تحقيق: أوروبا تناقض نفسها حين تنتقد حرب إسرائيل على غزة وتموّل شركات الأسلحة الإسرائيلية
12 يونيو 2025
كشفت منظمتا "إنفستيغيت يوروب" و"ريبورترز يونايتد" أن شركة دفاع حكومية إسرائيلية، متورطة بشكل مباشر في حرب الإبادة الجماعية على غزة، تستفيد من تمويل دفاعي من الاتحاد الأوروبي بملايين اليوروهات.
وأظهر التحقيق الذي أجرته المنظمتان أن "شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية" استحوذت في عام 2023 على "إنتراكوم اليونانية للدفاع"، ورغم ذلك، حصلت الأخيرة على تمويل من "صندوق الدفاع الأوروبي" (EDF) بقيمة 115 مليون يورو. يُذكر أن هذا الصندوق أُنشئ بهدف تعزيز القدرات العسكرية للقارة من خلال تمويل الابتكارات الدفاعية المحلية، إلا أن تمويلاته وصلت إلى أكبر شركة دفاع حكومية في إسرائيل.
حصلت إسرائيل عبر استحواذها على الشركة اليونانية على تمويل أوروبي لـ15 مشروعًا دفاعيًا، مُنُحت 7 مشاريع منها بعد الحرب على غزة
مشاريع دفاعية تمرّ عبر اليونان
ويرى التحقيق أن إسرائيل استحوذت على الشركة اليونانية المغمورة بهدف الاستفادة من "الطلب المتزايد على أنظمة الدفاع الجوي في أوروبا". وبفضل هذا الاستحواذ، حصلت إسرائيل على تمويل أوروبي لـ15 مشروعًا دفاعيًا، نُفذت سبعة منها بعد اندلاع الحرب على غزة. وكان أحد هذه المشاريع بتمويل مشترك بين الصندوق الأوروبي وحكومات أوروبية مثل فرنسا وبلجيكا والسويد، وهي دول وجّهت انتقادات علنية للعدوان الإسرائيلي، لكنها في الوقت نفسه موّلت بشكل غير مباشر آلة الحرب ذاتها.
وأشار التحقيق إلى أن بعض هذه المشاريع تتعلق بتطوير طائرات مسيّرة متوافقة مع معايير حلف "الناتو"، وقادرة على تتبع وتحديد الأفراد كأهداف في الزمن الحقيقي. وهي مواصفات يقول التحقيق، بسخرية مريرة، إنها تنطبق تمامًا على المسيرات الإسرائيلية التي جُرّبت على الأحياء المدنية الفلسطينية في غزة، حيث حصدت أرواح المئات، إن لم يكن الآلاف.
ورغم أن "إنتراكوم" مسجلة في أثينا ومقرها اليونان، ويضم مجلس إدارتها تمثيلًا يونانيًا، إلا أن سجلاتها المالية لعام 2024 تُظهر أن 94.5% من أسهمها مملوكة لشركة الصناعات الجوية الإسرائيلية. كما تكشف سجلات الأخيرة لعام 2025 أنها تمتلك 100% من حقوق التصويت داخل الشركة اليونانية.
وخصصت المفوضية الأوروبية 910 ملايين يورو لصندوق الدفاع الأوروبي العام الماضي، ضمن "خطة إعادة تسليح أوروبا 2030"، والتي تهدف إلى تعزيز الصناعات الدفاعية في القارة.
ورغم أن الصندوق يسمح بتمويل شركات مملوكة لأطراف خارجية تتخذ من أوروبا مقرًا لها، فإنه يشترط تقديم ضمانات أمنية بعدم نقل المعلومات الحساسة إلى المالك الأجنبي. وتُرسل هذه الضمانات إلى حكومة الدولة المضيفة — في هذه الحالة، اليونان، الحليف الوثيق لإسرائيل — للموافقة عليها.
وتقول ليتيسيا سيدو، المسؤولة عن مشاريع الاتحاد الأوروبي في "الشبكة الأوروبية لمناهضة تجارة الأسلحة"، إن "من غير المستغرب أن تلجأ الدول التي لا تتخذ موقفًا حاسمًا من إسرائيل، إلى أساليب المراوغة، لتمكين تل أبيب من الاستفادة من التمويل الأوروبي".
وهو ما أكده خبير دفاع عالمي — طلب عدم الكشف عن هويته — قائلًا لفريق التحقيق: "نحن بحاجة إلى الخبرة الإسرائيلية التي نفتقر إليها. في رأيي، هذه هي خلفية مناورة شركة إنتراكوم. نريد تطوير ذخائرنا الخاصة، ونرغب كذلك في مساهمة إسرائيلية بهذا المجال".
كما كشف تحقيق مشترك لصحيفتَي "دي تييد" البلجيكية و"فولو ذا ماني" الهولندية أن إسرائيل حصلت على أكثر من 1.1 مليار يورو من المنح البحثية الأوروبية ضمن برنامج "هورايزن أوروبا".
نفاق أوروبي
وأثار هذا الواقع انتقادات حادة من نواب أوروبيين ومنظمات حقوقية، وصفوا ما يحدث بـ"النفاق الأوروبي"، حيث يتم تمويل شركة أسلحة إسرائيلية في وقتٍ تُوجَّه فيه اتهامات دولية لتل أبيب بارتكاب جرائم حرب في غزة.
وفي هذا السياق، تساءل الناشط في منظمة العفو الدولية بفرنسا، أيمريك إلوين:"كيف يمكن للدول المشاركة في التمويل أن تدعو إلى إحلال السلام، بينما تساهم — من خلال صندوق يُفترض أن يدعم الدفاع الأوروبي — في تمويل صناعة عسكرية تُتهم بارتكاب إبادة جماعية، وصدر بحقّ زعيمها مذكرة توقيف بتهمة جرائم ضد الإنسانية؟"، في إشارة إلى مذكرة المحكمة الجنائية الدولية الصادرة في تشرين الثاني/نوفمبر 2024 بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وكانت أربع دول أوروبية (فرنسا، بلجيكا، فنلندا، والسويد)، من بين 17 دولة دعمَت في أيار/مايو الماضي مقترحًا هولنديًا يدعو إلى مراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، على خلفية العدوان المستمر على غزة ومنع دخول المساعدات.
لكن المدافعين عن حقوق الإنسان يشيرون إلى التناقض الفج بين هذه الدعوات، والمشاركة الفعلية لتلك الحكومات في تمويل صناعة عسكرية متورطة في قتل أكثر من 50 ألف فلسطيني منذ بداية العدوان، بحسب بيانات وزارة الصحة في غزة.
وفي هذا الإطار، نقل التحقيق عن أيمريك إلوين قوله:"من جهة، لدينا دولة مثل فرنسا تُدين انتهاكات القانون الدولي، ومن جهة أخرى، لا تجد حرجًا في التعاون مع شركة أسلحة مملوكة للدولة الإسرائيلية".