03-أبريل-2025
ترامب خلال إعلانه فرض حزمة التعريفات الجمركية على شركاء الولايات المتحدة التجاريين (رويترز)

ترامب خلال إعلانه فرض حزمة التعريفات الجمركية على شركاء الولايات المتحدة التجاريين (رويترز)

في خطوة غير مسبوقة قد تكون لها تبعات كبيرة على الاقتصاد العالمي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية جديدة على الواردات من أكبر شركاء الولايات المتحدة التجاريين، وهي خطوة تعتبر تحولًا جذريًا في السياسة التجارية الأميركية.

وبحضور عدد من أعضاء حكومته وعمال نقابات البناء، أعلن ترامب في خطاب له في حديقة الورود بالبيت الأبيض عن بدء تطبيق ما أسماه بـ "الرسوم الجمركية المتبادلة" التي تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الأميركي وتحدي السياسات التجارية التي وصفها بـ "غير العادلة" من قبل الدول الأخرى.

ووفقًا لترامب، فإن هذه الرسوم هي جزء من استراتيجية لتصحيح ما وصفه بـ "الرسوم غير العادلة" التي تفرضها دول العالم على السلع الأميركية

تفاصيل الرسوم الجمركية: 10 % على الواردات الأميركية من معظم دول العالم

أعلن ترامب عن فرض رسوم جمركية بنسبة 10 % على جميع السلع المستوردة إلى الولايات المتحدة، في خطوة من شأنها أن تؤثر على الاقتصاد العالمي بشكل كبير. وأضاف أن هذه الرسوم ستختلف من دولة إلى أخرى بناءً على السياسات التجارية لكل دولة. على سبيل المثال، أشار ترامب إلى أن الصين ستتحمل رسومًا بنسبة 34%، في حين ستفرض رسوم بنسبة 20 % على الواردات من الاتحاد الأوروبي.

وسيتم تطبيق رسم بنسبة 30 % على الواردات من جنوب أفريقيا، و31 % على الواردات من سويسرا، و49 % على الواردات من كمبوديا، و32 % على الواردات من إندونيسيا، بالإضافة إلى 24 % على الواردات من اليابان. كما تم فرض رسم بنسبة 10 % على الواردات من بريطانيا وسنغافورة والبرازيل، وهي أدنى نسبة جمركية.

في الوقت نفسه، تواجه كندا والمكسيك، اللتان تعدان من أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، رسومًا جمركية بنسبة 25% على العديد من السلع.

ووفقًا لترامب، فإن هذه الرسوم هي جزء من استراتيجية لتصحيح ما وصفه بـ "الرسوم غير العادلة" التي تفرضها دول العالم على السلع الأميركية، مؤكدًا أن الولايات المتحدة ستفرض نصف الرسوم التي تعتبرها غير عادلة بحقها. ورغم الانتقادات التي واجهتها سياسات ترامب في هذا الصدد، فإن الأخير شدد على أن هذه الخطوة تهدف إلى تحفيز الاقتصاد الأميركي.

انتقادات للسياسات التجارية: أهداف ترامب ودعمه للصناعة الأميركية

خلال خطابه، أشار ترامب إلى أن هذه الرسوم تهدف إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية، من بينها إعادة الصناعات الأميركية إلى الوطن والحد من تأثير السياسات التجارية "غير العادلة" التي تتبعها الدول الأخرى. كما أضاف أن الرسوم الجمركية تهدف إلى تعزيز الضرائب وتقوية الاقتصاد الأميركي، حيث أشار إلى أن هذه الخطوات ستساهم في "إعادة الولايات المتحدة إلى مكانتها المهيمنة اقتصاديًا في العالم".

إلا أن هذه السياسات لا تقتصر على فرض الرسوم على السلع فحسب، بل تمتد لتشمل عددًا من السياسات الأخرى التي تهدف إلى تغيير قواعد التجارة العالمية. فقد أشار ترامب إلى أن الولايات المتحدة ستركز أيضًا على مكافحة "التلاعب بالعملات" والحواجز التجارية التي تعيق تدفق المنتجات الأميركية إلى الأسواق العالمية. ومن أبرز الأمثلة التي ذكرها ترامب في خطابه: الحظر المفروض من قبل الاتحاد الأوروبي على استيراد الدواجن الأميركية، والرسوم التي تفرضها كندا على منتجات الألبان، بالإضافة إلى القيود المفروضة من قبل اليابان على استيراد الأرز.

ردود الفعل الدولية: مواجهات مع الحلفاء التجاريين

لم يمر إعلان ترامب دون ردود فعل دولية غاضبة، حيث أصدرت العديد من الحكومات في العالم تصريحات تعبر عن رفضها لهذه السياسات.

 ففي كندا، وصف رئيس الوزراء مارك كارني الرسوم بأنها "غير مبررة"، وأعلن عن خطط للرد على هذه الرسوم بحزمة من التدابير الانتقامية. كما أكدت دول الاتحاد الأوروبي على أنها ستتخذ خطوات موازية، وتوجهت بالتحذيرات إلى الإدارة الأميركية من أن هذه السياسات قد تؤدي إلى تصعيد التوترات التجارية بين الطرفين.

من جهته، قال رئيس وزراء بريطانيا، كير ستارمر، إن المفاوضات بشأن اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة ستستمر، ولم يقترح ستارمز أي إجراءات فورية للرد  على فرض إدارة ترامب رسومًا جمركية بنسبة 10 % على بريطانيا، وهو ما اعتبرته الحكومة علامة إيجابية، مقارنةً بالرسوم الجمركية بنسبة 20 % المفروضة على الاتحاد الأوروبي.

في تصريحات حول تأثير الرسوم الجمركية الأميركية على الاقتصاد العالمي، وصف رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو هذه التدابير بأنها "كارثة للعالم الاقتصادي"، محذرًا من أن هذه الرسوم ستخلق "صعوبة هائلة لأوروبا"، كما ستكون "كارثية" أيضًا للولايات المتحدة.

وتستعد صناعة النبيذ والمشروبات الروحية في فرنسا لخسارة محتملة تصل إلى 800 مليون يورو من صادراتها نحو الولايات المتحدة بسبب الرسوم الجمركية الجديدة.

ووفقًا للاتحاد الفرنسي للنبيذ والمشروبات الروحية، فإنه على الرغم من عدم تنفيذ ترامب تهديدًا بفرض ضرائب بنسبة 200 % على الشمبانيا والكحوليات الأوروبية الأخرى، فإن الرسوم الجمركية الجديدة بنسبة 20 % "سيكون لها عواقب شديدة"، بما في ذلك على مستوردي النبيذ والمشروبات الروحية الأميركيين وتجار الجملة والتجزئة.

في الوقت الذي كانت فيه ألمانيا تأمل أن يسهم الحكومة الجديدة في إعادة تنشيط اقتصادها المتعثر، أبدى الاقتصاديون قلقهم من أن تؤثر الرسوم الجمركية سلبًا على النمو المتوقع بنسبة 0.3 % لهذا العام، وهو ما دفع الوزير المكلف بالمالية في ألمانيا، يورغ كوكيز، إلى الدعوة إلى رد قوي من الاتحاد الأوروبي. وأضاف كوكيز أن ألمانيا لا تزال تأمل في أن تتمكن أوروبا من التوصل إلى اتفاق مع واشنطن، لكنه شدد على أن المفاوضات وحدها لن تكون كافية. وقال في تصريح له: "نحتاج إلى رد قوي، سيكون من السذاجة أن نعتقد أنه إذا جلسنا هنا وتركنا هذا يحدث، ستتحسن الأمور."

أما رئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني، فقد اعتبرت رسوم ترامب الجمركية "إجراء خاطئًا"، مشيرة إلى أن أوروبا ستبذل "كل ما في وسعها للعمل على اتفاق مع الولايات المتحدة، بهدف منع حرب تجارية من شأنها إضعاف الغرب لصالح فاعلين عالميين آخرين".

من جهة أخرى، تواجه اليابان، التي فرضت عليها الولايات المتحدة رسومًا جمركية مرتفعة، خيارات محدودة للرد. ومنذ أن بدأ الرئيس ترامب في تهديد الرسوم الجمركية الواسعة في كانون الثاني/يناير الماضي، اتبعت اليابان استراتيجية تصالحية، حيث تعهد رئيس الوزراء شيغيرو إيشيبا، في شباط/فبراير الماضي، بزيادة الاستثمارات الأميركية إلى تريليون دولار.

في المقابل، قال وزير الصناعة في كوريا الجنوبية، أهن دوك-غيون، إن بلاده بصدد وضع تدابير دعم لمساعدة صناعاتها على مواجهة الرسوم الجمركية الجديدة. وأعرب دوك-غيون عن أسفه لأن "الرسوم الجمركية الأميركية أصبحت حقيقة، بتأثيرها العميق على التجارة العالمية".

 وفي سياق متصل، تعتبر الولايات المتحدة أكبر وجهة لصادرات بنغلاديش، التي تتجاوز 8 مليارات دولار سنويًا، معظمها من الملابس. ومع ذلك، فإن بنغلاديش، التي تحاول الخروج من أزمة سياسية أثرت على اقتصادها، تراجع الرسوم الجمركية على المنتجات من الولايات المتحدة بعد أن فرضت إدارة ترامب رسومًا جديدة بنسبة 37 % على منتجاتها.

وفي إطار التوترات التجارية الحالية، أشار وزير التجارة الأميركي، هوارد لوتني، إلى أن الدول التي تواجه رسومًا جمركية أميركية على صادراتها ستسعى للتفاوض. لكنه أضاف بتصريح لبرنامج "شون هانيتي" على قناة "Fox News": "هؤلاء هم نفس الأشخاص الذين كانوا يستغلوننا طوال هذه السنوات". وكرر لوتني انتقادات الرئيس ترامب لشركاء التجارة الأميركيين، مشيرًا إلى أن "الاتحاد الأوروبي إن لم يأخذ الدجاج من أميركا. فلن يأخذوا الكركند من أميركا"، وقال: "إنهم لا يريدون لحومنا لأن لحومنا أفضل من لحومهم". وأشار إلى الهند واليابان وكوريا الجنوبية كأمثلة لدول تعاملت مع الولايات المتحدة بشكل غير عادل.

هذه التطورات تشير إلى تزايد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة وحلفائها، ما يضع ضغوطًا إضافية على الاقتصاد العالمي الذي يواجه تحديات كبيرة.

وفي الوقت الذي تتزايد فيه التوترات التجارية مع الحلفاء، بدا أن ترامب مصمم على المضي قدمًا في تنفيذ هذه الرسوم، معتمدًا على دعم من القاعدة الشعبية التي يعتقد أن هذه السياسات ستعود بالفائدة على الاقتصاد الأميركي.

تأثيرات اقتصادية: هل تضر السياسات الأميركية بالاقتصاد العالمي؟

على الرغم من تأكيد ترامب على أن هذه الرسوم ستؤدي إلى "نمو اقتصادي لم يسبق له مثيل"، إلا أن هناك العديد من التحذيرات الاقتصادية التي تشير إلى تأثيرات سلبية محتملة على الاقتصاد الأميركي والعالمي. فقد أظهرت استطلاعات الرأي أن معظم الأميركيين، بما في ذلك أعضاء في الحزب الجمهوري، يعارضون فرض الرسوم الجمركية، حيث أشار استطلاع من مدرسة ماركويت إلى أن 28% فقط من الأميركيين يعتقدون أن الرسوم الجمركية ستفيد الاقتصاد الأميركي.

وفيما يتعلق بالاقتصاد العالمي، يشير العديد من المحللين إلى أن هذه السياسات قد تؤدي إلى تزايد حدة التوترات التجارية، وربما تؤثر سلبًا على الأسواق العالمية. من جهة أخرى، حذرت بعض المؤسسات المالية الكبرى مثل جولدمان ساكس وجي بي مورغان من أن هذه السياسات قد تزيد من احتمالات دخول الاقتصاد الأمريكي في ركود، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تداعيات اقتصادية على مستوى العالم.

الأسواق المالية وتوقعات الركود

تسبب الإعلان عن هذه الرسوم في حالة من الارتباك في الأسواق المالية، حيث شهدت مؤشرات الأسهم الأميركية تقلبات كبيرة، مع تسجيل أسواق الأسهم أسوأ أداء لها في الربع الأول منذ أكثر من عامين. ومع تزايد حالة عدم اليقين بشأن السياسات التجارية، انخفضت ثقة المستهلكين في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوى لها في أكثر من أربع سنوات.

وشهدت أسواق الأسهم الأوروبية مؤشرات نحو الانخفاض. حيث انخفض مؤشر Stoxx Europe 600 بنسبة 1.2 % في تداولات الصباح، مع تراجع الأسهم في معظم القطاعات، بما في ذلك البنوك والتكنولوجيا والسلع الاستهلاكية.

كما أظهرت التوقعات الاقتصادية أن الشركات والمستثمرين يعانون من حالة من التردد بسبب غموض السياسات الاقتصادية للرئيس ترامب.

سياسات ترامب: تحقيق الأهداف أم تصعيد الأزمات؟

بناءً على الخطوات التي أعلن عنها ترامب، تبدو الإدارة الأميركية مصممة على تحقيق أهدافها الاقتصادية والسياسية من خلال فرض الرسوم الجمركية. ومع ذلك، تبقى الأسئلة مفتوحة حول مدى فعالية هذه السياسات على المدى الطويل. هل ستؤدي هذه السياسات إلى تحول فعلي في الاقتصاد الأميركي كما يأمل ترامب؟ أم أن التصعيد التجاري قد يؤدي إلى أضرار أكبر من الفوائد المتوقعة؟

إن ما يبدو الآن هو أن العلاقة التجارية بين الولايات المتحدة ودولها الكبرى قد دخلت مرحلة جديدة من التصعيد، مما يفتح الباب أمام احتمالات كثيرة، منها تصاعد النزاعات التجارية والاقتصادية على المستوى الدولي.