04-فبراير-2025
تراجع الثقل المصري الإقليمي على مدار العقود الثلاثة الماضية (وكالة الأناضول)

تراجع الثقل المصري الإقليمي على مدار العقود الثلاثة الماضية (وكالة الأناضول)

كانت مصر على مرِّ تاريخها الممتد لأكثر من خمسة آلاف عام لاعبًا مؤثرًا على الساحة، ورقمًا صعبًا لا يمكن تجاهله، وقوة لا يُستهان بها. بل تصدَّرت المشهد لعقود طويلة، كانت فيها الكيان الأهم والأكثر تأثيرًا، والمتغير المستقل الذي يجرُّ خلفه عشرات المتغيرات التابعة. وساعدها على ذلك قائمة من المقومات والإمكانيات التي تتمتع بها، من موقع جغرافي يتوسط العالم، يربط شرقه بغربه، وشماله بجنوبه، وموقع جيوسياسي استراتيجي يصل العمق الإفريقي ببلاد الشام، ويربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر.

ولأن القوة الإقليمية، كنظرية سياسية، ليست ثابتة في المطلق، ولا ميزة متوارثة على مرِّ الأجيال، ولا تركة تخلفها الحضارات، بل هي منحة مرهونة ببعض المتغيرات، ومشروطة بحزم من المقومات، تتأرجح صعودًا وهبوطًا حسب الأخذ بأسباب القوة واستمرارية التأثير، فمن كان يُمنحها بالأمس ليس شرطًا أن يمتلكها اليوم، والعكس صحيح.

مع الانتقال إلى الجمهورية عقب الإطاحة بالنظام الملكي من خلال ثورة الضباط الأحرار عام 1952، دخلت الدولة مرحلة جديدة من إعادة التموضع الإقليمي استنادًا إلى عقلية الحكام وأنظمة السلطة المتعاقبة

وقد قطعت الدولة المصرية أشواطًا طويلة خلال العقود الماضية، من الريادة إلى التبعية، ومن التأثير إلى التأثر، ومن الحضور الفعّال إلى الحضور النسبي، وربما إلى التهميش أحيانًا، حتى فقدت مع مرور الوقت بعضًا من ثقلها الإقليمي، وسُحب البساط تدريجيًا من تحت أقدامها لصالح قوى وكيانات أخرى لا تساوي في حساب الزمن لحظات.

وبعدما كانت القاهرة مركز الثقل الإقليمي الأبرز، ورمانة ميزان المنطقة، وبوصلة الملفات والقضايا الحساسة، وكان دورها الإقليمي من المسلَّمات التي كان الاقتراب منها، نقاشًا وطرحًا، من المحرمات، أصبحت تلك المكانة اليوم مطروحة للنقاش والبحث والتقييم، بعدما تراجعت بشكل كبير لا يتناسب مطلقًا مع ما تمتلكه الدولة المصرية من إمكانيات وقدرات وأوراق غير مستغلة. ليبقى السؤال: ما الذي أفقد هذا الكيان الضارب بجذوره في عمق التاريخ والحضارة هذا الثقل، وقلّص دوره إلى هذا الحد؟

حضور إقليمي ممتد

ساعد امتلاك مصر للمقومات الجغرافية والاقتصادية والبيئية في تأهيلها للعب دور القيادة وزعامة المنطقة لسنوات طويلة، حتى كانت البوصلة التي تضبط الحضارات المجاورة توجهاتها عليها، وظلَّت قبلة الباحثين عن الريادة لردح ممتد من الزمن، كانت فيه الدولة المصرية الأب الروحي لكل تقدم وازدهار.

البداية كانت مع العهد الفرعوني، الذي امتد نحو ثلاثة آلاف عام (3200 قبل الميلاد حتى دخول الإسكندر الأكبر مصر عام 323 قبل الميلاد)، حيث كانت الحضارة المصرية تهيمن على دول الجوار فيما يُعرف اليوم بالإقليم العربي، إذ كانت سلة غلال العالم بما حباها الله من أرض خصبة ونهر متدفق ونظام سياسي محكم، هذا فضلًا عن إمكانياتها العسكرية في ذلك الوقت، التي كانت تُخضع القوى المجاورة.

ولم يختلف الأمر كثيرًا في القرون الوسطى (القرن الخامس حتى القرن الخامس عشر الميلادي)، حيث تعاظم الدور المصري بعد الفتح العربي والإسلامي، إذ بلغت مصر أوج حضورها الإقليمي، لا سيما في العصرين الأموي والعباسي، بعدما تحولت القاهرة إلى قبلة للباحثين عن التنوير، ومنارة تُهدي أشعة النهوض والتنمية لكل جيرانها.

ومع الانتقال إلى الحكم العلوي، حيث أسرة محمد علي باشا (1805م – 1952م)، ورغم تعرض الدولة حينها لموجات من المد والجزر، فإنها ظلت رقمًا مهمًا في خريطة الإقليم العربي، إذ اشتبكت مع معظم القضايا التي واجهت المنطقة في ذلك الوقت، وكانت تمتلك جيشًا قادرًا على إحداث الفارق في مختلف المعارك.

مصر الجمهورية.. حنجلة على أحبال الريادة الإقليمية

مع الانتقال إلى الجمهورية عقب الإطاحة بالنظام الملكي من خلال ثورة الضباط الأحرار عام 1952، دخلت الدولة مرحلة جديدة من إعادة التموضع الإقليمي استنادًا إلى عقلية الحكام وأنظمة السلطة المتعاقبة، حيث تعامل كل نظام مع المشهد برؤية خاصة، مستندًا في المقام الأول إلى خلفيته الأيديولوجية وطموحاته السياسية، بالإضافة إلى التحديات التي فرضتها المستجدات داخليًا وخارجيًا.

العهد الناصري.. العروبة أولًا

رفعت مصر في عهد جمال عبد الناصر (1956 – 1970) شعار "العروبة أولًا"، إذ كان زعيمها مُفعمًا بالفكر العروبي ومتشبعًا بالقومية العربية، مما أدخلها في مرحلة جديدة من دورها الإقليمي وحضورها السياسي، الذي كان في ذلك الوقت المحرك الرئيسي لمعادلة الإقليم برمته، في ظل موجة التحرر من الاستعمار التي كانت تعيش إرهاصاتها الأولى آنذاك.

تصدرت القاهرة المشهد الإقليمي في ستينيات القرن الماضي، من خلال تحالفها مع الاتحاد السوفييتي، وتدشينها برفقة الهند ويوغوسلافيا أكبر تحالف عالمي، ممثلًا في "حركة عدم الانحياز". كما مارست دورها المحوري في دعم حركات التحرر الوطني، فساهمت في تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وجيش التحرير الفلسطيني، وكانت حاضرة بقوة في دعم الثورة الجزائرية وجيشها الباسل، وأرسلت جيوشها للقتال في اليمن في إطار رؤيتها الخاصة. كما أصبحت الجامعات المصرية منارة وقبلة لعشرات الآلاف من الطلاب العرب والأفارقة.

ومع تأميم قناة السويس، وهي الخطوة التي اعتبرها البعض تهديدًا للمشروع الغربي، تعرضت الدولة المصرية للعدوان الثلاثي، الذي ردت عليه القاهرة بإعلان الوحدة العربية مع سوريا وإقامة الجمهورية العربية المتحدة، كأول ترجمة عملية لفكرة القومية التي كان زعماء البلدين ينادون بها، لكن سرعان ما جاء الرد على هذه التحركات الإقليمية.

في حزيران/يونيو 1967، شنت إسرائيل، بدعم غربي، حربًا ضد مصر وسوريا والأردن، غير أن ذلك لم يُضعف الحضور الإقليمي المصري، الذي بدأ مرحلة التعافي مبكرًا عبر حرب الاستنزاف، ثم بتدشين تحالف جديد مع سوريا والمملكة العربية السعودية، مما أسفر في نهاية الأمر عن تحقيق الانتصار المدوّي في حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973.

السادات.. مصر أولًا ثم العرب

مع تولي محمد أنور السادات الحكم (1970 – 1981)، كانت القاهرة محط الإجماع العربي آنذاك، حيث دخلت في تحالفات إقليمية مع بعض الدول التي كان لها دور في انتصار أكتوبر. وفي المقابل، تخلت مصر عن بعض توجهات الحقبة الناصرية، فلم ترسل جنديًا واحدًا إلى أي ساحة خارج حدودها، والتزمت بسياسة الحياد نسبيًا.

غير أن الأمور تبدلت بشكل كبير بعد توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل، وما سبقها من زيارة السادات للبرلمان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إذ قاطع العرب القاهرة، التي تعرضت لعزلة عربية كبيرة. ورغم ذلك، لم تستسلم مصر في عهد السادات لهذه العزلة المفروضة عليها.

سريعًا، حوّلت القاهرة دفتها من الاتحاد السوفييتي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التي أصبحت شريكًا محوريًا لنظام السادات، مما أدى إلى تغييرات جذرية في السياسة الخارجية المصرية، لم تعرفها منذ سنوات طويلة، وهو ما أثر على حضورها في العديد من الملفات، حيث بدأت تتراجع تدريجيًا.

رفعت مصر في عهد جمال عبد الناصر (1956 – 1970) شعار "العروبة أولًا"، إذ كان زعيمها مُفعمًا بالفكر العروبي ومتشبعًا بالقومية العربية، مما أدخلها في مرحلة جديدة من دورها الإقليمي وحضورها السياسي

مبارك.. التوازن المرتجف

ألقى حادث اغتيال السادات في تشرين الأول/أكتوبر 1981 بظلاله القاتمة على الساحة المصرية، وفرض تحديات جسيمة على السلطة الجديدة التي ترأسها حسني مبارك (1981 – 2011)، حيث كان التقوقع الداخلي هو السمة الأبرز لترميم الجبهة الداخلية، بعد الهزة العنيفة التي تعرضت لها البلاد عقب اتفاقية كامب ديفيد.

لكن هذا لا يعني عزلة مصر عن محيطها الإقليمي، إذ كانت حاضرة بقوة في إدانة الجرائم الإسرائيلية في فلسطين، ثم التنديد بغزو لبنان عام 1982، وسحب سفيرها من تل أبيب بعد مذابح صبرا وشاتيلا، مؤكدة عدم عودته إلا بعد انسحاب إسرائيل من لبنان.

ورغم انقطاع العلاقات في ذلك الوقت بين مصر والعراق، دعمت القاهرة بغداد في حربها ضد إيران، وزودتها بالأسلحة والمعدات العسكرية المطلوبة، مما أسهم في بدء مرحلة جديدة من التطبيع التدريجي، وإنهاء العزلة العربية المفروضة على مصر، والتي تُوّجت بالمصالحة الشهيرة خلال قمة عمّان عام 1987، ثم باستئناف العلاقات العربية مع مصر، وصولًا إلى إعادة مقر جامعة الدول العربية إلى القاهرة في أيار/مايو 1991.

في تسعينيات القرن الماضي، انتهجت القاهرة سياسة متوازنة في علاقاتها مع جيرانها العرب وعمقها الأفريقي، لكن الأمور تغيرت في حزيران/يونيو 1995، حين تعرض مبارك لمحاولة اغتيال أثناء مشاركته في مؤتمر القمة الأفريقية بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا. أدى ذلك إلى بدء مرحلة جديدة من الجفاء مع القارة السمراء، حيث اتجهت السياسة المصرية نحو الخليج وأوروبا فقط، متجاهلة محيطها الأفريقي.

أدت هذه السياسة إلى تراجع نفوذ مصر في القارة الأفريقية، وإبعادها عن العديد من الساحات التي كانت تتطلب حضورها القوي والمؤثر. وقد كانت لهذه العزلة كلفة باهظة لاحقًا، حيث تقلص الدور المصري أفريقيًا لصالح قوى وكيانات أجنبية أخرى، لها أجندات ومصالح تتعارض مع المصالح المصرية، وربما تهدد أمنها القومي.

ما بعد ثورة يناير.. غياب شبه تام عن الساحة

منذ اندلاع ثورة 25 كانون الثاني/يناير 2011، دخلت الدولة المصرية مرحلة التقوقع النسبي، منكبةً على مشاكلها الداخلية، حيث انشغلت الأنظمة اللاحقة بالتحديات التي تواجه شرعيتها، بدءًا من المجلس العسكري، مرورًا بعام حكم الإخوان، وصولًا إلى النظام الحالي، الذي يترأسه الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ عام 2014.

وأدت سياسة الانكفاء على الداخل إلى غياب الدور المصري في مختلف الملفات الإقليمية الساخنة:

الملف السوري

لم تشهد الساحة السورية أي حضور فاعل للقاهرة، باستثناء عام حكم الرئيس الراحل محمد مرسي، الذي كان داعمًا للثورة وإرادة الشعب السوري. وبعد الإطاحة به، دخل الانخراط المصري مرحلة التجميد، مكتفيًا بالدعم التقليدي للنظام السوري، دون أي تحركات ملموسة على الأرض. ونتيجة لهذا الابتعاد، تركت القاهرة الساحة السورية لعدد من اللاعبين الإقليميين الآخرين، على رأسهم تركيا، وإيران، والولايات المتحدة.

الملف الفلسطيني

يُعد الملف الفلسطيني الأبرز إقليميًا، إذ يُحدد إلى حد كبير خارطة قوى الشرق الأوسط من حيث النفوذ والتأثير. ورغم أهميته بالنسبة لمصر، أمنيًا وسياسيًا وتاريخيًا، فإن انخراطها فيه لم يكن بالمستوى المطلوب، خاصة خلال السنوات الأخيرة. وقد تجلّى هذا الغياب مع اندلاع حرب غزة الحالية، حيث اتسم الموقف المصري بالخذلان في أشهرها الأولى، إذ لم تستخدم القاهرة أيًا من أوراق الضغط التي تمتلكها لمواجهة الاحتلال. غير أنها استدركت ذلك لاحقًا، عندما قامت، إلى جانب قطر، بدور الوساطة في إبرام اتفاق التهدئة الأخير، محاولةً استعادة بعض من دورها المفقود في هذا الملف الاستراتيجي الخطير.

الملف العراقي

لم يختلف الملف العراقي كثيرًا عن الملف السوري، حيث غابت مصر عن هذا المشهد لسنوات طويلة، تاركة إياه لإيران، وتركيا، والولايات المتحدة، مكتفية بمتابعة الموقف عن بُعد، دون أن يكون لها تأثير يُذكر، رغم العلاقات المحورية بين البلدين والقواسم المشتركة التي تربطهما، فضلًا عن أهمية العراق كامتداد للأمن القومي المصري.

الملف اليمني

بعد الانخراط الكبير لمصر في الشأن اليمني خلال ستينيات القرن الماضي، ابتعدت القاهرة عن هذا الملف بشكل شبه كامل، رغم أهميته الاستراتيجية، إذ يرتبط مباشرةً بالأمن القومي المصري، بحكم القرب الجغرافي وتأثيره المباشر على الاقتصاد المصري، لا سيما على قناة السويس. وهكذا تُركت الساحة للسعودية والإمارات، ومن بعدهما إيران وإسرائيل.

الملف اللبناني

تخلت القاهرة عن دورها في حل الأزمة اللبنانية، واكتفت بمراقبة المشهد من بعيد، مما حوّل لبنان إلى مسرح لتدخلات العديد من القوى الإقليمية والدولية، مثل إيران، والولايات المتحدة، والسعودية.

الملف الليبي

يُعتبر الملف الليبي الأكثر حضورًا على الساحة المصرية، إذ شكّلت القاهرة ندًا قويًا لتركيا، نظرًا لما تمثله ليبيا من امتداد للأمن القومي المصري غربًا. وقد لعبت القاهرة دورًا محوريًا، وإن اعتبره البعض سلبيًا، حيث انحازت إلى دعم المشير المتقاعد خليفة حفتر في مواجهة الحكومة المعترف بها أمميًا.

الملف السوداني

رغم أن السودان هو الامتداد الجنوبي لمصر، فإن القاهرة لم تنخرط في أزمته، بشقيها السياسي والعسكري، بالمستوى الذي يتناسب مع خطورتها وتداعياتها الأمنية والسياسية. وقد أفقدها هذا الغياب حضورها في هذا الملف، لصالح قوى أخرى، مثل الولايات المتحدة، وروسيا، والسعودية، والإمارات.

الملف الصومالي

ربما أدركت مصر مؤخرًا خطورة الملف الصومالي، نظرًا لتهديده الأمني المحتمل في العمق الأفريقي، إلا أن غيابها لسنوات طويلة أتاح الفرصة للاعبين آخرين للسيطرة على المشهد هناك، مثل تركيا، والسعودية، وإثيوبيا، وإسرائيل، التي قد يشكّل وجودها تهديدًا مباشرًا لمصر.

محاولات لاستعادة الدور المفقود

بالتوازي مع التراجع السياسي والاقتصادي لمصر إقليميًا، شهدت السنوات الأخيرة تراجعًا حادًا في نفوذها الناعم، سواء في الإعلام أو الرياضة أو الفن، لصالح قوى أخرى حديثة العهد في هذا المجال، كالسعودية وغيرها.

وصف سامي شرف، أحد مؤسسي المخابرات العامة المصرية والسكرتير الشخصي للرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، هذا التراجع في مقال نُشر بإحدى الصحف المحلية، قائلًا: "مصر لم تعد هي مطبعة العرب، ولم يعد مفكروها يشكلون المشهد العلمي والفكري والثقافي العربي، وحتى الصحف والقنوات المصرية تراجع دورها الريادي".

حاولت القاهرة استعادة بعض من دورها الإقليمي من خلال الانخراط في تحالفات جديدة، مثل التعاون مع إسرائيل، واليونان، وقبرص في شرق البحر المتوسط، وإعادة النظر في علاقاتها مع تركيا وقطر، بالإضافة إلى الانضمام إلى تحالفات اقتصادية مثل منظمة "بريكس".

معضلة المقاربة الأمنية

كانت المقاربة الأمنية هي العامل الأبرز في تراجع الثقل المصري الإقليمي خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث ركّزت الأنظمة المتعاقبة على الحفاظ على الأمن الداخلي وترسيخ أركان السلطة الحاكمة، على حساب السياسة الخارجية والحضور في الملفات الإقليمية الحساسة.

في السنوات الـ 15 الأخيرة من حكم مبارك، تخلّت مصر عن دورها الأفريقي، وتقزّم حضورها في القارة، حتى خرجت تمامًا من معادلة القوى داخل إفريقيا، فيما كان التركيز منصبًا على الحفاظ على النظام الداخلي.

ألقى حادث اغتيال السادات في تشرين الأول/أكتوبر 1981 بظلاله القاتمة على الساحة المصرية، وفرض تحديات جسيمة على السلطة الجديدة التي ترأسها حسني مبارك (1981 – 2011)، حيث كان التقوقع الداخلي هو السمة الأبرز لترميم الجبهة الداخلية

وتكرر هذا النمط بعد سقوط مبارك، إذ انشغل المجلس العسكري بالتهديدات الداخلية، بينما كانت الحدود المصرية تشهد أزمات خطيرة. ومع تولي جماعة الإخوان السلطة، لم يكن هناك مجال للسياسات الخارجية، في ظل التحديات الداخلية الكبيرة والصراع على الحكم.

أما النظام الحالي، فقد واجه تحديات أمنية كبيرة، استنفدت طاقته، وحرمته من أي رفاهية في الانخراط في الملفات الخارجية، مما أدى تدريجيًا إلى فقدان مصر نفوذها الإقليمي لصالح قوى أخرى حديثة الصعود.

ورغم المحاولات الحالية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فإن استعادة مصر لدورها التاريخي المعتاد مهمة شاقة، تتطلب إعادة النظر في السياسات والاستراتيجيات الحالية، بما يضمن التوازن بين التحديات الداخلية والدور الخارجي، ويحفظ لمصر مكانتها الإقليمية والدولية، دون الإضرار بتماسكها الداخلي.

فهل تنجح القاهرة في تحقيق هذه المعادلة؟