يبدو أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدأت في مراجعة حساباتها بشأن الاستيلاء على غزة وترحيل سكانها إلى مصر أو الأردن بصورة دائمة، فقد بدأ مساعدو ترامب، منذ يوم أمس، في تخفيف "أهمية" اقتراحه بـ"امتلاك الولايات المتحدة لقطاع غزة"، معتبرين أنه كان يفكر بصوتٍ عالٍ وبطريقة إبداعية لا غير.
والواقع أنّ مقترح ترامب الذي قوبل بتهليلٍ إسرائيلي، خاصةً في أوساط اليمين المتطرف، جوبه بمعارضة دولية واسعة النطاق، فضلًا عن لا واقعيته بالنسبة للأجندة الأميركية، بل وبالنسبة لأجندة ترامب نفسه الذي يسعى لسحب القوات الأميركية من أكثر من منطقة وإلى ترشيد الإنفاق الحكومي قدر المستطاع.
ومن المؤكد أنّ أي مخطط لامتلاك قطاع غزة وإعادة إعمارها سيتطلب إرسال قوات، ورصد ملايين الدولارات إن لم يكن مليارات، حيث يُظهر تحليل بيانات الأقمار الصناعية، أنّ ما يقرب من 60% من المباني في حالة ضرر أو دمار.
ومع ذلك من المبكّر الجزم بأنّ ترامب بصدد التخلي فعلًا عن رؤيته بشأن غزة، خاصةً أنه استدعى الرئيس المصري والعاهل الأردني إلى واشنطن للاجتماع الأسبوع المقبل، ومما لا شكّ فيه أن ملف اليوم التالي للحرب في غزة سيكون على رأس أجندة المباحثات، وسبق لترامب أن أكد أن السيسي والملك عبد الله سيقبلان مقترحه باستقبال المرحّلين من غزة وذلك رغم إعلانها رفض ترحيل الفلسطينيين من القطاع.
يشار أيضًا إلى أنّ وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أمَر اليوم الخميس بوضع خططٍ لتهجير سكان غزة، مستندًا في ذلك إلى تصريحات ترامب الأخيرة.
هلّل اليمين المتطرف الإسرائيلي لمقترحات ترامب بشأن ترحيل سكان غزة وتوقف سموتريتش عن تهديداته بالانسحاب من حكومة نتنياهو
وعاد ترامب اليوم الخميس بتصريحات مثيرة أيضًا، قال فيها إن "إسرائيل سوف تسلم قطاع غزة إلى الولايات المتحدة بعد انتهاء القتال"، مضيفًا أن الفلسطينيين "سيكون قد أعيد توطينهم بالفعل في مجتمعات أكثر أمنًا وجمالًا مع منازل جديدة وحديثة في المنطقة" وفق تعبيره.
لكن ترامب أكد أنه "لن تكون هناك حاجة إلى جنود الولايات المتحدة وسوف يسود الاستقرار في المنطقة"، وأردف: "سنبدأ بالتعاون مع فرق التنمية بناء ما سيصبح واحدا من أعظم وأروع مشاريع التنمية على وجه الأرض".
تلطيف وتخفيف
قالت وكالة بلومبيرغ إنه "لم يكن أحد، بما في ذلك إسرائيل، يتوقع اقتراح ترامب العلني، يوم الثلاثاء، بأن تتدخّل بلادُه وتعيد بناء الأراضي الفلسطينية الساحلية، وخلْق ما أسماه "ريفييرا" جديدة في الشرق الأوسط".
وأكّد ترامب في معرض حديثه عن خطته التي يدّعي أن الجميع يحبها ضرورة تهجير مليوني فلسطيني من سكان غزة، كما أثار إمكانية نشر قوات أمريكية، قبْل أن يعود البيت الأبيض في بيان ليقول إن الرئيس "لم يلتزم بنشر قوات أميركية في غزة".
ومع توالي المواقف الدولية والإقليمية الرافضة للفكرة، بدأ مساعدو ترامب في التخفيف من شأنها، وبحلول اليوم الخميس، كانت رسالة مساعدي ترامب واحدة، وهي أنّ الرئيس "كان يفكر بصوت عالٍ بشكل إبداعي".
وفي هذا الصدد أصرت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت على أنّ "دافعي الضرائب الأمريكيين لن يدفعوا فاتورة إعمار غزة، بل سنعمل مع شركائنا في المنطقة على إعادة الإعمار".
كما قالت إن الرئيس لم "يلتزم بوضع قوات على الأرض في غزة"، وأشارت "إلى أن نزوح الفلسطينيين قد يكون مؤقتًا فقط"، وفي هذا تراجع عن الترحيل الدائم الذي اقترحه ترامب.
واعتبرت ليفيت أنّ ما اقترحه ترامب يعدّ "فكرةً خارجة عن المألوف. هذا هو الرئيس ترامب. ولهذا السبب انتخبه الشعب الأمريكي، وهدفه هو السلام الدائم في الشرق الأوسط لجميع شعوب المنطقة"، وفق قولها.
ترمب:
📌الولايات المتحدة ستبدأ في بناء ما سيصبح أحد أعظم وأروع التطويرات من نوعها في #غزة.
📌لن تكون هناك حاجة لجنود أميركيين في غزة. pic.twitter.com/UgSrNrIc9B— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 6, 2025
بدوره ساهم وزير الخارجية ماركو روبيو في حملة "شرح مضامين فكرة ترامب" بقوله خلال توقفه في غواتيمالا "إن ترامب يريد من الولايات المتحدة أن تلعب دورًا رائدًا في إعادة بناء غزة، وليس امتلاكها".
من جانبه اعتبر وزير الدفاع، بيت هيجسيث، أن الولايات المتحدة "بعيدة جدًا" عن أي انتشار عسكري في غزة، مضيفًا في مقابلة مع فوكس نيوز "لا تريد استخدام القوات الأمريكية على الأرض إذا لم نكن مضطرين لذلك".
كان اليمين الإسرائيلي المتطرف أكثر الأطراف انتشاء بتصريحات ترامب حول تهجير الغزّيّين، وفي هذا الصدد اعتبر وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، أنّ "الخطة التي قدمها الرئيس ترامب هي الإجابة الحقيقية على السابع من أكتوبر. فَمَن ارتكب المذبحة الأكثر فظاعة على أرضنا سيجد نفسه يخسر أرضه إلى الأبد" وفق تعبيره.
ولاحظت عدة وسائل إعلامية أنّ سموتريتش امتنع منذ تصريحات ترامب الأخيرة عن تكرار التهديدات السابقة، بأنه سيترك مجلس الوزراء إذا تم الاتفاق على هدنة دائمة.
وبالفعل كانت حكومة اليمين المتطرف برئاسة نتنياهو تخطط للسيطرة الدائمة على غزة قبل مجيئ ترامب، معتبرةً أن ذلك يعدّ "الطريقة الوحيدة لضمان عدم تكرار هجمات السابع من أكتوبر".
وفي سبيل ذلك وافقت على خطة الجنرالات التي كانت تهدف إلى إفراغ شمال غزة من السكان وتحويله إلى منطقة عسكرية مغلقة، لكن تلك المخططات باءت بالفشل في ظل إصرار سكان الشمال على عدم مغادرة منازلهم، ولاحقًا جاء اتفاق وقف إطلاق الناري الساري حتى اللحظة، ليعود مئات آلاف السكان الذين هجّروا إلى شمال غزة من جديد.
ويُعلّق اليمين المتطرف آماله على ترامب لإعادة إحياء مشروع تهجير سكان غزة، يشار إلى أنّ مسألة من سيتولى إدارة غزة ويُشرف على إعادة الإعمار هي نقطة حاسمة في مفاوضات المرحلة الثانية، وليس من المستبعد أن تستغل إسرائيل تلك النقطة لنسف الاتفاق والعودة إلى الحرب.