07-نوفمبر-2021

تراجع في شعبية أردوغان وسط أزمات اقصادية متفاقمة (Getty)

الترا صوت - فريق التحرير

سجّلت الليرة التركية يوم الجمعة الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر 2021 تراجعًا جديدًا بنسبة 0.6% أمام الدولار، وذلك في ظل مخاوف متزايدة لدى المستثمرين بشأن أسعار الفائدة وارتفاع نسبة التضخم التي اقتربت من 20%. وزاد من مستوى المخاوف تلك ما راج من أنباء حول تقديم وزير الخزانة والمالية لطفي إلفان استقالته للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلا أن رئيس دائرة الاتصالات في الرئاسة التركية فخر الدين ألتون نفى تلك الأنباء مؤكدًا مواصلة الوزير لمهامه على رأس وزارته.

سجّلت الليرة التركية تراجعًا جديدًا أمام الدولار، وذلك في ظل مخاوف متزايدة لدى المستثمرين بشأن أسعار الفائدة وارتفاع نسبة التضخم التي اقتربت من 20%

في المقابل أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخميس أنه من المتوقع أن يحقق اقتصاد بلاده نموًا بمعدلٍ يفوق 10%، رغم أن المؤسسات الدولية تتوقع نموًا لا يتجاوز 9%، مضيفًا "سنواصل النهوض بتركيا على أساس زيادة الإنتاج والصادرات والاستثمار وتوظيف اليد العاملة"، ومشيرًا في ذات السياق إلى أن تركيا "تتخذ التدابير اللازمة للحد من آثار التكاليف الناجمة عن التوازنات الاقتصادية المضطربة بشكل كبير جراء وباء كورونا".

اقرأ/ي أيضًا: مراسلون بلا حدود تطالب تركيا بإيقاف ترحيل صحفي سوري

ومع ذلك فإن بعض الأوساط التركية من موالاة أردوغان ومعارضتِه غير متفائلة بتقلبات الاقتصاد التركي، ولا بنسبة النمو التي يعتبرونها نسبة على الورق. وتتوقّع تلك الأصوات المتذمّرة "من تراجع قيمة الليرة ومن ارتفاع نسبة التضخم" أن تتفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية سوءًا، وأن ينعكس ذلك سلبًا على حظوظ أردوغان في انتخابات 2023 الرئاسية والبرلمانية التي يتوقع بعض المتابعين للشأن التركي إجراءها مبكّرًا في النصف الأول من العام المقبل 2022.

هل سيُسقط الاقتصاد التركي المتعثر أردوغان؟

ذلك عنونٌ لتقرير مطوّل على الفايننشال تايمز تُسلّط كاتبتُه الضوء على الأزمات التي يمر بها الاقتصاد التركي، وكيف يُمكن أن تؤثّر سياسيًا على حظوظ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي مرت قبل أيام الذكرى التاسعة عشر لتوليه السلطة وحزبه حزب العدالة والتنمية. فقد أظهرت استطلاعات رأي أجريت مؤخرًا انخفاض دعم حزب العدالة والتنمية بحوالي 10%، مقارنةً بالنسبة التي حققها في آخر انتخابات برلمانية عام 2018، ويعزو أوزار سنكار Ozer Sencar ، وهو رئيس شركة Metropoll لاستطلاعات الرأي سبب هذا التراجع الأول من نوعه منذ 10 سنوات إلى ما يعانيه الاقتصاد التركي من مصاعب، فثمة "الآن مجموعة كبيرة من الأشخاص الذين لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الأساسية، وهم يمثلون حوالي 30% من الناخبين" على حد تعبيره، كما يجادل أوزار أن "الفشل الاقتصادي" الذي تمر به البلاد سيكون "أكبر هدية لمعارضة أردوغان التي لم تستطع إسقاطه طيلة السنوات الماضية".

فأردوغان يواجه إشارات تحذيرية متزايدة بأن نهجَه الخاص في إدارة اقتصاد تركيا البالغ 765 مليار دولار غير فعّال بل من شأنه جلب الكثير من الأضرار للبلاد، فقد بلغ التضخم نحو 20 في المائة في أيلول/سبتمبر الماضي، والعملة تفقد قيمتها بشكل مستمر، بينما كانت  قبل عقد من الزمان في وضع مميز مقابل الدولار الذي كان يكلّف شراؤه 1.8 ليرة تقريبًا، بينما تضاعف هذا الرقم اليوم حوالي 6 مرات. أما نسبة النمو المرتفعة التي تحدث عنها الرئيس التركي فهي جيدة فقط على الورق حسب منتقديه، لأنها لم تُترجم إلى وظائف على سبيل المثال لا الحصر، كما أن أكبر اتحاد تجاري في البلاد، وهو توسياد، والذي غالبًا ما يكون متحفظًا بشأن انتقاد سياسات أردوغان، حذّر من أنّ تركيز الحكومة المهووس على النمو بأي ثمن يضر بالبلاد، حيث فشل نمو الأجور في مواكبة التضخم المتفشي، ما أدى لتضرر الأسر ذات الدخل المنخفض. فضلًا عن ذلك بدأ معدل الفقر، الذي انخفض بشكل كبير خلال الخمس عشرة سنة الأولى من حكم حزب العدالة والتنمية، في الارتفاع مرة أخرى في عام 2019 في أعقاب أزمة العملة الحادة التي أدت إلى ركود اقتصادي كبير وتسببت في فقدان مليون وظيفة.

وكان تقريرٌ للبنك الدولي هذا العام أعلن أن هذه الأرقام تترجَم "إلى ما يقرب من 1.5 مليون فقير إضافي، أي ما مجموعه 8.4 مليون على المستوى الوطني"، وهو الأمر الذي أدى، حسب تقرير فايننشال تايمز إلى "محو جميع المكاسب التي تحققت تقريبًا في السنوات الثلاث السابقة للاضطراب الاقتصادي وجائحة كورونا".

وفي هذا الصدد تنقل فايننشال تايمز عن أستاذ الاقتصاد في جامعة بيلكنت في أنقرة رأفت جوركايناك قوله "إنه يشعر بأن ثمة "إهانة" للجمهورعندما يتم إخباره بأن الاقتصاد يزدهر على ضوء هذه الخلفية القاتمة، فالناس في حياتهم اليومية يُعانون البطالة والتضخم المتفشي كما يُشاهدون القوة الشرائية المتآكلة، من الواضح أن حياتهم لا تتحسن، في الواقع لقد أصبحت أسوأ بكثير".

مؤشرٌ آخر يُبرز التعثر الاقتصادي في تركيا هو ذلك المتعلق حسب فايننشال تايمز بالاستثمار الأجنبي المباشر الجديد الذي بلغ 5.8 مليار دولار فقط في العام الماضي 2020، مقارنةً بمستوى الذروة الذي بلغه في العام 2007 عندما تجاوزت الاستثمارات الأجنبية في البلاد حاجز 19 مليار دولار.

غير بعيد من ذلك يعتبر المراقبون أن إحكام  أردوغان قبضته على المؤسسات التركية المالية، ولا سيما البنك المركزي، الذي يقولون إنه بات مستقلًا اسميًا فقط، زاد من مستوى المخاوف والأضرار الاقتصادية التي لحقت بالاقتصاد التركي، فقد طالب أردوغان مرارَا وتكرارَا، البنك المركزي بأسعار فائدة منخفضة، معتقدًا، على عكس رأي الخبراء الاقتصاديين، أن ذلك يساعد في مكافحة التضخم.

أدّت سياسة خفض أسعار الفائدة، التي توصف بنهج السياسة النقدية المتساهلة، والارتفاعات الجامحة في الأسعار إلى ضرر اقتصادي كبير انعكس في الانخفاضات الحادة في قيمة العملة التركية، علمًا بأن الدين الخارجي لتركيا يبلغ 450 مليار دولار.

 يعتبر تقرير الفايننشال تايمز أن أردوغان استطاع، بإقالته لصهره بيرات ألبيرق توجيهَ رسالة إيجابية  للمستثمرين الدوليين بعد عامين قضاهما وزيرًا للمالية، كما استُقبلت خطوته بتعيين ناجي أجبال الذي يوصف بالتكنوقراط المحترم على رأس البنك المركزي بترحيب كبير داخل الأوساط المالية الدولية، إلا أن أغبال استمر أربعة أشهر فقط في منصبه قبل أن يُقيله الرئيس التركي هو الآخر، في ثالث إقالة يقوم بها لمحافظ البنك المركزي في أقل من عامين، والسبب دائمًا تدخل الرئيس التركي في سياسة البنك وإصراره على خفض الفائدة، حسب التايمز.

يُجادل بعض الاقتصاديين المعارضين لسياسة خفض الفائدة بأنها تُمثل هذه الفترة بالذات مجازفة خطيرة "بسبب ارتفاع أسعار الطاقة ورفع أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية العالمية وهي أمور من شأنها أن تحول رأس المال عن الأسواق الناشئة"، وهو ما يمكن أن ينتهي بتركيا في نهاية المطاف بنمو منخفض ونسبة تضخم قياسية "وهذا هو أسوأ سيناريو يمكن مواجهته".

معارضةُ أردوغان السياسية تضيف إلى ما سبق ذكره، بعض الملفات الأخرى المتعلقة بواقع حقوق الإنسان والزج بالمعارضين في السجون، ومجازفته بعلاقات تركيا الخارجية بعد التلويح بطرد 10 سفراء غربيين مؤخرًا، بالإضافة لوضع أردوغان الصحي، ومدى قدرته على المواصلة في سدة الحكم وهو لمّا يتجاوز بعد عامه السابع والستين.

أظهرت استطلاعات رأي أجريت مؤخرًا انخفاض دعم حزب العدالة والتنمية بحوالي 10%، مقارنةً بالنسبة التي حققها في آخر انتخابات برلمانية عام 2018

في المقابل ترفض إدارة أردوغان وجهة نظر بعض المحللين بأن الحكومة سعت إلى ليرة ضعيفة لدعم الصادرات، معتبرة أن تركيا تتبع سياسة سعر الصرف العائم وأن السوق هو الذي يحدد قيمة العملة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المركزي التركي يرضخ لضغط أردوغان ويخفض سعر الفائدة.. الليرة في أدنى مستوياتها

إقالات في البنك المركزي التركي بعد هبوط الليرة لأدنى قيمة في تاريخها