13-أغسطس-2018

تنبأ تيم لي بالأزمة الاقتصادية التي تضرب تركيا قبل خمس سنوات (نيويورك تايمز)

بينما كانت الأزمة الاقتصادية التركية تفاجئ الجميع، بما في ذلك معظم الخبراء، حيث إن واحدًا من الاقتصادات الصاعدة في العالم بدأ بالتدهور بطريقة دراماتيكية، كان هناك محلل اقتصادي أمريكي، قد تنبأ بوقوع ذلك بالفعل. القصة في هذا التقرير المترجم عن صحيفة "نيويورك تايمز".

على مدى السنوات السبع الماضية، حذر تيم لي من أن الأزمة المالية في تركيا ستؤدي إلى كارثة أوسع نطاقًا في الأسواق العالمية

على مدى السنوات السبع الماضية، حذر تيم لي من أن الأزمة المالية في تركيا ستؤدي إلى كارثة أوسع نطاقًا في الأسواق العالمية. ولكن لم يستمع له أحد تقريبًا، حتى الآن.

تسبب الانحدار في قيمة الليرة التركية واحتمال أن تحتاج البلاد قريبًا إلى خطة إنقاذ، إلى النزوح الجماعي للمستثمرين من تركيا، وقد اكتسب ذلك الأمر زخمًا يوم الجمعة مع انخفاض العملة بنسبة تقارب 16%. وانخفضت الليرة حتى الآن بنسبة 70% هذا العام مقابل الدولار. فيما صارت قيمة الدولار الواحد تعادل 6.4 ليرة، وهو معدل لم يسبق له مثيل على الإطلاق.

ثمة علامات على أن هذا الاضطراب ينتشر خارج تركيا. إذ انخفضت أسعار أسهم البنوك الأوروبية، التي تعد من أكبر الجهات المُقرضة الكبيرة لنظيراتها التركية، بشكل حاد يوم الجمعة، مع قلق المستثمرين من أن موجة من إفلاس الشركات التركية من شأنها أن تؤدي إلى انهيار القطاع المصرفي في البلاد. كما انخفضت قيمة عملات الصين والبرازيل والمكسيك. وتراجعت في الولايات المتحدة مؤشرات البورصة الرئيسية بأكثر من 1 في المئة قبل أن تتعافى قليلًا.

اقرأ/ي أيضًا: مأزق العلاقات الأمريكية - التركية.. خيارات أردوغان وقرارات ترامب

وفجأة، لم تبد نبوءة المحلل الاقتصادي تيم لي التي تعرضت للتجاهل إلى حد كبير غريبة على الإطلاق، والتي تتنبأ بأن العقد الذي قامت خلاله الشركات التركية ومطورو العقارات بالإفراط في القروض الأجنبية الرخيصة، سينتهي بشكل سيئ، ليس فقط بالنسبة لتركيا بل للعالم.

وقال لي يوم الجمعة إن "تركيا تشبه طيور الكناري في منجم الفحم، أي أنها تُشكل إنذارًا مبكرًا بالخطر". وأردف قائلًا، "سنواجه انهيارًا آخر سيكون أسوأ مما حدث في عام 2008 من بعض النواحي".

بيد أن هذا الرأي ليس سائدًا على نطاق واسع. فعلى الرغم من الضعف الذي شاهدته يوم الجمعة، لا تزال أسواق الأسهم في الولايات المتحدة قريبة من أعلى مستوياتها. أما بالنسبة للقلق بشأن الحروب التجارية مع الصين وأوروبا فقد تم تنحيته جانبًا إلى حد كبير. بل وحتى الأسواق المالية في البلدان النامية، التي تميل إلى أن أن تتشارك المصير عندما ينهار أحد أقرانها، كانت تبلي بلاءً حسنًا في الآونة الأخيرة.

بيد أ، لي، الذي يبلغ من العمر 58 عامًا، وجه تحذيره الأول - بأن تركيا تواجه أزمة مالية كبيرة - في عام 2011.

بدأ لي وهو رجل إنجليزي رقيق الكلام يتجنب الظهور على التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي، في كتابة نشرة استثمارية في عام 2003، بعد عقدين من العمل كخبير اقتصادي في شركة إدارة الاستثمارات المشتركة البريطانية جي تي مانيجمينت.

يكتب تيم لي نشرة إخبارية تُسمى piEconomics، من مكتبه الذي يقع في بلدة غرينتش، بولاية كونيتيكت، حيث يعمل الآن وحده. يبدو المنشور بسيطًا، فهو يتكون من 10 صفحات تتناول موضوعًا دسمًا تدعمها المخططات البيانية بين الحين والآخر. المُشتركين الذين يتابعون منشوراته هم مجموعة صغيرة من صناديق الاستثمار الأوروبية.

قرب نهاية عام 2011، نشر تيم لي قسمًا من النشرة الإخبارية تنبأ فيها بأن تركيا ستحتاج إلى خطة إنقاذ بقيمة 100 مليار دولار.

وفي ذلك الوقت، كانت البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم تضخ الأموال في اقتصاداتها، التي كانت تكافح من أجل التعافي من الأزمة المالية.

لاحظ تيم لي أن البنوك التركية كانت تقترض بالدولار لتقديم قروض أخرى إلى الشركات التركية سريعة النمو. ورأى أيضًا أن الاقتصاد التركي يزداد اعتمادًا على التمويل من المستثمرين الأجانب. وقد بدا ذلك له مماثلًا لما حدث في تايلاند في السنوات التي سبقت الأزمة المالية الآسيوية في عام 1997.

وواصل العودة في ملاحظاته الشهرية التي يقدمها للمستثمرين، إلى موضوع تركيا والمخاطر الاقتصادية هناك. وأصبح أكثر تحديدًا في رسالة إخبارية نشرت في عام 2013، حين قال إن الليرة، التي كانت تتداول في ذلك الوقت بسعر 1.9 مقابل الدولار، ستنخفض قيمتها لتصل إلى 7.2.

في ذلك الوقت، كان الاقتصاد التركي يعمل بشكل جيد. وبدت احتمالات انهياره بعيدة. كما بدت الفكرة التي لم يسبق لها مثيل، القائلة بأن سعر تداول الليرة سيصل إلى 7.2 مقابل الدولار مضحكة. ولذا كان من السهل على الناس تجاهل تحذير تيم لي الخيالي. لكن تيم لي كان محقًا، حتى لو كانت توقعاته سابقة لأوانها بنصف عقد. وبالفعل على مدى السنوات الخمس التالية، تدهور الوضع الاقتصادي في تركيا، كما توقع.

تعتبر أحد الآثار الجانبية لضخ تريليونات الدولارات من الأموال الجديدة من البنوك المركزية، هو أنه أصبح من الأسهل على الحكومات والشركات في الاقتصادات النشطة مثل تركيا أن تقترض الأموال بالدولار - في مقابل عملاتها المحلية - لتمويل استثماراتها الخاصة أو خطط النمو الأخرى.

في الوقت الراهن، وفقًا لمعهد التمويل الدولي (IIF)، وهي مجموعة تجارية مصرفية تعد أكبر تجمع للمؤسسات المالية في العالم، فإن دين الشركات بالعملات الأجنبية وصل إلى 5.5 تريليون دولار، وهو الأكبر على الإطلاق حتى الآن.

تسبب الانحدار في قيمة الليرة التركية واحتمال أن تحتاج البلاد قريبًا إلى خطة إنقاذ، إلى النزوح الجماعي للمستثمرين من تركيا

ووفقًا لما ذكره معهد التمويل الدولي، تعتمد تركيا على مثل هذه القروض بالعملات الأجنبية أكثر من أي سوق ناشئة رئيسية أخرى. ويمثل الدين التجاري والمالي والقروض الأخرى المقومة بالعملات الأجنبية، ومعظمها بالدولار، نحو 70 في المئة من اقتصاد تركيا. كما استخدمت الشركات التركية ومطورو العقارات تلك الدولارات المقترضة لدفع تكاليف إنشاء المصانع الجديدة ومراكز التسوق وناطحات السحاب التي تظهر بوضوح الآن في سماء إسطنبول.

اقرأ/ي أيضًا: في أعقاب الانقلاب.. شرخ كبير بين تركيا وأمريكا

يكمن الخطر في أنه كلما فقدت الليرة من قيمتها، تزداد التكلفة على الشركات التركية التي يتعين عليها تسديد قروضها المقومة بالدولار. والواقع أن عددًا متزايدًا من الشركات في تركيا صرحت بالفعل أنها لا تستطيع سداد هذه القروض.

يقول تيم لي "إن الشركات هناك تجاهلت جميع المخاطر واستمرت في الاقتراض بالدولار". بيد أن هذه الأزمة يُمكن أن تنتشر على نطاق واسع. فقد أفاد معهد التمويل الدولي أن المستثمرين الأمريكيين، على سبيل المثال، يمتلكون ما يقرب من 25 في المئة من السندات التركية غير المسددة وأكثر من نصف الأسهم التركية المطروحة للتداول العام في الأسواق.

لم يعد تيم لي هذه الأيام الشخص الوحيد الذي يقدم تحذيرات بشأن الاقتصاد والنظام المالي التركي. والشيء الذي يقلقه حقًا، هو والمستثمرون الآخرون الذين يتوقعون حدوث المزيد من التراجع، هو أن تركيا قد تكون نذيرًا لما سيحدث مستقبلًا للأصول والاقتصادات التي تضخمت بسبب القروض الرخيصة.

وبين جاستن ليفيرنز، الذي يدير صندوق أوبنهايمر للأسواق النامية، وهو الأكبر من نوعه في الولايات المتحدة: "أعتقد أن معظم الناس لم يفكروا بعناية في التبعات الأوسع نطاقًا لما يحدث في تركيا". ويضيف أنه "يُمكنني أن أرى أن النمو العالمي أضعف بكثير مما يعتقده الناس". واستعدادًا لمواجهة الأوقات العصيبة التي قد تواجهه في المستقبل، فقد خفض ليفيرنز مؤخرًا من تعامل الصندوق مع تركيا إلى ما يقرب من الصفر.

تجاهلت الشركات التركية جميع المخاطر واستمرت في الاقتراض بالدولار

وعلى الرغم من أن دعوة تيم لي في عام 2011 تبدو الآن صائبة وشديدة الوضوح، فإنها لم تجلب له الكثير من الزبائن الجدد. وفي الآونة الأخيرة، بمجرد أن بدأ الاقتصاد التركي في التصدع، تركه العديد من عملائه.

نعم، ربما كان محقًا فيما يتعلق بتركيا. لكن نظرته المتشائمة المستمرة بدت ضعيفة، ولاسيما مع استمرار الأسواق في الارتفاع. أقر لي بذلك قائلًا "لقد كان هناك بعض المنحدرات الصعبة. فقد فقدت الكثير من العملاء نظرًا إلى أن نظرتي كانت متشائمة للغاية".

ومع ذلك، فإنه يواصل دعوته بشأن قرب يوم الهلاك بطريقة أكثر تصميمًا من ذي قبل: سوف يجف نهر النقد العالمي، وسوف يرتفع الدولار وستكون هناك سلسلة من عمليات الاستحواذ المالية. ويعتقد أن المستثمرين سوف يفرون من الاقتصادات النامية، ثم من أسواق الأسهم والسندات الأوروبية والأمريكية في نهاية المطاف.

يقول تيم لي: "لن يكون الأمر مجرد أزمة مصرفية هذه المرة، بل ستكون أزمة مالية في السوق. وأنا على ثقة تامة أن ذلك سيحدث".

 

اقرأ/ي أيضًا:

7 استفتاءات دستورية في تاريخ تركيا الحديث.. ماذا تعرف عنها؟

9 حقائق ومعلومات عن تركيا تسمعها لأول مرة!