثر قوى سياسية سمحت لها الأنظمة السلطوية بحرية الحركة في بلدان الربيع العربي لاستعمالها كفزاعة داخلية وخارجية، رسخ الإعلام خرافة دعم إدارة أوباما للإسلاميين، على الرغم من أن إدارة بوش نفسها كانت سبق وأن أعلنت مرارًا وتكرارًا استعدادها لقبول التعامل مع حكومات إسلامية معتدلة إذا جاءت عبر ديمقراطية وحافظت عليها والتزمت بالتعهدات السابقة وعلى رأسها الحفاظ على حالة السلام مع إسرائيل!

الواقع أن إدارة أوباما ربما كانت أكثر حذرًا في مسألة الإسلاميين بالتحديد، عن إدارة جورج بوش الابن، فالمتابع للحالتين المصرية والتونسية مثلًا، سيتأكد أن الولايات المتحدة لم تقدم أي دعم جاد لحكم الإخوان في مصر أو النهضة في تونس، مجرد اعتراف بالشرعية ومحاولة تفاهم وتعامل مع الواقع، بل إن أوباما لم يتقابل نهائيا مع محمد مرسي مثلًا، كما لم يدعو مرسي أو منصف مرزوقي (اليساري الحليف لحركة النهضة) لأي قمة ثنائية.

اقرأ/ي أيضًا: صار وجوده رسميًا..بغداد تعين سليماني مستشارًا لها

وكانت استضافة المرزوقي فقط ضمن قمة أمريكية أفريقية في آب/أغسطس 2014 وحضرها آنذاك أيضًا رئيس الوزراء المصري إبراهيم محلب، بينما استقبل أوباما الباجي السبسي بمجرد انتخابه في البيت الأبيض، وعبد الفتاح السيسي على هامش لقاءات الأمم المتحدة، وتكفي مراجعة لتصريحات أوباما طوال العام الذي شغل فيه محمد مرسي منصب رئيس الجمهورية المصرية، للتأكد من مدى سلبيتها، حيث بدأت بالتشكيك من طرف أوباما في مدى الصداقة المصرية الأمريكية، ثم تغطية إدارته لخلع محمد مرسي، والتغاضي رسميًا عن وصف خلع مرسي بـ"الانقلاب"، والتراخي في تطبيق القاعدة الأمريكية الأساسية بفرض عقوبات على أي حكومة تصل إلى السلطة عبر تدخل عسكري، مهما كانت درجة تحالفها مع الولايات المتحدة، كما حدث مسبقًا مع حكومات تركية وباكستانية، وفي عز الحرب الباردة.

ربما برهن تكتيك إدارة أوباما بنبذ التشدد الخطابي مع "العالم الإسلامي" على نجاحه النوعي، فمثلًا مرت تصفية أسامة بن لادن دون ردود أفعال عنيفة على المصالح الأمريكية، ولم يمنع هذا التكتيك من استهداف كثير من قيادات الحركات الإرهابية بعمليات اغتيال مباشرة بأمر رئاسي، وصل في سابقة تاريخية لاغتيال مواطن أمريكي مرتبط بالقاعدة.

بل حافظت أجهزة الأمن الأمريكية على نفس سياسات "الحرب على الإرهاب" منذ الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، ولم يوقف هذا التكتيك الولايات المتحدة عن خوض الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ولم يعطل الإجراءات المعقدة لوقف حركة الأموال التي تستعمل في تمويل الأنشطة الإرهابية في العالم، فقط سلكت إدارة أوباما طريقًا مختلفًا في الخطاب السياسي مع استعمال أقل مباشرة للقوة العسكرية وبتأييد من المعارضة الجمهورية في الكونجرس للوصول إلى غايتها.

خلال الأسابيع الماضية، لوحظ في الإعلام المصري صعود موجة هجوم جديدة على هيلاري كلينتون، مع تحسين لصورة دونالد ترامب المرشح المضاد

الآن، يبدو أن سلسلة الهجمات الإرهابية التي ضربت فرنسا والولايات المتحدة أخيرًا، قد أعادت مسألة الإرهاب بقوة إلى حلبة الصراع الانتخابي الأمريكي، ومع صعود المرشح الشعبوي دونالد ترامب على الجانب الجمهوري، صارت المزايدة الشعبوية حاكمة بشدة على الخطابات الانتخابية.

 فعلى الرغم من أن الجانب الجمهوري لم يقدم أي اقتراحات بشأن تطوير سياسات أوباما ووزيرة خارجيته السابقة والمرشحة الديمقراطية الحالية كلينتون، في مكافحة الإرهاب، ويكتفي فقط بالنقد اللفظي مع الإصرار على رفض إرسال أي قوات أمريكية لمواجهة الجماعات الإرهابية في الخارج، سوى بعض التصريحات العنترية المستحيلة المخالفة للدستور الأمريكي، مثل منع المسلمين كافة من دخول الولايات المتحدة، أو وضع كافة المسلمين المتواجدين على الأراضي الأمريكية تحت المراقبة، مع تأييد التعامل ودعم أنظمة مفضوح تورطها في خلق ودعم كيانات إرهابية أحيانًا، أو منح شرعية للتنظيمات الإرهابية كنظام بشار الأسد، تبقى المسألة خارج حتى إطار الواقعية السياسية الأمريكية، وتقف عند حد المزايدة الانتخابية الشعبوية، التي يحاول ترامب عبرها تحسين أرقام استطلاعات الرأي التي تبدو زاخرة بتحولات لا تسير لصالحه.

المثير في الأمر، أن خلال الأسابيع الماضية، لوحظ في الإعلام المصري صعود موجة هجوم جديدة على هيلاري كلينتون، مع تحسين لصورة دونالد ترامب، وانبرت الأذرع الإعلامية المصرية لهذا الهجوم في صورة مقالات وتغطيات إخبارية، ارتفعت وتيرتها بعد هجمة أورلاندو الأخيرة، مما يذكر بحملة التلميع التي قام بها إعلام الدولة المصرية أثناء انتخابات عام 2008 للمرشح الديمقراطي آنذاك، باراك أوباما، والتي رد عليها أوباما بعد وصوله للبيت الأبيض، بحملة تحسين للعلاقات المصرية الأمريكية المتوترة خلال فترتي جورج بوش الابن.

هنا قد يصبح طرح التساؤل منطقيًا، هل لوصف كلينتون الصريح حكم السيسي بـ"الدكتاتورية العسكرية" وسوء علاقتها السابقة بحكم المجلس العسكري خلال عامي 2011 و2012 من جانب، ثم إشارات ترامب لضرورة دعم بشار الأسد في معركته ضد داعش من جانب آخر، علاقة بتلك الحملة المتصاعدة ضد المرشحة الديمقراطية؟ وهل قررت الدولة المصرية عمليًا التحيز لصالح ترامب في تحالف يبدو في إطار إقليمي مع إحدى الدول ذات النفوذ الواسع في واشنطن؟

ربما ستجيب الأيام القادمة!

اقرأ/ي أيضًا:

مساع لإعادة مقاتلين في الحشد الشعبي لجؤوا لأوروبا

نواب سنة وكرد يخشون العودة إلى بغداد