05-سبتمبر-2022
media control in turkey

تراجعت حرية الصحافة في تركيا خلال السنوات الماضية (Reuters)

نشرت وكالة رويترز تحقيقا كشفت فيه تفاصيل مثيرة عن رقابة الدولة على وسائل الإعلام في تركيا، وكيف أن الدولة نجحت في إعادة ترتيب مشهد الصحافة التركية بما يتواءم مع رؤى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والحزب الحاكم، وفقا لمعلومات داخلية قالت رويترز إنها حصلت عليها.

يخلص التحقيق إلى أن وسائل الإعلام التركية، التي كانت في وقت سابق منصات حيوية لتبادل الأفكار، أصبحت مجرد وسائل لعرض عناوين إخبارية موافق عليها حكوميا

ويخلص تحقيق رويترز إلى أن وسائل الإعلام التركية، التي كانت في وقت سابق منصات حيوية لتبادل الأفكار، قد أصبحت مجرد وسائل لعرض عناوين إخبارية تتسق مع رؤية الحكومة، كما يعرض مقابلات مع مصادر إعلامية وحكومية تبين المحاولات الحثيثة المستمرة من قبل الحكومة التركية لإخضاع الإعلام وممارسة التأثير على بعض مؤسسات الدولة المستقلة، مثل القضاء والجيش والبنك المركزي وجزء كبير من النظام التعليمي في البلاد. 

أوامر مباشرة وعقوبات للمخالفين

يشير التحقيق إلى أن تصريحات لعشرات العاملين في الإعلام التركي أكدت أن غرف الأخبار غالبا ما تتلقى تعليمات وأوامر عبر المكالمات الهاتفية أو تطبيق واتساب من قبل دائرة الاتصالات الحكومية المعنية بشؤون وسائل الإعلام والتي أنشأها أردوغان عام 2018 ويديرها الباحث والأكاديمي فخر الدين ألتون.

The headquarters of Turkish newspaper Hurriyet in Istanbul
مبنى صحيفة "حريت" التركية في إسطنبول (رويترز)

ويضيف أن سلسلة استحواذات على مؤسسات إعلامية كبرى بدأت عام 2008 أدت أخيرا إلى تركيز صناعة الإعلام في أيدي مقربين من أردوغان والحزب الحاكم، كما بين التحقيق أن الإعلانات الممولة من الدولة تذهب في معظمها لصالح المؤسسات المؤيدة للحكومة، في حين تشرف هيئات تشكلها الحكومة أيضا على فرض عقوبات على المؤسسات التي "تنتهك القوانين"، والتي غالبا ما تنحصر في المؤسسات الإخبارية المستقلة أو التابعة للمعارضة. وفي هذا السياق تبين أرقام يعرضها التحقيق أنه في السنوات الثلاثة الأخيرة تلقت صحف محسوبة على المعارضة عقوبات وصلت إلى ما نسبته أكثر من عشرين ضعفا بالمقارنة مع ما تلقته صحف أخرى من عقوبات، كما أن معظم العقوبات استهدفت الصحف الخمسة المستقلة الكبرى، حارمة إياها من حوالي 4 مليون ليرة تركية عام 2020.

تشير أرقام اطلع عليها التحقيق أنه في عامي 2019 و2020 وصفت مؤسسة الإعلان الإعلامي (BIK)، المسؤولة عن توزيع الإعلانات الحكومية على الصحف التركية، مواد صحفية تناولت قضايا الفساد وأخرى انتقدت الحكومة بأنها "تخالف الأخلاقيات العامة" أو أنها "تؤدي إلى سوء الفهم".

لكن في مطلع آب الماضي، قضت المحكمة الدستورية التركية بأن عقوبات مؤسسة الإعلان الإعلامي تنتهك حريتي التعبير والصحافة، وأن ممارسات المؤسسة "تجاوزت مجرد تنظيم المبادئ الأخلاقية للصحافة وأصبحت وسيلة للعقاب."

يقول فاروق بيلديريتشي، وهو صحفي عمل في صحيفة "حريت" سبعة وعشرين عاما، أن "اهتمامات الصحافة حلت مكانها جهود للتوافق مع الحزب الحاكم وفهم ما يريد... فالحزب يقدم تعليمات تحدد الأجندة... ورؤساء التحرير أو المراسلون في أنقرة أو مخرجو البرامج التلفزيونية هم الجهات الرئيسية التي تتواصل" مع الحزب ومع دائرة الاتصالات.

كما نقل التحقيق عن مصدر فضل عدم ذكر اسمه أن معظم القرارات في دائرة الاتصالات يتم اتخاذها من قبل ألتون أو أحد ممثليه، خاصة عند وقوع حدث يتعلق بالنواحي الاقتصادية أو العسكرية ويمكن أن يتسبب بإحارج للحكومة، فعندها يتواصل ألتون مع رؤساء التحرير والمراسلين للاتفاق على خطة للتغطية الإعلامية.

تنقل رويترز أيضا أن أربعة مصادر أكدت لها أنه عندما استقال زوج ابنة أردوغان، بيرات البيرق، من منصب رئاسة الوزراء على نحو مفاجئ عام 2020 وعلل استقالته بأسباب صحية، أرسل ألتون إلى وسائل الإعلام تعليمات بأن تلتزم الصمت إلى حين أن يقبل أردوغان رسميًا استقالة البيرق، وهو ما حدث بعد ثلاثين ساعة من تسريب الخبر.

وفي حادثة أخرى، عندما أدت ضربة جوية في الشمال الغربي من سوريا، وهي مناطق كانت تنتشر فيها الطائرات الروسية، إلى مقتل أكثر من ثلاثين جنديًا تركيًا في واحدة من أكثر الهجمات دموية، تدخلت دائرة الاتصالات وأصدرت تعليمات إلى غرف الأخبار بأن لا تنشر الخبر، فاكتفت وسائل الإعلام بتصدير خبر آخر في نشراتها، كما كانت تغطية الخبر محصورة على نشر البيانات الحكومية.

التضييق على وسائل الإعلام، حسب رويترز، ازداد بعد إعلان حالة الطوارئ عقب محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 والتي اتهم مناصرو الداعية فتح الله غولن بالوقوف وراءها، إذ أغلقت الحكومة آنذاك حوالي 150 وسيلة إعلامية اتهم معظمها بالارتباط بغولن.

الحكومة ترد

رويترز ذكرت أن مسؤولا حكوميا مقربا لرئيس دائرة الاتصالات نفى نفيا قاطعا تحديد ألتون لأجندة محددة لوسائل الإعلام، وقال إنه "يقدم إحاطات لرؤساء التحرير والمراسلين من وقت لآخر بحكم عمله، إلا أن هذه المهام لم تنفذ على الإطلاق بطريقة يمكن النظر إليها على أنها إخلال باستقلالية المؤسسات الإخبارية أو أنها تنتهك حرية الصحافة"، إلا أن المسؤول رفض التعليق على الاتهامات للدائرة بإصدارها توجيهات إلى وسائل الإعلام بعدم نشر خبر استقالة البيرق، في حين نفت مؤسسة الإعلان الإعلامي الانتقادات الموجهة لها بأنها أصبحت أداة للرقابة، وشددت على أنها لا تهتم بآراء المؤسسات الإعلامية أو فكرها.

بعد نشر التحقيق، اتهم ألتون وكالة رويترز بنشر الأخبار الكاذبة وغير الموثوقة عن بلاده، وقال في تغريدة له أن هذه ليست المرة الأولى التي تنشر فيها رويترز"أخبارا غير دقيقة ومزيفة"، مضيفا أن الوكالة "كانت تنشر معلومات مضللة ضد تركيا في ذروة النشاط الإرهابي لتنظيم الدولة الإسلامية، بينما يتعامل بلدنا بحزم مع هذه المنظمة... في الواقع، كانت تلك محاولة للتستر على حقيقة أن بعض الحكومات الغربية كانت تغض الطرف أو بمساعدة وكالات استخباراتها، تعمل بنشاط على تسهيل تدفق المقاتلين الأجانب إلى سوريا."

وأكد أن "رويترز أساءت أيضا تقديم تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان عندما كانت تركيا تتخذ الخطوات الأولية نحو نظام رئاسي للحكومة وانتهى برويترز الأمر إلى تعديل الأخبار."

كما اتهم ألتون رويترز بأنها "لعبت دورا معينا تم تكليفه بالوكالة كجزء من العمليات الاقتصادية والمالية الموجهة ضد تركيا."

مزيد من القوانين

يشار إلى أن الحكومة التركية قدمت في أيار/مايو الماضي مقترحا لقانون قالت إنه يسعى إلى محاربة المعلومات المغلوطة، ويتوقع أن يناقش القانون في البرلمان في شهر تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.

القانون وصفه معارضوه بأنه مسمار جديد يدق في نعش حرية الصحافة في تركيا باسم محاربة الأخبار الكاذبة، إذ إنه يسمح بحبس من "ينشرون معلومات تضلل العامة" وتتعلق بالصحة العامة أو النظام العام أو الأمن الداخلي أو الخارجي للبلاد، لمدة ثلاث سنوات، كما يزيد القانون مدة العقوبة بمقدار النصف في حال أخفى مرتكب الفعل هويته.

كما وصفت المعارضة مشروع القانون بأنه أعد لإسكات أحزاب المعارضة قبيل انتخابات مرتقبة مطلع العام المقبل تتحالف فيه ستة أحزاب معارضة ضد حزب العدالة والتنمية الذي شهدت شعبيته تراجعا ملحوظا في السنوات الأخيرة.

أتت تركيا في المرتبة التاسعة والأربعين بعد المئة من بين مئة وثمانين دولة على سلم حرية الصحافة لعام 2022 الذي أعدته شبكة مراسلون بلا حدود

تجدر الإشارة أيضا إلى أن تركيا احتلت المرتبة التاسعة والأربعين بعد المئة من بين مئة وثمانين دولة على سلم حرية الصحافة لعام 2022 الذي أعدته شبكة مراسلون بلا حدود، والتي بدورها حذرت من ازدياد السلطوية من جهة وتراجع التعددية الإعلامية في البلاد من جهة أخرى.