يبدو الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في نظر منتقديه، منفصلًا عن الواقع، أو في أحسن الأحوال، يذهب بالأمور إلى أقصاها تمهيدًا للانسحاب منها.
فقد نشر على منصته "تروث سوشيال" منشورًا مفاجئًا أعرب فيه عن أمله بتوقيع اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا هذا الأسبوع، في وقتٍ عجز فيه الطرفان عن الحفاظ على هدنة قصيرة بمناسبة عيد الفصح، لم تتجاوز ثلاثين ساعة. فقد تحدّث كل منهما عن آلاف الخروقات، قبل أن تنتهي الهدنة مساء الأحد. الأمر نفسه ينطبق على اتفاق وقف إطلاق النار الجزئي الخاص بالبنية التحتية للطاقة، الذي تعرّض لانتهاكات متكررة، جعلته مجرّد حبر على ورق، كما يرى كثيرون.
في ظل هذا الإخفاق، لوّح ترامب ووزير خارجيته ماركو روبيو بإمكانية انسحاب واشنطن من جهود الوساطة خلال أيام، إذا لم يحرز الطرفان تقدمًا حقيقيًا، متّهمين موسكو وكييف بعدم الاكتراث بالدماء التي تُسفك يوميًا منذ أكثر من ثلاث سنوات.
وما إن انتهت هدنة الفصح، حتى شنت روسيا هجمات مكثفة على العمق الأوكراني، استهدفت العاصمة كييف ومدينة ميكولايف وعدة مناطق في الشرق.
قدّم ترامب إغراءات للطرفين، لحثّهما على الاتفاق، حيث تعهّد لموسكو وكييف بصفقات تجارية مذهلة مع الولايات المتحدة إذا وقّعتا على اتفاق هدنة، قائلًا: "آمل أن تُبرم روسيا وأوكرانيا صفقة هذا الأسبوع".
يُشار إلى أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كان قد طلب تمديد هدنة عيد الفصح لمدة ثلاثين يومًا، تشمل وقفًا كاملاً لأي ضربات تستهدف البنية التحتية المدنية باستخدام الطائرات المسيّرة بعيدة المدى والصواريخ. إلا أن موسكو رفضت هذا الطلب، حيث أكد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن الرئيس فلاديمير بوتين لم يصدر أي قرار بخصوص تمديد الهدنة.
إغراءات ترامب
في المقابل، عبّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في منشور كتبه مساء الأحد على منصته الخاصة "تروث سوشيال"، عن تفاؤله بإمكانية توصل روسيا وأوكرانيا إلى اتفاق سلام خلال هذا الأسبوع. وقدّم ترامب ما وصفه بـ"إغراءات" لكلا الطرفين، متعهدًا بمنحهما صفقات تجارية "مذهلة" مع الولايات المتحدة في حال التوصل إلى هدنة، قائلاً: "آمل أن تُبرم روسيا وأوكرانيا صفقة هذا الأسبوع".
وتُعدّ هذه الوعود مغرية، خاصةً بالنسبة لموسكو التي ترزح تحت وطأة عقوبات اقتصادية وتجارية غربية مشددة. لكن من غير المتوقع أن تبدي روسيا أي تجاوب من دون تحقيق الحد الأدنى من أهدافها في الحرب، بما في ذلك منع انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، وتقليص قدراتها العسكرية، وضمان عدم وجود قوات غربية على أراضيها، فضلًا عن الاعتراف بسيادتها على شبه جزيرة القرم، واستمرار سيطرتها على المناطق التي استولت عليها خلال الحرب الحالية في خيرسون وزاباروجيا ودونيتسك ولوغانسك.
هدنة الفصح القصيرة لم تستطع الصمود
أما على الأرض، فقد تبيّن أن هدنة عيد الفصح القصيرة لم تصمد طويلًا، حيث اتهم الرئيس زيلينسكي روسيا بارتكاب أكثر من ألفي خرق للهدنة، فيما أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن القوات الأوكرانية أطلقت النار 444 مرة على مواقع روسية، إضافة إلى أكثر من 900 هجوم بطائرات مسيّرة، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى بين المدنيين.
وشهدت الجبهات الميدانية تصعيدًا لافتًا فور انتهاء الهدنة، إذ تحدثت أوكرانيا عن هجمات روسية في بوكروفسك وسيفيرسك شرق البلاد، بينما أفادت موسكو بمحاولات أوكرانية فاشلة لمهاجمة مواقع روسية في منطقتي سوخايا بالكا وبوغاتير في دونيتسك. كما اتهمت أوكرانيا بشن هجمات على مناطق روسية حدودية في بريانسك وكورسك وبيلغورود، أسفرت عن سقوط ضحايا مدنيين.
وبحسب وكالة "رويترز"، فإن هذه التطورات تعكس صعوبة فرض وقفٍ لإطلاق النار ولو لفترة مؤقتة، في حرب تجاوزت ثلاث سنوات من التصعيد المتواصل.
وفور انتهاء هدنة الفصح، أطلقت أوكرانيا تحذيرات من غارات جوية على كييف وشرق البلاد، بينما أعلنت سلطات مدينة ميكولايف عن سماع دوي انفجارات قوية فجر الاثنين. ودعت الإدارة العسكرية في كييف المواطنين إلى التوجّه إلى الملاجئ فورًا، في وقتٍ لم تُحدَّد فيه بعد طبيعة الأهداف أو حجم الأضرار التي خلّفتها الضربات.