21-سبتمبر-2019

كان اجتماع مجلس الأمن محكومًا بالفشل قبل بدئه (Getty)

في حدث اعتيادي، اجتمع مجلس الأمن في 19 أيلول/سبتمبر 2019، ولم يكن الاجتماع اعتياديًا من زاوية التاريخ فقط كونه لم يعقد على عجل، بل من حيث النتائج أيضًا، فلم يتفاجأ أحد من استخدام الجانب الروسي لحق النقض للمرة الثالثة عشر في وجه قرار بشأن سوريا، بمن فيهم  الحاضرين أيضًا، نظرًا لأن الجلسة وبشكل علني كانت محكومة بالفشل وبدا أنها لم تعقد سوى لتبادل الرسائل.

يتخوف متابعون بأن المشهد المتكرر الذي شهده مجلس الأمن، وكذا قمة أنقرة، يعكس بشكل صريح بأن الشأن السوري لم يعد شأنًا دوليًا وأن السياق الوحيد المتاح لمعالجة المعضلة السورية، أصبح من خلال الرؤية الروسية

ظهر ذلك عندما فاجأ الجانب الروسي المشاورات القائمة حول مشروع القرار الذي اقترحته كل من الكويت وألمانيا وبلجيكا، والدول الثلاث ليست عضوًا دائمًا في مجلس الأمن، بمشروع بديل يفرغ القرار الأول من مضامينه الأساسية، ما جعل وكالة رويترز تصف المشروعين بأنهما متعارضان، غير أنهما يهدفان في نفس الوقت إلى هدنة في شمال غرب سوريا. أما المفارقة، فأن المشروعين يؤكدان بأن الهدف هو إيقاف العمليات العسكرية، لكن أحدهما يصر على ضرورة إيقافها بشكل شامل، بينما الآخر يضع مجموعة من الاستثناءات متمثلة بالهجمات على الجماعات المتشددة المدرجة على قائمة الأمم المتحدة السوداء، نظرًا لأن المشروع الروسي الصيني الذي تم طرحه قبل الجلسة بيومين يؤكد مجددًا أن وقف العمليات القتالية لن يطبق على العمليات العسكرية ضد الأفراد والجماعات والكيانات المرتبطة بالتنظيمات الإرهابية التي حددها مجلس الأمن.

اقرأ/ي أيضًا: مقاتلو تنظيم الدولة وعائلاتهم في سوريا.. تهديد وورقة ضغط

يكمن التناقض هنا بأن هذا المعيار، سوف يبقي حالة الحرب قائمة في المنطقة، وبالتالي فهو يتيح للطيران الروسي ولقوات النظام الاستمرار بقصف المشافي والمدارس والأسواق التجارية أو المنازل السكنية، تحت مبرر محاربة الإرهاب، خاصة أن الأيام القريبة الماضية كانت بمثابة دليل على ذلك، فقد سقط خلال هذه الحملة العسكرية ألف و282 شخصًا، بينهم 219 امرأة و341 طفلًا. ولا يكتفي الجانب الروسي بالتشكيك بالرقم، بل ويتهم الآخرين بأنهم يتبجحون بحقوق الإنسان. يجيء ذلك في سياق، تتخوف فيه دول مثل ألمانيا، من موجة نزوح جديدة من المنطقة التي تضم ما يقارب 4 ملايين نسمة، خصوصًا وأن بوادرها قد بدأت، من خلال اضطرار 400 ألف سوري النزوح إلى الحدود التركية نتيجة العمليات العسكرية، الأمر الذي يقره الجانب الروسي ولكنه يحمل مسؤوليته للمجموعات الإرهابية. 

ردود الأفعال بعد التصويت

قال السفير الألماني لدى الأمم المتحدة، كريستوف هوسجن، إن الدول الثلاث المشاركة بصياغة مشروع القرار قبلوا بنص وصف بأنه "إنساني بحت"، مشيرًا إلى "ضرورة تحديد العمليات ضد الجماعات الإرهابية وفق معايير تحترم القانون الدولي". كما علق مارك بيكستين ممثل بلجيكا في المجلس بأن "قصف المستشفيات والمدارس والمرافق المدنية لا يساعد في مكافحة الإرهاب". في حين طالب سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، بضرورة "زيادة النشاط الإنساني" لأعضاء آخرين في مجلس الأمن. وأضاف "إنها نفس الأغنية، يتحول الإرهابيون إلى ممثلين للمعارضة". "لقد كان القرار معيبًا منذ البداية". في حين قال نظيره الصيني، تشانغ جون، إنه "يجب ألا نسيّس القضية الإنسانية"، طالبًا بمشاركة الجميع في إعادة إعمار سوريا.

يكتمل غموض هذا المشهد الهزلي في مكان آخر وفي زمان آخر، ففي 18 أيلول/سبتمبر 2019 عُقدت قمةٌ ثلاثية دورية في العاصمة التركية أنقرة ما بين الجانب الروسي والتركي والإيراني، لمناقشة الشأن السوري. وإن كان حضور النظام السوري في مجلس الأمن قد تمثل من خلال بشار الجعفري، الذي نجح بتحويل الجلسات السابقة لمجلس الأمن والمتعلقة بالشأن السوري إلى ما يشبه السيرك السياسي، فإن الجانب السوري كان غائبًا تمامًا خلال هذه القمة الثلاثية، إلا من خلال العنوان العريض.

جاءت هذه القمة في الوقت الذي تطالب فيه تركيا الجانب الروسي بالضغط على النظام السوري لوقف عملياته المستمرة منذ أكثر من شهرين بريفي إدلب وحماة. في حين أكد الجانب الإيراني بأن القمة بحثت مستقبل سوريا وإصلاح الدستور السوري والانتخابات المقررة في 2021، إضافة إلى بحث مسألة عودة اللاجئين.

اقرأ/ي أيضًا: مصير نقاط المراقبة التركية.. هل يكشف صراعًا بين أنقرة وموسكو؟

وأعلنت الرئاسة التركية أن قادة البلدان الثلاثة سيناقشون التطورات الأخيرة في سوريا، إضافة إلى مسألة "ضمان الظروف المناسبة من أجل العودة الطوعية للاجئين ومناقشة الخطوة المشتركة التي سيم اتّخاذها في الفترة المقبلة بهدف التوصل إلى حل سياسي دائم"، فيما يأتي كل هذا دون تطرق صريح لموضوع إدلب، أو حتى أي إشارة إلى مساهمة روسيا نفسها، في المجزرة المستمرة في الشمال السوري.

يتيح مشروع موسكو في مجلس الأمن للطيران الروسي ولقوات النظام الاستمرار بقصف المشافي والمدارس والأسواق التجارية أو المنازل السكنية، تحت مبرر محاربة الإرهاب، خاصة أن الأيام القريبة الماضية كانت بمثابة دليل على ذلك

يتخوف متابعون بأن المشهد المتكرر الذي شهده مجلس الأمن، وكذا قمة أنقرة، يعكس بشكل صريح بأن الشأن السوري لم يعد شأنًا دوليًا وأن السياق الوحيد المتاح لمعالجة المعضلة السورية، أصبح من خلال الرؤية الروسية، الأمر الذي يعكس نوع الاستقطاب الذي يشهده العالم اليوم، خصوصًا إذا أخذنا بعين العتبار العرض الروسي للجانب السعودي بشراء منظومة إس 400، في أعقاب الهجوم الذي تعرضت له شركة أرامكو السعودية، بصيغة أشبه بالتهكم والمزاح كشفتها الضحكات المكتومة من قبل السيد أردوغان والسيد روحاني. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

 رهان موسكو الأخير.. المال مقابل السلام في إدلب