14-يوليو-2018

استقبل البريطانيون ترامب بكثير من السخرية (Getty)

كانت زيارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي يحمل الجدل معه أينما حل، إلى لندن عاصفة ومثيرة للسخرية والانتقادات، إذ ملئت شوارع وساحات المدينة بالطبول التي دق عليها المتظاهرون ليزعجوا الضيف غير المرغوب فيه.

تصور دمية ترامب المنفوخة البرتقالية، ترامب طفلاً سمينًا بنظرة منزعجة على وجهه، وبأطراف قصيرة للغاية

لندن على صفيح ساخن.. ترامب هنا!

مائة ألف متظاهر بالقرب من البرلمان في وسيتمنستر، يقرعون الطبول ويرتدون أزياء تسخر من قادة العالم حلفاء ترامب، غربيين وغير غربيين، هذا بالإضافة إلى ما جادت به قريحة المتظاهرين البريطانيين الخلاقة، بعد أن جمع الناشط ليو موراي آلاف الدولارات من جيوب البريطانيين من أجل "نفخ" بالون ترامب الطفل، بطول ستة أمتار، عقب أن منحته السلطات البريطانية الإذن لربط مجسم البالون في ساحة البرلمان، بعد أن جمع موراي أكثر من 10 آلآف توقيع على الطلب.

وتصور دمية ترامب المنفوخة البرتقالية، ترامب طفلاً سمينًا بنظرة منزعجة على وجهه، وبأطراف قصيرة للغاية، جاءت كرسالة شعبية من لندن على أن "طفل تويتر" ليس محل رضى من البريطانيين صعبي المراس. وبينما تطلق المملكة المتحدة البساط الأحمر لدونالد ترامب، حذرت وزيرة الخارجية الألمانية أنجيلا ميركل من أن أوروبا يجب أن تتوقف عن استرضاء الرئيس الأمريكي وسياساته.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟

وقد سبق مجيء ترامب إلى لندن حدثان سببا مزيدًا من التوتر، أولهما مقابلته مع صحيفة ذا صن، حيث وصفت تصريحات ترامب للصحيفة بأنها كارثية فيما يتعلق بالعلاقات الأمريكية البريطانية. فقد عبر ترامب عن كراهيته للاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى العداء للهجرة المعروف مسبقًا، وموقفه الذي لا يفوت فرصة للتعبير عنه، بأن بريطانيا وأوروبا تفقدان ثقافتهما باستقبالهما لمزيد من اللاجئين. كما أشار إلى أن خطة ماي حول الخروج من الاتحاد الأوروبي، التي تريد من خلالها الإبقاء على الاتفاقيات التجارية مع دول الاتحاد، قد تدمر أي اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة وبريطانيا.

 ومثلت المقابلة بمحتواها وتوقيتها، وحقيقة أنها نشرت في صحيفة ذا صن المعروفة بمناهضتها للاتحاد الأوروبي وشعبويتها الفاقعة ومعاييرها المهنية السائلة، تمهيدًا سيئًا لزيارة ترامب. الأمر الذي أثار صحفًا بريطانية اعتبرت ما حدث بأنه التجسيد العملي لكل ما هو ضد بريطانيا وقيمها، على حد تعبير صحيفة الغارديان، التي وصفت الزيارة بأنها "زيارة حليف من الجحيم".

وقد تراجعت قيمة الجنيه الإسترليني بعد أن حذر دونالد ترامب من أن خطط خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مع الإبقاء على الاتفاقيات التجارية، قد "تقضي" على أي صفقة تجارية بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة. كما تراجع الباوند بنسبة 0.6% مقابل الدولار ليتداول عند 1.31، أما مقابل اليورو، فقد انخفض الجنيه الإسترليني بنسبة 0.2 في المائة عند 1.12.

أما الحدث الثاني فكان تجدد الانتقادات المتبادلة بين صادق خان رئيس بلدية لندن وترامب، التي نقلتها صحيفة إندبندنت في تغطيتها للزيارة، حيث جدد ترامب قبل زيارته للمملكة المتحدة خصامه الشخصي مع رئيس بلدية لندن، الذي اتهمه بالمسؤولية عن الإرهاب في المملكة، وكان خان منتقدًا صريحًا للزعيم الأمريكي، لكنه قال إنه لن يكون الشخص الذي يشعل لهيب العداء بين البلدين، وأثنى على "العلاقة الخاصة" بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة.

وفي وقت سابق، انتقد خان تصريحات ترامب بشأن الجريمة في العاصمة، وقال في تصريح سابق للإذاعة البريطانية: "لم أر أي دليل على أن ما يتسبب بالجريمة في بريطانيا في المقام الأول، هو الهجرة من إفريقيا أو أجزاء أخرى من العالم إلى أوروبا". كما دافع عن رفع بالون ترامب الطفل في وستمنستر، مؤكدًا على أن الاحتجاج ما دام سلميًا فهو مشروع.

تيريزا ماي في مرمى النيران

كانت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي ومستشاروها، من أوائل القادة السياسيين الذين هرعوا إلى واشنطن في كانون الثاني/ يناير 2017 لإجراء زيارة رسمية، لرئيس كان بالكاد قد دخل إلى البيت الأبيض، وهو أمر عرض رئيسة الوزراء البريطانية لانتفادات واسعة في الداخل البريطاني. أما جاكوب ريس رئيس مجموعة البريكسيتير في البرلمان، فقد صرح أن انتقاد دونالد ترامب لتيريزا ماي "معقول تمامًا"، و لكن ريس نفسه كان قد وصف مرة باراك أوباما بأنه "متغطرس بشكل غير مسبوق" بسبب تحذيره في وقت سابق بريطانيا من مغادرة الاتحاد الأوروبي، قائلًا إنه "لن يتم إخبار بريطاني حقيقي وصادق بما يجب أن يفعله من قبل رئيس أجنبي". لكن ريس وجد أن تدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مختلف، حيث أنه وضع مصلحة بريطانيا فوق أي اتحادات أخرى، قد تضر مصالحها.

أما الغارديان فكان لها رأي آخر، إذ رأت أنه "كان ينبغي على السيدة ماي أن تكون قد أدركت منذ البداية أن السيد ترامب لم يكن حليفاً عندما تعلق الأمر باستراتيجية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. يريد ترامب تفكيك المنظمات الدولية مثل حلف الناتو والاتحاد الأوروبي. اعتنق بريكيست على هذا الأساس. لقد اعتبرها بداية للعودة إلى السياسة القومية العنصرية"، معتبرة أن ترامب ليس حليف بريطانيا على الإطلاق.

اقرأ/ي أيضًا: بالون ترامب "الطفل".. الاحتجاج بالضحك

تصريحات ترامب القاسية عن رئيسة الوزراء البريطانية تريزيا ماي لها خلفيتها الواضحة، فساكن البيت الأبيض لا يحب التحالفات التي تذيب القوميات، ويكره المؤسسات الأممية، والاتفاقيات التي لا تسير وفق خططه، وهو ما عبر عنه تارة بالانسحاب من مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، وتارة أخرى من خلال الانسحاب من اتفاقية التغير المناخي التي أبرمت في باريس، وهو في طريقه على ما يبدو للانسحاب من المزيد من الاتفاقيات والكيانات الأممية، تحت شعار أمريكا أولًا.

رأى ترامب في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فرصة لتعزيز مواقفه العنصرية

وليس من المستغرب أن يرى ترامب في بريكيست فرصة رائعة أو مواتية كما علق من قبل، فقد صرح قبل إجراء استفتاء انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قائلًا: "أود أن أقول إن البريطانيين سيكونون أفضل حالاً بدون الاتحاد الأوروبي، شخصيًا"، ثم قدم توضيحًا غريبًا بقوله: "لكنني لا أقدم ذلك كتوصية. هو فقط شعوري".

وغالبا ما يعتمد تفسير كراهية ترامب في بريطانيا وغيرها من دول العالم، بسبب إصراره على الإدلاء بتصريحات عنصرية ضد المسلمين والهجرة والنساء والصحافة وغيرها، الأمر الذي جعله محل مناقشة هزلية في البرلمان البريطاني، حسبما نشرت صحيفة واشنطن بوست في 2016، حينما كان البرلمان البريطاني يناقش سن قرار بحظر دخوله لبريطانيا بسبب تصريحاته العنصرية. وعلى أية حال فإن ترامب شرب شاي المساء مع الملكة في قصر ويندسور، مرحبًا به من العائلة الملكية، أما الشارع فهو متروك لأبنائه الذين يتمتعون بحرية تعبير مدعومة بكراهية رئيس بلدية المدينة لترامب، جعلتهم يسخرون من الرئيس الضيف بطرق إبداعية لاحقته أيضًا نحو اسكتلندا التي استجم في ملاعب الغولف فيها أكثر مما وواجه سخط الجمهور الذي لاحقه إليها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ما هي تأثيرات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟

عودة محتملة للوسط البريطاني.. القفز عن الشعبوية بعصا الفساد "المعولم"