1. قول

"ترامبات" العراق

23 يناير 2017
جنود عراقيون في معركة الموصل! (الأناضول)
عمر الجفّالعمر الجفّال

لا يكفّ دونالد ترامب عن التلفظ بالإهانات، "المشاهير يلحقون أضرارًا كبيرة بالقضية"، قال الرئيس الأمريكي الذي تربع على عرش البيت الأبيض منذ أيام، محاولًا التقليل من أهميّة التظاهرات التي ضمّت نحو مليوني شخص في الولايات المتحدة، وكان على رأسها عدد من مشاهير الفنانين الأمريكيين، وهي تظاهرات رفعت شعارات مناهضة للخطابات العنصرية لرجل الأعمال الذي سيدير الإمبراطورية الأمريكية لأربعة أعوام قادمة.

إلا أن هذه التظاهرات لا تبدو رادعة لسياسات ترامب، فقبلها كانت هناك تظاهرات عارمة، ليس في الولايات المتحدّة فحسب، وإنما في العالم أجمع، لردع الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن عن غزو العراق، ولم تؤت أكلها، وجُرّ العراق إلى الويلات.

بوش لم يكن أقلّ فجاجة من ترامب، وقبله والده وبينهما بيل كلينتون، حتّى وإن كانوا أقل سلاطة لسان

وقد كثّف ترامب منذ إعلان نيّته الترشّح لرئاسة الولايات المتحدّة الإهانات وأخذ يطلقها في كل مكان وزمان. كان الرجل نكتة، إلا أنّه أصبح رئيسًا. حقيقة ماثلة. وها هو، على العكس من جميع ما تنبأ به "فطاحلة" الإعلام العربي بأنه سيتغيّر، فإنه بقي ثابتًا على نهجه في توزيع الإهانات والشتائم بالجملة.

اقرأ/ي أيضًا: بعد أوباما.. ترامب "بشرة خير" لبعض ساسة العراق!

وفي الحالة العراقيّة، لم يبدُ ترامب بالنسبة لي ولأقراني ولزملائي غريبًا، وهو ليس مضحكًا كما يضحك الكثير من الأصدقاء العرب وغيرهم في خطاباته وتصرّفاته. فجاجة هذا الرجل مؤلمة، وتزيد من حالة الإحباط التي وصل إليها حال العالم المتهاوي. وجوده يعمّق الهوّة السديمية التي تتلظّى فيها أوضاعنا.

وعن العراق بالذات، لم يتوانَ ترامب عن الإفصاح أكثر من مرّة عن نيّته "أخذ" نفط البلاد، وقد استعان رجل البرامج الحيّة بريكس تيليرسون في منصب وزير الخارجية، ليس لأنّه كفؤًا، وإنما لأّنه يحقّق طموحاته في الاستيلاء على الذهب الأسود. "قاد عمله بشكل رائع، كان يدخل دولة ويأخذ نفطها ثم ينتقل للدولة التالية"، هكذا يتحدّث الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة ممتدحًا ميزات وزير خارجيّته اللصوصية.

وإذا ما كان واقعنا اليوم متهاويًا، فإنه قبل ذلك لم يكن فردوسيًا أبدًا، فوصول ترامب إلى سلطة الولايات المتحدة لا يُعدّ مفاجئة، فهو رجل دفعت سياسات الرؤساء الذين سبقوه إلى أن يكون في غرفة نومهم في البيت الأبيض.

بوش لم يكن أقلّ فجاجة من ترامب، وقبله والده وبينهما بيل كلينتون، حتّى وإن كانوا أقل سلاطة لسان، وفي العراق أيضًا زرع وصنّع رؤساء الولايات المتحدة "ترامبات" في أرفع المناصب وأدناها.

وثمّة كثر مرّوا على التاريخ السياسي العراقي يشبهون ترامب في لصوصيته وبذاءته، ودعمتهم واشنطن. صدّام حسين كان مثالًا صارخًا للفجاجة، حيث يطالب الأمهات بالتعطّر والاغتسال المستمر بالصابون في الوقت الذي لا يوجد رغيف خبز في المنازل بعد أن ضيّعت حروبه الأموال والعيال.

اقرأ/ي أيضًا: طهران وتل أبيب مطمئنتان لترامب.. أتيت يا ملاكي!

بعدها جاء إياد علاوي، الرجل الذي يبدو كشخصيّة روائية فنتازية في إحدى الروايات العراقية الكلاسيكية، إذا ما سأل عن أي شيء يسارع إلى الإجابة "ما أدري". ومن ثمّ إبراهيم الجعفري، الذي لطمت سيول دماء العراقيين أسوار المنطقة الخضراء التي يسكنها بينما ظلَّ منشغلًا بثرد اللغة.

صدام حسين كان مثالًا صارخًا للفجاجة، حيث يطالب الأمهات بالتعطر والاغتسال بالصابون في الوقت الذي لا يوجد رغيف خبز في المنازل

ولم يتأخر نوري المالكي آتيًا بمساعدة زلماي خليل زاد ومباركة بوش الابن ليتحدّث عن جنّة موهومة اسمها العراق، بينما البلاد غارقة بسواد أليل. وبعدها قدم حيدر العبادي، الذي لا يعرف أحد كيف استمر في حياته السياسية وهو لا يتخذ قرارًا إلا ويتراجع عنه.

وإذا ما كان هؤلاء تسلّموا رئاسة مجلس الوزراء -أرفع منصب عراقي- فإن الذين أدنى منهم ابتلع العراقيون إهاناتهم، وشربوا زَفَرَها وتجرّعوا سمّها؛ ليس أكثر من العراقيين معرفة بأشباه ترامب، الشتامين والكذّابين والفاسدين. المزوّرين للحقائق والمعادين للحريّات، والمتمسكين بالله كأنه جزء من ملكياتهم.

واليوم مع وصول ترامب إلى سدّة الرئاسة، ومع طموح الكثير من أشباهه في أوربا حذو حذوه، بالإضافة إلى تدعيم وتمسّك أمثاله من العرب بالسلطة، ألا يبدو العالم في أشد لحظات جنونه وانحداره؟ هو كذلك، ولذا لم يعد الأمر مضحكًا، بل مخيفًا ومرعبًا، على الأقل بالنسبة للعراقيين.


اقرأ/ي أيضًا:
ميريل ستريب وترامب.. الحرب المعلنة
ليس الوحيد.. ترامب يرغب في سرقة نفط الشرق الأوسط

كلمات مفتاحية
قصف طهران

إيران: بين صراع الهيمنة وتداعيات الوعي الإقليمي

هل اتخذ قرار إسقاط النظام الإيراني فعليًا، أم أن ما يجري لا يعدو كونه ورقة ضغط لإجباره على تقديم تنازلات؟ سؤال يتردد دون أن يجد إجابة حاسمة، منذ الضربة الإسرائيلية فجر يوم الجمعة، 13 حزيران/يونيو.

انتفاضة لبنان 2019

مرايا الانتماء الجريح.. زمن الهوية المتشظية

كيف ننتمي إلى مكانٍ يرفض أن يشبهنا؟" سؤالٌ يطاردنا، أنساه فيعود من جديد ليفرض حضوره القلق في ظلّ أنظمةٍ لا تتوانى عن طحن أحلام شعوبها وتشويهِ معنى الانتماء

مخيم اليرموك

المخيم الذي فينا: سردية اللاجئ بين الذاكرة والمنفى

حين شُيّدت الخيام الأولى في عتمة التهجير، لم يكن أحد يظن أن القماش سيصير إسمنتًا، وأن المؤقت سيفرد ظله الثقيل على أكثر من سبعين عامًا من النفي المستمر

متاحف قطر (الترا صوت)
فنون

قطر تحتفي بتراثها في اليونسكو.. 50 عامًا على انطلاقة متحفها الوطني

50 عامًا على انطلاق متحف قطر الوطني في مقر اليونسكو

قضية إبستين
سياق متصل

عودة ملف إبستين تثير انقسامًا داخل قاعدة ترامب وتدفعه للتدخل لاحتواء الأزمة

عادت قضية إبستين إلى الواجهة، ما أثار خلافًا داخل قاعدة ترامب ودفعه للتدخل لوقف هجوم أنصاره على أعضاء من إدارته

وزارة الثقافة المصرية (الترا صوت)
نشرة ثقافية

وزارة الثقافة المصرية تطلق النسخة التجريبية لموقعها الإلكتروني

نسخة تجريبية من الموقع الرسمي لوزارة الثقافة المصرية

حرب السودان
سياق متصل

حرب السودان.. معارك استنزاف في الفاشر وكردفان وسط موجات نزوح متصاعدة

فيما تسعى قوات الدعم السريع لحسم معركة الفاشر المحاصَرة منذ أزيد من عام بهدف طرد الجيش السوداني من آخر نقطة تمركز له في إقليم دارفور بولاياته الخمس، فإن الجيش السوداني يبذل قصارى جهده لاستعادة ما يمكن استعادته من المناطق في إقليم كردفان الذي يعدّ البوابة الرئيسية للوصول إلى إقليم دارفور.