22-ديسمبر-2024
ترامب وبوتين

(Getty) سيعمل بوتين على إقناع ترامب بإنشاء نظام عالمي جديد

وجّهت صحيفة "واشنطن بوست" نقدًا لاذعًا لكلٍّ من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، الذي يتأهّب لدخول البيت الأبيض، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، وذلك على خلفية طموح الأول بتقديم نفسه كصانع سلام، وطموح الثاني في أن يستغل ترامب لإنشاء نظامٍ عالمي جديد يقوم فقط على المعاملات، دون مراعاة القواعد المتعلقة بحقوق الانسان، الأمر الذي من شأنه  تهديد العالم الذي سيحوله بوتين وترامب إلى مناطق نفوذ متقاسمة بينهما، حسب الصحيفة.

وترى الصحيفة الأميركية أنّ بوتين الذي وصفته بـ"المستبد الماكر المناهض لأميركا"، سيسعى إلى الجلوس مع ترامب المتعطّش، حسب "واشنطن بوست"، للظهور بمظهر الزعيم الخارق بإنهائه الحرب الروسية الأوكرانية التي مضى عليها أكثر من 3 أعوام، وبإخضاع الجميع، بمن فيهم الحلفاء، لسياسة فرض الرسوم الجمركية على وارداتهم، بغض النظر علاقات التحالف والتنافس التي استقرت لعقود، ويريد ترامب القفز عليها لتكريس شعاره الشعبوي "لنجعل أميركا عظيمةً مرة أخرى".

الصفقة الكبرى التي يطمح إليها الكرملين

سيحاول بوتين في المرحلة القادمة، حسب كاثرين بيلتون وفرانسيسكا إيبل وروبين ديكسون، إبرام صفقة كبرى "بشأن الأمن الأوروبي، تترك أوكرانيا تحت رحمة الكرملين، وتضعف حلف شمال الأطلسي (الناتو) وتعزز مكانة روسيا كقوة عالمية". وقد بدأ الكرملين بشكلٍ فعلي، حسب "واشنطن بوست"، في تقييم رسائل ترامب وطموحاته ونقاط ضعفه بعناية فائقة.

وضع بوتين شروطًا صعبة لإنهاء الحرب في أوكرانيا بينها ضمان عدم انضمامها إلى "الناتو"، والاحتفاظ بالأراضي التي احتلتها

وعدّدت الصحيفة الأميركية، المعروفة بخطها التحريري المعارض، مجموعةً من نقاط ضعف ترامب حسب الروس، وعلى رأس تلك النقاط: "السذاجة الجيوسياسية وقِصر فترات الانتباه لدى ترامب"، بالإضافة إلى "ميله إلى الاعتماد على الحدس دون العقل". وفي هذا الصدد، ذكّرت بما قاله المحلل الروسي في صحيفة "نيزافسيمايا غازيتال" كونستانتين ريمتشوكوف:"أعتقد أن ترامب يلتزم الصمت عمدًا لأنه لا يعرف. لقد رأينا حملته. إنه ليس مفكرًا عميقًا في الأمور الجيوسياسية".

وما من اختلاف في أنّ أكبر ملف سيناقشه ترامب وبوتين خلال الأيام المقبلة هو ملف الحرب وسبُل إنهائها، وعلى الرغم من وعد ترامب الانتخابي بتسوية ملف الحرب في غضون 24، إلّا أن "الماكر بوتين" الذي وضع شروطًا صعبة لأي تسوية ممكنة، لن يدّخر جهدًا في استغلال المفاوضات مع ترامب لصالحه، حيث يريد تعهدًا بإبقاء أوكرانيا خارج الناتو بشكلٍ دائم، بالإضافة إلى تقليص قوتها العسكرية على نحوٍ كبير، خاصةً أنها استفادت من دعم عسكري غربي غير مسبوق، فضلًا عن شرط التمسك بما وقع تحت أيدي الروس من أراضي أوكرانية. ويرى المحللون الذين تحدثوا لـ"واشنطن بوست" أنّ حزمة الشروط الروسية هذه تعني "ضعف احتمال التوصل إلى اتفاق بسبب شروط بوتين القاسية من جهة، وعدم رغبة ترامب أن يظهر بمظهر الضعيف" المستسلم للشروط.

وبخلاف ما كان عليه الحال في عهدة ترامب الأولى، لا تتوقع الصحيفة الأميركية أن تكون العلاقات بين ترامب وبوتين دافئةً، ولفتت النظر إلى قيام المذيعين في التلفزيون الروسي الرسمي ببث صور لزوجة ترامب "ميلانيا" وهي عارية أيامًا قليلة من انتخابات الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. يضاف إلى ذلك أن الرئيس الروسي نبّه إلى أنّ ترامب "ليس آمنًا"، في إشارة صريحة من بوتين، حسب "واشنطن بوست"، إلى أنّ ترامب قد يتعرض لعملية اغتيال.

في المقابل، قال ترامب تعليقًا على سقوط حليف الروس بشار الأسد في سوريا، إنّ "روسيا في موقف ضعف بسبب الحرب في أوكرانيا وتعثر الاقتصاد"، معلنًا أنّ هذا هو "الوقت المناسب للتحرك"، مطالبًا بوتين بعدم المكابرة بإعلان "وقف الحرب وإجراء مباحثات للسلام مع كييف".

وعلى الرغم من هذه التباينات، تشير "واشنطن بوست" إلى وجود نقاط اتفاق عديدة بين الرجلين ليس أقلها الموقف من حقوق الانسان وعدم الاهتمام بالقيم الانسانية، الأمر الذي يُسهّل بالنسبة لهما، حسب الصحيفة، تشكيل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب بدون حقوق الإنسان، تتقاسم فيه الشركات العملاقة الخريطة وتتاجر بسيادة الدول الأضعف.

وكان بوتين قد علّق في السابق على فوز ترامب بالقول إنّ "النظام العالمي الجديد بات قريبًا"، مضيفًا "لم يعد حلف شمال الأطلسي يناسب العصر، وميثاق الأمم المتحدة، الذي يحظر الغزو، أنشأه المنتصرون ويجب تغييره، والليبرالية الغربية شمولية في جوهرها".

وتعليقًا على هذه التصريحات، قال الكاتب الروسي المقيم في الولايات المتحدة ميخائيل زيغار إن "بوتين بدا وكأنه يخاطب ترامب بشكل مباشر عندما قال إن الغرب عاجلًا أم آجلًا سوف يفهم الحاجة لنهج عملي رصين يرتكز على تقييم قاسٍ، ولكنه عقلاني يراعي الأحداث والقدرات الخاصة، وأنّ القوة تصنع الحق، وإن على الدول الدفاع عن مصالحها عسكريا، وبأي وسيلة ضرورية".

ولكي يتمكن الروس من كبح جماح حلف شمال الأطلسي، سيكون من الضروري حسب "واشنطن بوست"، أن يُقنع ترامب باتفاق "تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ، مع ضمان تفوق روسيا على أوكرانيا وجورجيا وغيرهما من جيران الاتحاد السوفياتي السابقين غير الأعضاء في الناتو".

وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أنّ ترامب في المقابل يسعى لإقناع أو إرغام الروس على فكّ "التحالف مع الصين"، لكنّها تتوقع أن يُخفق ترامب في ذلك المسعى لسبب بسيط وهو "العلاقة الشخصية بين المستبدين (بوتين وشي جين بينغ) وعدم ثقتهما المشتركة في واشنطن، وتطلعاتهما في أن يصبحا أكثر قوة في نظام ناشئ متعدد الأقطاب على حساب الولايات المتحدة الأميركية".