13-يناير-2021

الكاتب الفرنسي هنري شاريير (1906 - 1969)

ألترا صوت - فريق التحرير

في 7 نيسان/ أبريل عام 1930، اعتُقل الكاتب الفرنسي هنري شاريير (1906 – 1969) بتهمة القتل العمد، وحُكم عليه بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة في 26 تشرين الأول/ أكتوبر سنة 1931. وبعد يومين من صدور الحُكم، وصل شاريير إلى أحد سجون جزيرة غويانا، آخر المستعمرات الفرنسية في القارة الأمريكية الجنوبية، حيث سيعمل هناك ممرضًا مساعدًا في المستشفى الاستعماري، ويُخطط في الوقت نفسه للفرار من المعتقل.

وصفت "الفراشة" بأنها ملحمة إنسانية تضج بالبهاء، وتزاوج بين الخارق/ المتخيل والواقعي، بهدف تدوين سيرة عنوانها العريض هو السعي إلى نيل الحرية

ليلة الخامس من كانون الأول/ ديسمبر 1934، نجح شاريير في الهروب، ولكنه اعتُقل في كولومبيا التي سلمته إلى السلطات الفرنسية، ليواجه حينها حُكمًا جديدًا قضى بسجنه لمدة عامين في العزل الانفرادي في جزيرة سانت جوزف. خلال تلك المدة، اختبر الكاتب الفرنسي أنواعًا مختلفة من الأزمات النفسية، دفعته لخوض غمار الهروب مجددًا بعد نحو عشر سنوات، إذ استطاع في 18 آذار/ مارس عام 1944 الفرار، قاصدًا هذه المرة العاصمة الفنزويلية كراكاس، حيث سيوثق تفاصيل تجربته هذه في روايته الشهيرة "الفراشة".

اقرأ/ي أيضًا: كتاب "كتابة الرائحة".. قراءةٌ في سرديات الشمّ

عن "دار المدى"، صدرت حديثًا ترجمة عربية جديدة لرواية "الفراشة" بتوقيع المترجم السوري حسين عمر. وفيها، يسرد شاريير وقائع نحو 13 عامًا قضاها داخل سجون فرنسية مختلفة، بسبب جريمة لم يرتكبها: "كانت الضربة قاصمة إلى درجة أنني لم أصح منها إلا بعد ثلاثة عشر عامًا. والحقيقة أنها لم تكن ضربة عادية، فلقد تألب على تسديدها لي كثيرون"، يقول شاريير في وصف ما حدث.

ويضيف: "في الساعة الحادية عشر ليلًا، انتهت لعبة الشطرنج، وقيل للمحامي الذي يدافع عني: شاهك مات. وأدانتني المحكمة وأنا بريء! وهكذا لفظ المجتمع الفرنسي المتمثل في شخص المدعي العام براديل، شابًا في الخامسة والعشرين من عمره، وقد قدم لي الرئيس بيفان هذا الطبق الدسم بصوتٍ لا يتميز بأي طابع".  

انتظر هنري شاريير نحو 20 عامًا ليأخذ قراره بكتابة حكايته أعلاه. قبل ذلك، لم يفكر يومًا بتحويل هذه المعاناة إلى قصة مكتوبة، ولكن الزلزال الذي ضرب كراكاس سنة 1969، وإفلاس تجارته بسبب الزلزال نفسه، بالإضافة إلى تراكم ديونه وتدهور حالته النفسية أوضاعه المادية، إلى جانب قراءته في إحدى الصحف الفنزويلية خبر وفاة ألبرتين سارازان، الكاتبة الفرنسية التي حازت شهرة عالمية واسعة بعد نشرها لسيرتها الذاتية، التي تضمنت تجربتها الطويلة مع السجون، دفعته نحو كتابة ما اختبره في السجون الفرنسية طيلة نحو عقدٍ ونصف من الزمن.

هذه الدوافع، أما السبب الحقيقي، فهو أمله في أن تحقق سيرته مبيعاتٍ مشابهة لما حققته سيرة سارازان التي وصل عدد النسخ المباعة منها، في ذلك الوقت، إلى نحو 123 ألف نسخة، الأمر الذي سيساعده، بحسب اعتقاده، على حل أزمته المادية. وتحت تأثير هذا الأمل، والحاجة المادية الملحة، أنجز شاريير خلال شهرين مخطوط روايته التي صدرت في أيار/ مايو 1969 تحت عنوان "الفراشة".

اقرأ/ي أيضًا: ألبرتين سارازان: عندما أحصل على الندم سأخبركم

بعد شهر واحد فقط على صدورها، بلغ عدد مبيعات "الفراشة" نحو 120 ألف نسخة، قبل أن يصل العدد فيما بعد، على مستوى العالم، إلى 10 ملايين نسخة. وبفعل هذه الشهرة الواسعة خلال مدة زمنية قصيرة، أصدرت الرئاسة الفرنسية عام 1970 عفوًا عن هنري شاريير، لتطوي بذلك صفحة أربعة عقودٍ قضى الكاتب الفرنسي الجزء الأكبر منها تحت وطأة الخوف من العودة إلى المعتقلات مجددًا.

يسرد هنري شاريير في "الفراشة" وقائع وتفاصيل نحو 13 عامًا قضاها في سجونٍ فرنسية مختلفة بسبب جريمة لم يرتكبها

وصِفت "الفراشة" بأنها ملحمة إنسانية تضج بالبهاء، وتزاوج بين الخارق/ المتخيل والواقعي بهدف تدوين سيرة عنوانها العريض هو السعي إلى نيل الحرية، وخوض معارك مختلفة لأجلها، باعتبارها هاجس الإنسان الأول. يقول شاريير في ختام الرواية: "غدًا سأخرج إلى الحرية الحقيقية (...) لقد انتصرت أخيرًا على طريق العفن وإلى الأبد".

 

اقرأ/ي أيضًا:

ريكاردو بيجليا: عندما واجه جيفارا الموت بالقراءة

كتاب "تطور سوريا السياسي في ظل الانتداب".. تشريح الانتداب وتفكيك تاريخه