12-فبراير-2025
خارطة طريق

يشهد السودان ترتيبات سياسية جديدة على ضوء التطورات الأخيرة في ميادين القتال (رويترز)

أدّى تباين الآراء داخل تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدّم" حول تشكيل حكومةٍ موازية في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع إلى اتخاذ التنسيقية قرارًا بفكّ الارتباط بين مكوّناتها.

وأسفر هذا الإجراء عن تأسيس تكتّلٍ جديد يحمل اسم "التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة" (صمود)، الذي يرفض، بقيادة رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك، تشكيل حكومة موازية في المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات الدعم السريع.

في المقابل، يواصل ما يُسمّى "تحالف القوى المدنية المتحدة" (قمم) الدعوة إلى تشكيل تلك الحكومة، باعتبارها بديلًا عن الحكومة التي تتّخذ من بورتسودان مقرًّا لها.

تتضمّن خارطة الطريق التي أعلنتها القيادة السودانية، وفقًا لبيان وزارة الخارجية، "استئناف العملية السياسية الشاملة، عبر إطلاق حوار وطني شامل يشمل جميع القوى السياسية والمجتمعية

خلفية التطور السياسي

يأتي هذا التطور بعد أيامٍ قليلة من إعلان وزارة الخارجية السودانية أنّ "قيادة الدولة طرحت خارطة طريق لمرحلة ما بعد الحرب"، إثر ما وصفتها بـ"النجاحات التي حققتها القوات المسلحة والقوات المشاركة والمساندة، وتضييق الخناق على المتمردين في مختلف المسارح"، وذلك في إشارة إلى استعادة الجيش السيطرة على عدة مناطق في ولاية الجزيرة والعاصمة الخرطوم. وقد أعلن الجيش، يوم الثلاثاء، سيطرته على مدينة "جياد الصناعية" وطرد قوات الدعم السريع من الموقع المذكور.

خارطة طريق ما بعد الحرب

تتضمّن خارطة الطريق التي أعلنتها القيادة السودانية، وفقًا لبيان وزارة الخارجية، "استئناف العملية السياسية الشاملة، عبر إطلاق حوار وطني شامل يشمل جميع القوى السياسية والمجتمعية، وتشكيل حكومة من الكفاءات الوطنية المستقلة لاستئناف مهام الفترة الانتقالية، ومساعدة الدولة على تجاوز تبعات الحرب".

كما تتضمّن الخطة "إجراء التعديلات اللازمة على الوثيقة الدستورية، وإجازتها من القوى الوطنية والمجتمعية، ثم اختيار رئيس وزراء مدني لإدارة الجهاز التنفيذي للدولة دون تدخل، وتتويج ذلك كله بانتخابات عامة حرة ونزيهة".

أعلن بيان وزارة الخارجية السودانية "الترحيب بكل من يتخذ موقفًا وطنيًا، ويرفع يده عن المعتدين، وينحاز إلى الصف الوطني"، وفق تعبيرها.

انعكاسات التطورات السياسية

يربط محللون سودانيون بين التطور الذي شهدته تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" وإعلان القيادة السياسية في بورتسودان عن خارطة الطريق الجديدة، حيث يسعى الفريق الذي نأى بنفسه عن فكرة تشكيل الحكومة الموازية إلى لعب دور في المرحلة القادمة، مع حفاظه على مسافة من فرقاء الحرب.

فك الارتباط بين مكونات تنسيقية "تقدّم"

تم الإعلان عن تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدّم" لأول مرة في أيار/مايو 2024 في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وذلك بعد اجتماعات تحضيرية استمرت لأكثر من عام بين قوى سياسية متعددة، من بينها أحزاب تحالف قوى الحرية والتغيير، وحركات مسلحة، وأخرى مدنية. كان الهدف الرئيسي لهذه الاجتماعات هو البحث عن سبل إنهاء الحرب التي اندلعت في منتصف نيسان/أبريل 2023، حيث اتفق المجتمعون على هدف رئيسي يتمثل في "بناء أوسع مظلة سودانية مدنية ديمقراطية تعمل على إنهاء الصراع وتأسيس الدولة السودانية".

في كانون الأول/ديسمبر الماضي، وخلال اجتماع التنسيقية في أوغندا، أعلنت فصائل الجبهة الثورية تبنّيها مقترحًا يقضي بتشكيل حكومة تنزع الشرعية عن الحكومة الموجودة في بورتسودان. وبالفعل، تمت إحالة المقترح إلى الآلية السياسية داخل التنسيقية، لكنّها أخفقت في التوفيق بين الداعمين لمقترح تشكيل الحكومة والرافضين له، مما أدى في نهاية المطاف، مطلع الأسبوع الجاري، إلى إعلان التنسيقية فكّ الارتباط بين مكوناتها إلى قسمين، لكلٍّ منهما استقلاله السياسي والتنظيمي التام.

أسباب رفض تشكيل الحكومة الموازية

يبرّر الرافضون لتشكيل الحكومة الموازية موقفهم بأن إنشاء حكومة بديلة سيؤدي إلى فقدان موقفهم الحيادي في الصراع. إضافةً إلى ذلك، قد يؤدي تشكيل حكومة ثانية في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع إلى قيادة البلاد نحو مشروع انفصالي جديد، مما يزيد من تعقيد فرص التوصل إلى سلام دائم.

موقف تنسيقية "تقدّم" بعد حلّ نفسها

وجاء في بيان تنسيقية "تقدّم"، التي أعلنت حلّ نفسها، ما نصّه: "بهذا القرار، سيعمل كل طرف اعتبارًا من تاريخه وفق ما يراه مناسبًا، ومتوافقًا مع رؤيته حول الحرب وسبل وقفها وتحقيق السلام الشامل والدائم، وتأسيس الحكم المدني الديمقراطي المستدام، والتصدي لمخططات النظام السابق وحزبه المحلول وواجهاته".

إعلان تحالف "صمود" بقيادة حمدوك

وفي بيانه التأسيسي، قال تحالف "صمود"، الذي يرأسه رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، والرافض لتشكيل حكومة موازية، إن خطوة فك الارتباط جاءت "إيمانًا والتزامًا بأهمية اختيار القوى المدنية للديمقراطية طريقًا مستقلًا، لا ينحاز إلى أي من أطراف الحرب، ولا ينخرط فيها بأي شكل من الأشكال، ويتصدى لكل فعل أو قول يهدد وحدة البلاد ويمزق نسيجها الاجتماعي".

وأضاف البيان أن أهداف التحالف تتمثل في "حماية المدنيين، والتصدي لأي انتهاكات يتعرضون لها، ومعالجة الأزمة الإنسانية، ووقف الحرب فورًا عبر حل سياسي سلمي يخاطب جذور الأزمة، بما يقود إلى تأسيس الدولة السودانية وإحلال سلام مستدام وعادل".

يُشار إلى أن تحالف "صمود" يضم تحت مظلته عددًا من المجموعات المهنية والتنظيمات السياسية، من أبرزها: حزب الأمة القومي، وحزب المؤتمر السوداني، وحزب التجمع الاتحادي، وحزب البعث القومي، والحركة الشعبية - التيار الثوري.

تبحث قوات الدعم السريع عن مظلة سياسية وقد تجد تلك المظلة في تشكيل حكومة داخل مناطق سيطرتها

التوقعات بشأن دور تحالف "صمود" في المرحلة المقبلة

يعتقد مراقبون للشأن السوداني أن تحالف "صمود"، بقيادة حمدوك، اختار التوقيت المناسب لاتخاذ موقف محايد، وذلك انتظارًا لما ستُسفر عنه مبادرة خارطة الطريق التي أعلنتها القيادة السياسية في بورتسودان. ولذلك، ليس من المستبعد أن يكون تحالف "صمود" طرفًا فاعلًا في العملية السياسية التي يجري التحضير لاستئنافها.

تشكيل حكومة في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع

تبحث قوات الدعم السريع عن غطاء سياسي في ظلّ عملها على بسط نفوذها في إقليم غرب دارفور، الذي يضم خمس ولايات. باستثناء مدينة الفاشر، تسيطر قوات الدعم السريع على بقية المناطق هناك، ويجري الحديث منذ فترة عن مخطط لتشكيل حكومة خاصة بها.

وعلى الرغم من أن هذا السيناريو قد يُمهّد لانفصال سياسي، إلا أن مؤيديه يرفضون وصفه بأنه "حكومة موازية" تسعى للانفصال.

موقف تحالف "قمم" من تشكيل الحكومة

في هذا السياق، نقلت وسائل إعلام عن المتحدث باسم تحالف القوى المدنية المتحدة "قمم"، عثمان عبد الرحمن، نفيه أن تكون الحكومة التي يتم التحضير لها "حكومة منطقة أو منفى"، قائلًا إنها "حكومة لكامل التراب السوداني"، وبديلة للحكومة الموجودة في بورتسودان، التي يعتبرونها فاقدةً للشرعية".

كما أكد المتحدث باسم "قمم" أن "الحكومة الفيدرالية المزمع تشكيلها ستشهد تمثيلًا من جميع ولايات السودان".