05-نوفمبر-2019

تزداد وتيرة انتهاكات الإسلاموفوبيا في فرنسا (أ.ف.ب)

"لا أستطيع كشف اسمي، إنني ملاحق!"، يقول صاحب صفحة "HKM" المختصة في كشف العنصرية الذي يتعرض له المسلمون في فرنسا. ببعض الارتباك الواضح في صوته، يقول لـ"الترا صوت" عبر الهاتف: "نحن نتعرض لحملة عنصرية مسعورة".

مئات من حالات الاضطهاد والعنصرية يعيشها المسلمون في فرنسا، والذي علت أصواتهم مؤخرًا تنديدًا بما يتعرضون له من إهانات وتهديد

وصاحب الصفحة المذكورة هو فرنسي من أصول مغربية، يمثل جزءًا من حالة أحد أجزائها الأم التي أهينت من قبل نائب التجمع الوطني الفرنسي على مسمع ومرأى أطفالها الذين كانت تصطحبهم للمجلس المحلي، ليتعرفوا عن كثب على الممارسة الديمقراطية. أهينت المرأة لا لشيء إلا لكونها محجبة.

اقرأ/ي أيضًا: هل يمكن محاربة "الإسلاموفوبيا" بالقوانين والتشريعات؟

وغيرها المئات من حالات الاضطهاد والعنصرية التي يعيشها المسلمون في فرنسا، والذين علت أصواتهم مؤخرًا تنديدًا بما يتعرضون له من إهانات وقمع وتهديد.

وقد تجاوزت حوادث العنصرية أن تكون فردية، بعد أن بات للخطاب الذي يغذيها ممثلين في الحكومة الفرنسية، ليصبح، بحسب مراقبين، الإسلاموفوبيا، ظاهرة تزداد تداعياتها في المجتمع باستمرار.

الحجاب مشكلة دولة!

"باسم مبادئنا الجمهورية واللائكية، أطالب من السيدة رئيسة المجلس أن تنزع الحجاب الإسلامي عن المرافقة التي اصطحبت أبناءها إلى القاعة"، هكذا صاح جوليان أودول، نائب حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، بمجلس جهة "بورغوني-فرانش كومته"، معللًا طلبه، بأن "ما ترتديه السيدة إهانة في حق رجال الشرطة الأربعة الذين قضوا في هجوم إرهابي بباريس" مطلع الشهر الماضي.

 

 

بينما فاطمة -من أصول مغاربية- التي تعرضت لهذه الإهانة وإهانات أخرى داخل ردهات المجلس، كما يوضح ذلك بيان منظمة محاربة الإسلاموفوبيا بفرنسا؛ انكفأت على نفسها آخذة طفلها في حضنها تبكي مقهورة مما جرى.

ما وقع لفاطمة لم يكن إلا نموذجًا من بين نماذج عدة لما تلاقيه النساء المحجبات الفرنسيات، كما يوثق تحقيق لصحيفة لوموند، والذي نقل عن لطيفة (38 عامًا) وتعمل مهندسة، شهادتها: "إنهم يحقروننا، بالنسبة لهم نحن أميات، جاهلات، متخلفات يستعبدن!".

وينقل التحقيق أيضًا شهادة مريم، وهي أم محجبة. كشفت عن موقف لها عندما رفضت ابنتها أن تصطحبها لحفل مدرسي، ولمّا استفسرت عن السبب، أجابت الطفلة: "قالت لي المعلمة ذلك، لأنك ترتدين الحجاب".

وفي واقعة مجلس "بورغوني-فرانش كومته"، أدانت رئيسة المجلس، الاشتراكية ماري جيت دوفاي، فعلة النائب التجمعي، مغردة: "كفى كراهية! إن موقف نائب التجمع الوطني إهانة لمؤسستنا ولقيمنا الجمهورية". كما التقت لاحقًا بالسيدة المتضررة وأطفالها، معبرة عن اعتذارها ومساندتها لها.

 

 

أعادت هذه الحادثة، إلى الساحة الفرنسية، النقاش المستهلك حول قضية الحجاب في الأماكن العامة، ما ترتب عليه مقترح قانون يمنع الأمهات المحجبات من الحضور أمام المدارس لاستقبال أبنائهن.

ودفعت بهذا المقترح، الأغلبية الجمهورية داخل البرلمان، وثمّن هذه الخطوة نواب حزب التجمع الوطني اليميني. بينما أطلقت قنوات الإعلام الفرنسي سيلًا من الخطابات التقليدية، بضيوف تقليديين محسوبين على التيار اليميني في البلاد، كالكاتب المعروف بخطابه العنصري، إيريك زيمور.

"تعبنا من الاضطهاد"

من جانبها، نصبت منظمة محاربة الإسلاموفوبيا بفرنسا طرفًا مدنيًا في القضية التي رفعتها فاطمة على نائب التجمع الوطني بمجلس جهة بورغوني-فرانش كومته، مقدمة الدعم المادي والمعنوي للمتضررة، في متابعة قضائية بتهم "العنف الجماعي" و"التحريض على الكراهية"، كما بينت ذلك محامية الضحية.

الإسلاموفوبيا
فاطمة، فرنسية مسلمة تعرضت للإهانة من سياسي فرنسي بسبب حجابها

فيما عرفت ساحة الجمهورية، قلب العاصمة باريس، تجمعًا لأكثر من ألفي مشارك في مظاهرة رفعت شعار "لا للإسلاموفوبيا"، وذلك في 27 تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، حيث احتشد المتظاهرون متضامنين أولًا مع المرأة التي طالتها إهانة النائب التجمعي جوليان أودول، وثانيًا للتنديد بمقترح القانون الذي وصفوه بـ"العنصري"، الذي يحرم الأمهات المحجبات من اصطحاب أبنائهن إلى المدرسة.

وفي تصريح لصحيفة لوموند، قال محمد مشماشي، مؤسس منظمة "ليس من دوننا" لمحاربة العنصرية ضد المسلمين: "نحن لسنا المشكلة، بل إننا جزء من الحل"، مشيرًا إلى "معضلة التطرف الديني" الذي تصيب مسلمي فرنسا.

وصاح ياسين بلعطار، الكوميدي الفرنسي من أصول مغاربية: "بلادنا هي فرنسا!"، فيما أشار أوليفييه كلين، عمدة سان دوني، إلى أن "مواطنينا الفرنسيين المسلمين قلقون من الطريقة التي يشار إليهم بها، والتي تحمل في طياتها إدانات ضمنية تحط من كرامتهم".

وبرزت في التظاهرة لافتات تحمل رسائل عديدة، من قبيل: "لقد عادت الفاشية.. البارحة كان اليهود واليوم الدور على المسلمين"، و"المجد للحجاب الذي غطى المشاكل الحقيقية التي تعيشها البلاد"، و"فرنسيات محجبات، نقوم بواجباتنا لكن أين هي حقوقنا؟"، و"أوقفوا زيمور".

وفي إطار التنديد بمقترح القانون المذكور، نشرت صفحة "HKM"، الناشطة في كشف جرائم الإسلاموفوبيا، لائحة أسماء النواب الذين قدموا المقترح، ما أثار حفيظة العديد منهم، رغم كون اللائحة نشرت علنية من قبل البرلمان، هذا ما جرّ على مدير الصفحة، متابعة قضائية وملاحقات عنصرية تهدد حياته وسلامته الشخصية.

في مهاتفة أجراها "الترا صوت" مع مدير الصفحة، قال: "أنا من مدينة بيزييه، جنوب البلاد، وعمدة مدينتنا كان دائمًا يهين المسلمين والمهاجرين، هو شخص معروف بتوجهه المتطرف وقريب من إيريك زيمور".

وأضاف قائلًا: "خطابات الكراهية هذه تسبب لنا آلامًا كبيرة، فمنذ أيام ونحن نتلقى الإهانات عبر قنوات الإعلام، يستغلوننا كقرود تنشط برامجهم الحوارية، وينعتوننا بالنازيين"، مستطردًا: "لك أن تتخيل تعبنا من كل هذه الإهانات، خصوصًا ونحن نرى أمهاتنا وأخواتنا يتعرضن لها".

الإسلاموفوبيا أداة سياسية

تخوض وسائل إعلام فرنسية هجمة ضد المسلمين، من ذلك ما جاء على لسان مدير نشر صحيفة لوفيغارو، إيف ثيرارد، الذي أعلنها على الهواء مباشرة: "أنا أكره الديانة الإسلامية!"، كان ذلك في لقاء حواري حول الحجاب. 

لكن "صراحة" ثيرارد لم تكن بعيدة عن خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه، الذي صرح مؤخرًا: "الحجاب الذي تلبسه نساء من الجاليات المهاجرة، بمثابة فشل لنموذجنا الجمهوري، في خضم الأزمة التي يعيشها الإسلام ككل".

لم يتوقف ماكرون عند هذا الحد، بل في خطابه أثناء حفل تأبين ضحايا الهجوم الإرهابي في مقر الشرطة بباريس، دعا عامة الشعب إلى تحمل المسؤولية بتعيين مظاهر الإرهاب في المدارس ومراكز العمل والساحات العامة، دون أن يفرق بين الإسلام والإرهاب في هذه المظاهر، ما وضع مسلمي البلاد في قلق من التعرض لانتهاكات.

وإذا لم يحدد ماكرون الفرق بين الإسلام والإرهاب، فإن وزير الداخلية الفرنسي كريستوف كاستانير، مزج بينهما حين قال عن مظاهر الإرهاب والتطرف، إنها "الممارسة الدائمة للطقوس الدينية الإسلامية، والحرص على صيام شهر رمضان"!

وفي تقرير نشرته صحيفة "Médiapart" الفرنسية، بعنوان "اللحظة التي فتح فيها ماكرون ماسورة الإسلاموفوبيا"، وضح كيف أن خطاب ماكرون لم يختلف كثيرًا عن سابقه ساركوزي منذ أن فصل بين "نحن" و"هم" التي تشير إلى المسلمين داخل المجتمع الفرنسي، معلنًا بداية عهد من الإسلاموفوبيا.

"هذا التصعيد في الخطاب المعادي للإسلام وطرح قضية الحجاب هو محاولة تعتيم على المشاكل الأساسية التي يعانيها الشعب الفرنسي، والتي من أجلها أمضى سنة كاملة من التظاهر في الشارع"، يقول كريم زريبي النائب الأوروبي السابق في لقاء تليفزيوني جمعه ونائب حزب التجمع الوطني جوليان أودول. وعليه، ربما يتضح كيف يستخدم الإسلاموفوبيا كأداة سياسية.

وفي هذا السياق، يمكن استدعاء ما صرحت به رئيسة مجلس جهة بورغوني-فرانش كومته، تعليقًا على ما قاله النائب اليميني للمرأة المحجبة، إذ قالت رئيسة المجلس في بيان صحفي إن هجوم النائب اليميني على المرأة المحجبة، كان مقصودًا بهدف التشويش السياسي على عمل المجلس.

وأوضحت رئيسة المجلس أنه منذ بداية الجلسة وقبل ولوج فاطمة للقاعة، والنائب المذكور يشوش على المناقشات العامة، بداية بإبداء امتعاضه من عرض ضد العنصرية يكرم مارتن لوثر كينغ. "كل هذه التصرفات تبرز توجه التجمع الوطني المغذية للكراهية، والمستخدمة للتشويش أمام إفلاسها السياسي"، يقول بيان رئيسة المجلس.

 يغذي اليمين الفرنسي جبهة مؤيديه بخطاب التجييش العنصري، ويبدو أنه قد تسنى له ذلك، حسب استطلاعات الرأي الأخيرة

وكما يقول مدير صفحة "HKM": "مع الأسف، يغذي التطرف بعضه بعضًا، والكراهية لا تولد إلا كراهية"، وهكذا كما يتضح، يغذي اليمين الفرنسي جبهة مؤيديه بخطاب التجييش العنصري، ويبدو أنه قد تسنى له ذلك، حسب استطلاعات الرأي الأخيرة التي رجحت كفة مارين لوبان. ومن جهة أخرى، تلعب الجماعات الإرهابية الإسلامية على وتر الإسلاموفوبيا، لتغذية خطابها وممارستها الإرهابية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الولايات الإسلاموفوبيا المتحدة

أوروبا واليمين.. عصر الظلام المقبل