أعاد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، طرح فكرته المثيرة للجدل بشأن تهجير سكان قطاع غزة إلى دول الجوار، الفكرة التي قوبلت بانتقادات على المستويين العربي والدولي، تبدو أنها واحدة من مطامح ترامب لإعادة بسط الهيمنة الأميركية في مختلف أنحاء العالم، في صورة تجعله يُقدم نفسه المنتصر الوحيد في فترة ولايته الثانية، التي من المتوقّع أن تكون أكثر اضطرابًا على مستوى السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
ظهرت فكرة تهجير سكان غزة بالنسبة لترامب على هامش زيارة رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، عندما صرح بأنه يريد "بناء أماكن جديدة لسكان غزة" في الشرق الأوسط. تصريحات تلقفها اليمين الإسرائيلي للاحتفاء بها، دفعت بوزير الأمن، يسرائيل كاتس، إلى الطلب من جيش الاحتلال إعداد مخطط لتهجير الغزيين عبر البر والجو والبحر.
ترامب يطالب إسرائيل بتسليم غزة للولايات المتحدة
لكن الفكرة تتعدى تهجير الغزيين، وفقًا لتصريحات جديدة أطلقها ترامب، اليوم الخميس، عبر منصته الخاصة "تروث سوشال"، أكد فيها "أن إسرائيل سوف تسلم قطاع غزة إلى الولايات المتحدة بعد انتهاء القتال"، وفي إشارة ساخرة لزعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، كتب ترامب: "سوف يكون الفلسطينيون، مثل تشاك شومر، قد أعيد توطينهم بالفعل في مجتمعات أكثر أمنًا وجمالًا، مع منازل جديدة وحديثة في المنطقة".
لا يختلف نهج ترامب تجاه غزة مع سياسته الخارجية في ولايته الثانية، فقد دعا سابقًا إلى الاستحواذ على جزيرة غرينلاند التي تتمتع بالحكم الذاتي، وطالب باستعادة السيطرة على قناة بنما، بالإضافة إلى رغبته أن تكون الولاية الـ51 للولايات المتحدة
وأضاف ترامب في منشوره مدعيًا أنه "سوف تتاح لهم الفرصة بالفعل للعيش بسعادة وأمان وحرية"، موضحًا أن الولايات المتحدة سوف تبدأ "بالتعاون مع فرق التنمية العظيمة من مختلف أنحاء العالم، ببطء وحذر في بناء ما سيصبح واحدًا من أعظم وأروع مشاريع التنمية من نوعها على وجه الأرض".
وفي إشارة إلى التواجد العسكري الأميركي في المنطقة، ادعى ترامب أنه "لن تكون هناك حاجة إلى جنود الولايات المتحدة! سوف يسود الاستقرار في المنطقة".
على الطرف المقابل، أكدت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" على لسان متحدثها، حازم قاسم، في حديثه لـ"التلفزيون العربي" أن "تصريحات ترمب مرفوضة قطعًا"، مشددًا على أن "غزة لأهلها ولن يغادروها".
واعتبر قاسم أن "حديث ترمب عن استلام واشنطن لقطاع غزة بمثابة إرادة معلنة لاحتلال القطاع"، مؤكدًا أن الغزيين لا يحتاجون "لأي دولة لتسيير قطاع غزة"، وأنهم لن يقبلوا "استبدال احتلال بآخر"، مشددًا على أن "رفض مشروع ترمب لا يكفي ولا بد من وحدة فلسطينية لمواجهة التهجير".
جريمة ضد الإنسانية
تصريحات ترامب الأخيرة تظهر مواصلته لنهجه القائم على تنفيذ فكرته رغم معارضة الجمهوريين المتشككيين من الفكرة، كما يتضح من تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.
وقد حاول البيت الأبيض التخفيف من تصريحات ترامب، مؤكدًا على لسان المتحدثة باسم أن دافعي الضرائب الأميركيين "لن يغطوا تكلفة" تهجير سكان غزة، كما أنها أكدت التزام ترامب بعدم إرسال القوات الأميركية إلى المنطقة.
بحسب الصحيفة ذاتها، فإن أحد النواب الجمهوريين في الكونغرس اعتبر أن فكرة ترامب بشأن غزة "لا معنى لها على الإطلاق"، كاشفًا عن تعارضها مع جهود الجمهوريين بخفض الإنفاق، بينما وصف المشرع الجمهوري، كيفن كريمر، فكرة ترامب بأنها "غير علمية". كذلك رأى المشرع، ليندسي غراهام، أن "هذا النهج سيكون إشكاليًا للغاية".
ولا يختلف نهج ترامب تجاه غزة مع سياسته الخارجية في ولايته الثانية، فقد دعا سابقًا إلى الاستحواذ على جزيرة غرينلاند التي تتمتع بالحكم الذاتي، وطالب باستعادة السيطرة على قناة بنما، بالإضافة إلى رغبته أن تكون الولاية الـ51 للولايات المتحدة.
وترى "وول ستريت جورنال"، ضمن هذا السياق، أن جميع هذه الأفكار لا "تضاهي تعقيد السيطرة على غزة على المدى الطويل"، مضيفة أن الاحتلال الأميركي للقطاع الذي لم يستبعده ترامب سيؤدي إلى "توريط الولايات المتحدة في صراع آخر في الشرق الأوسط".
من جانبه، يعلق كاتب العامود في مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، ستيفن كوك، على خطط ترامب المرتبطة بالاستيلاء على غزة، بالإشارة إلى أن الرئيس الجمهوري في معرض رده على الانتقادات التي قوبلت بها خطته لتهجير سكان غزة "يشعر بالحاجة إلى إثبات خطأ الجميع وجعل التطهير العرقي والاستعمار الجديد سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط".
ويرى كوك أن الفلسطينيين لن يقبلوا بالنزوح مرة أخرى من بلادهم، مضيفة أنه "مهما كانت الحياة صعبة في قطاع غزة، فإنه يظل بالنسبة لهم موطئ قدم في فلسطين، وتذكيرًا صارخًا بالظلم التاريخي الذي يشكل الوجه الآخر لإسرائيل"، معتبرًا أنه من الممكن أن ينكر ترامب هذا الواقع، لكنه في حال أراد تهجير سكان غزة، فإنه "سوف يضطر إلى إصدار أمر للجيش الأميركي للقيام بذلك بالقوة"، وهو ما يرى أنه سيكون أمر "غير قانوني ويشكل جريمة ضد الإنسانية".