01-سبتمبر-2020

ملف: دروس غرامشي.. استعادة مستمرة

مثّلت حقبة السبعينيّات مرحلة التلقّي المُبكّر لأعمال المفكر الإيطاليّ أنطونيو غرامشي (1891-1937) الذي يعود تداول اسمه عربيًا إلى سياقات هزيمة 1967 ومآلاتها. ويُمكن القول هنا إنّ تلك الفترة التي تلت النكسة وعايشت تداعياتها وارتداداتها عبّرت عن حاجة المنطقة العربيّة لأفكار جديدة وبديلة يُمكن من خلالها الإجابة على سيل الأسئلة المتُراكمة والمُتعلِّقة بأسباب الهزيمة وطبيعة الأنظمة الأمنيّة وممارساتها القمعيّة مُقابل انسداد أفق العمل الثوريّ والسياسيّ وتنامي شعور اليسار العربيّ بالخيبة والإحباط نتيجة هذه الأزمات/ الصفعات التي طالت المنطقة العربية ومثقّفيها الذين وجدوا في أفكار غرامشي بديلًا عن الأفكار المتصدّعة والمفاهيم التي لم تعد قادرة مواءمة للحالة العربيّة.

وصلت أفكار غرامشي في البداية إلى المفكرين والمثقّفين العرب شفهيًا في الغالب، ومن خلال كتابات الآخرين عنه

ومع وصول اسم غرامشي إلى العالم العربيّ وتداول أفكاره التي وصلت إلى المفكرين والمثقّفين العرب، في الغالب، شفهيًا ومن خلال كتابات الآخرين عنه، بدأت تتبلور الحاجة إلى ترجمة أعماله ونقلها إلى اللغة العربية، بالإضافة إلى الأعمال التي اتّخذت منه ومن أفكاره موضوعًا لها أيضًا، لتبدأ إثر هذه المطالب والحاجة التي بدت ملحّة مشروعات ترجمة مختلفة لأعماله، بدأتها "دار الطليعة" بإصدارها سنة 1970 لكتاب "الأمير الحديث" ترجمة زاهي شرفان وقيس الشامي، بالإضافة إلى كتاب "قضايا الماديّة التاريخيّة" الذي أنجز ترجمته المفكّر اللبنانيّ فواز طرابلسي، وصدر عن الدار نفسها سنة 1971.

اقرأ/ي أيضًا: في أهميّة غرامشي اليوم.. الفِكر - الفِعل، والطريق لتجاوز انسداد آفاق الثورة

خلال العام التالي لصدور ترجمة "قضايا الماديّة التاريخيّة"، نقل ميخائيل إبراهيم مخول إلى اللغة العربيّة كتاب "غرامشي: دراسات ومختارات" الذي أعدّه وحرّره جاك تكسيه، وصدر عن "وزارة الثقافة والإرشاد القومي" في العاصمة السورية دمشقة. أمّا الترجمة الأولى عن الإيطاليّة – إذ إنّ الكُتب الثلاث أعلاه نُقلت عن الفرنسيّة – فتعود عفيف الرزاز الذي نقل إلى العربيّة كتاب "المجالس العمّاليّة" الصادر سنة 1975 عن "دار الطليعة" التي أصدرت خلال العام نفسه كتاب "فكر غرامشي السياسيّ" لجان مارك بيوتي ترجمة المفكّر السوريّ جورج طرابيشي.

وعن اللغة الإيطالية أيضًا نقل تحسين الشيخ علي سنة 1976 كتاب "فكر غرامشي: مختارات" إعداد وتحرير كارلو سالنياري وماري سبينيلا الذي أصدرته "دار الفارابي" في جزئين خلال عامي 1976 - 1978. بينما صدر كتاب أنطونيو بوزوليني "غرامشي: حياته وفكره" سنة 1977 عن "المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر" ترجمة سمير كرم، فيما اختتم الناقد الأردنيّ فيصل دراج مرحلة السبعينيّات بدراسة تحت عنوان "مفهوم الأيديولوجيا عند غرامشي" نُشرت في مجلّة "النداء" سنة 1979. وهنا لا بدّ من الإشارة في هذا السياق إلى النصوص القليلة لغرامشي وعنه التي تداولتها وعرّبتها بعض المجلّات خلال تلك المرحلة، لا سيما مجلّات "الحريّة"، و"النهج"، و"أطروحات"، و"الطريق"، و"دراسات عربية"، وغيرها.

أمّا بالنسبة إلى الثمانينيات التي تمثّل مرحلة جديدة من تلقّي أنطونيو غرامشي وفكره مهّدت لها الإصدارات السابقة، فقد افتتحها المفكّر التونسيّ الطاهر لبيب بمقالة نُشرت في العدد الثاني من مجلّة "الكرمل" سنة 1981 تحت عنوان "درس غرامشي"، تبعها ترجمة عفيف الرزاز سنة 1984 لكتاب جون كاميت "غرامشي: حياته وأعماله" عن "مؤسّسة الأبحاث العربيّة"، فيما خصّصت مجلّة "النهج" ملف عددها الـ 19 الصادر سنة 1988 للمفكّر الإيطاليّ، ولعلّ أبرز الدراسات التي ضمّها الملف حينها هي دراسة فيصل درّاج "غرامشي والبحث عن سؤال الثقافة"، ودراسة ج. لوفيرشا "فيما وراء التلقائية"، و"غرامشي والزمن الحاضر" لـ م. جريسكو.

أسهمت مجلّة "الكرمل" خلال الثمانينيات بالتعريف بغرامشي أيضًا وانطلاقًا من زوايا جديدة ومُختلفة، فبينما كان حضوره مُرتبط بقضايا مُحدِّدة أهمّها "المجتمع المدنيّ" و"أدوار المثقّف"، نشرت المجلّة في عددها الـ 28 الصادر سنة 1989 دراسة لغرامشي تحت عنوان "مسرح بيراندلو" نقلها إلى العربية ضياء مجيد الذي نقل أيضًا دراسة أخرى للمفكّر الإيطاليّ بعنوان "الطابع اللاقومي واللاشعبي للأدب الإيطاليّ" نُشرت خلال العام نفسه في عدد المجلّة الـ 33. ولعلّ أهم ما حدث خلال هذه الفترة بخصوص غرامشي هو إقامة المعهد الأعلى للتنشيط الثقافيّ في تونس بالتعاون مع المركز الثقافيّ الإيطاليّ ندوة هي الأولى لجهة التخّصص بغرامشي وأفكاره تحت عنوان غرامشي والثقافة".

أسهمت مجلّة "الكرمل" خلال الثمانينيات بالتعريف بغرامشي أيضًا وانطلاقًا من زوايا جديدة ومُختلفة

المُلفت للانتباه خلال تلك المرحلة هو ضعف نشاط الترجمة مُقارنةً بما كان عليه خلال السبعينيات، وما سيكون عليه خلال التسعينيات أيضًا، خاصّةً وأنّ هذه المرحلة شهدت حضورًا واسعًا لغرامشي برفقة مفاهيمه وأفكاره حول المجتمع المدنيّ الذي تصاعد النقاشة بشأنه خلال تلك الفترة التي شهدت إقامة ثاني ندوة ثقافية معنية بغرامشي وفكره، وهي الندوة التي نظّمها مركز البحوث العربيّة بالتعاون مع الجمعيّة العربيّة لعلم الاجتماع سنة 1992 في العاصمة المصرية القاهرة تحت عنوان "المجتمع المدنيّ العربيّ في ضوء أطروحات غرامشي"، بالإضافة إلى صدور كتاب "غرامشي وقضايا المجتمع المدني" من إصدار "دار كنعان" خلال الفترة نفسها.

اقرأ/ي أيضًا: أنطونيو غرامشي في عمل المثقفين العرب.. الحاضر الغائب

وخلال سنة 1994، أصدرت دار "المستقبل العربي" ولأوّل مرّة كتاب "كرّاسات السجن" بعد أن نقلها عادل غنيم إلى اللغة العربية، فيما أصدرت الباحثة اللبنانيّة دلال البزري كتابها "غرامشي في الديوانية: في محلّ المجتمع المدنيّ من الإعراب" عن "دار الجديد"، بينما أصدر "مركز الدراسات الاشتراكية" سنة 1999 الترجمة العربية لكتاب كريس هارمان "غرامشي ضدّ الإصلاحيّة". وفي سنة 2000 أصدرت "هيئة قصور الثقافة" كتاب "حالة غرامشي" لبرنار نويل، ترجمة بشير السباعي، تلاه إصدار "دار التنوير" لكتاب "قراءة في فكر غرامشي السياسيّ" لمازن حسيني سنة 2001، تبعه كتاب "غرامشي في العالم العربيّ" تحرير ميشيل بروندينو والطاهر لبيب، ترجمة كاميليا صبحي عن "المجلس الأعلى للثقافة" سنة 2002، وكتاب "إشكالية المثقف عند غرامشي" الصادر سنة 2004 عن "دار الكتب والوثائق العراقية".

أمّا بالنسبة إلى السنوات التالية وحتّى يومنا هذا، فلعلّ أبرز ما صدر في هذه الفترة هو كتاب "رسائل السجن: رسائل أنطونيو غرامشي إلى أمّه" (دار طوى، 2014)، ترجمة سعيد بوكرامي، وكتاب "أنطونيو غرامشي: النظرية والممارسة" عن "مركز الدراسات الاشتراكية، 2015"، و"مدخل إلى غرامشي: السيطرة السياسية، الثورة، الدولة" تحرير آن شوستاك ساسون، ترجمة سحر توفيق وإصدار "المركز القومي للترجمة، 2016". بالإضافة إلى كتاب "شجرة القنفذ" عن "دار التكوين، 2016" بترجمة آمارجي، على أن العمل الأكثر أهمّية الذي نقل إلى العربية خلال تلك الفترة هو كتاب "في الوحدة القومية الإيطالية" الصادر سنة 2018 عن "منشورات المتوسّط" ترجمة المفكر اللبنانيّ فواز طرابلسي.

يتّضح من خلال هذه القائمة الببليوغرافية أنّ الفترة الممتدة من عام 2000 وحتّى 2018، هي الأقلّ نشاطًا بالنسبة إلى الترجمة، على الرغم من شغل غرامشي اليوم مكانة لم يكن يشغلها خلال سنوات ذروة هذا النشاط، أي في سبعينيات وثمانينيات وحتّى تسعينيات القرن الفائت. والحديث لا عن أعمال غرامشي فقط، وإنّما عن الأعمال المكتوبة عنه أيضًا، وهي كثيرة بطبيعة الحال وتتجاوز 6000 عنوان حول العالم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

غرامشي في الشوارع.. نصب وجداريات

شذرات غرامشي: لكي نتمكن من اللقاء