21-سبتمبر-2018

أنقاض مقر التجارة العالمي عقب غزوة مانهاتن (تيموثي كلايري/Getty)

أثارت قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، جدلًا مستمرًا منذ تولي دونالد ترامب للسلطة في مطلع العام الماضي، وحددت مسارات كثيرة داخل مؤسسة الحكم الأمريكية، فيما تطور الأمر إلى اتهام ترامب بالتبعية المطلقة للنظام الروسي بقيادة فلاديمير بوتين. حدث كل ذلك، في حين أن أهم حلفاء الولايات المتحدة، بما في ذلك إدارة ترامب، قام بأكثر من التدخل في الانتخابات، وزعزع استقرار البلاد. يبين هذا المقال المطول المترجم عن مجلة جاكوبين الأمريكية، أن السعودية، المتهم الرئيس بالتورط بأحداث 11 أيلول/سبتمبر، والتي تتدخل بشكل فج في الضغط على القرار السياسي الأمريكي، بدءًا من إدارة جورج بوش وصولًا إلى إدارة دونالد ترامب، تستحق قلقًا أكثر بكثير من "الخطر الروسي" المزعوم.


تخيّل لو أن روسيا - بدلًا من القيام بما تم اتهامها بالقيام به في العام الماضي،  قامت بتمويل وتسهيل هجوم على الأراضي الأمريكية تسبب في قتل آلاف الأمريكيين. ثم تخيّل أن صُنّاع السياسة في الولايات المتحدة، بدلًا من معاقبة الكرملين من خلال قطع العلاقات الدبلوماسية، أو فرض العقوبات، أو السعي إلى اللجوء إلى القضاء، أو كل ذلك معًا، قد غطّوا تورّط روسيا في الهجوم، واستمروا في معاملتها كحليف مُخلص.

وصفت ملفات مكتب التحقيقات الفيدرالي المُتكشّفِ عنها حديثًا "الاختبار" الذي جرى عام 1999  لأحداث 11 سبتمبر، والذي نفذه عملاء الحكومة السعودية، بتذاكر اشترتها السفارة السعودية

تخيّل لو أن الرئيس الموجود وقت هذا الهجوم كان يحظى بعقود من العلاقات الشخصية والمالية الحميمة مع أعضاء من النخبة الروسية، وبعد ذلك أخرج العشرات من الرعايا الروس من البلاد قبل أن تتمكن سلطات تطبيق القانون من استجوابهم.

تخيّل أنه على الرغم من المعرفة الكاملة بأنشطة الكرملين المعادية للأمريكيين، فإن الرؤساء المتعاقبين أشادوا بحكومة روسيا الاستبدادية، وباعوا لها أسلحة، وقاموا برحلات منتظمة لتناول النبيذ والطعام مع قادتها.

تخيًل لو أن جيشًا من جماعات الضغط الروسية، عمل في كابيتول هيل، مقرّ الكونغرس الأمريكي، لضمان مسار واشنطن المؤيد للكرملين، وتمكن في النهاية من الضغط على القيادة الأمريكية لمساعدة روسيا بشكل فعّال في تنفيذ واحدة من أسوأ جرائم الحرب في هذا العقد.

تخيل لو أن دونالد ترامب، في نهاية كل هذا، ترشّح للرئاسة على مسار واضح معادٍ لروسيا، فقط لينقلب بلا خجل بمجرد انتخابه، ويقوم باحتضان القيادة الروسية والسعي خلف السياسات التي أفادتهم بحماسة أكبر مما فعل أسلافه. إنها فكرة مخيفة للغاية. لحسن الحظ، في العالم الحقيقي، لا ينطبق أيّ من هذا على روسيا. ومع ذلك، فإنه يصف المملكة العربية السعودية بدقة.

"حدث بحجم 9/11"

طالب السياسيون والمثقفون بتسمية التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأمريكية بأنه "عمل حرب". وقارنه العديد منهم بحادثة بيرل هاربور، وأعلن توم فريدمان أنه "حدث بحجم 9/11".

اقرأ/ي أيضًا: هل ستحاسب أمريكا السعودية على 11 سبتمبر؟

الحدث الذي كان بحجم 9/11 كانت حادثة 9/11 نفسها. فخمسة عشر من الخاطفين التسعة عشر كانوا مواطنين سعوديين، وتم التخطيط للهجوم من قبل إحدى العائلات الأكثر ثراءً، والمرتبطة بالسياسة في البلاد. كان للخاطفين، والذين بتنا نعرفهم الآن بفضل الكشف عن الثمانية والعشرين صفحة ضمن تقرير لجنة الحادي عشر من سبتمبر، والتي كانت محجوبة في السابق، علاقات مع أعضاء من الحكومة السعودية، بما في ذلك السفير السعودي في الولايات المتحدة، والذي ينتمي أيضًا إلى العائلة المالكة في البلاد.

وفي الآونة الأخيرة، وصفت ملفات مكتب التحقيقات الفيدرالي المُتكشّفِ عنها حديثًا "الاختبار" الذي جرى عام 1999 لأحداث 11 سبتمبر، والذي نفذه عملاء الحكومة السعودية، بتذاكر اشترتها السفارة السعودية. ولكن حتى من دون نشر هذه الصفحات في عام 2016، فإن تورّط السعودية في الإرهاب المناهض للولايات المتحدة كان سرًا مكشوفًا لفترة طويلة. قال جون ليمان، سكرتير القوات البحرية في عهد ريغان وأحد أعضاء لجنة الحادي عشر من سبتمبر، في تصريحات رسمية: "لقد كان معروفًا في دوائر المخابرات أن مكتب الشؤون الإسلامية كان بمثابة الطابور الخامس السعودي لدعم المتطرفين الإسلاميين". علاوة على ذلك، تشتبه أجهزة الاستخبارات في قيام العديد من الجمعيات الخيرية السعودية بتمويل المتطرفين، بما في ذلك مؤسسة الحرمين الإسلامية، وهي جمعية خيرية سعودية تم إغلاقها، كانت تمولها الدولة، والتي صدّرت شكلًا محافظًا أصوليًا من الإسلام، وكانت معروفة بدعمها للإرهابيين.

تُوثق برقيّات وزارة الخارجية المٌسرّبة، مخاوف هيلاري كلينتون بشأن إحجام الحكومة السعودية عن اتخاذ إجراءات صارمة ضد رُعاة الإرهاب الأثرياء. قدّم زكريا موسوي، العضو السابق في تنظيم القاعدة، شهادة بأن العائلة المالكة السعودية قدمت تبرعات كبيرة للمنظمة خلال التسعينات، وأنه ناقش تنفيذ هجوم إرهابي مع أحد موظفي السفارة السعودية. في غضون ذلك، اشتكى الكثيرون من أن المملكة العربية السعودية تقاوم الجهود الأمريكية للقضاء على تمويل الإرهاب، حتى أنها تقوم بتعطيل التحقيقات.

بعبارة أخرى، إذا كنا نتحدث عن تهديدات للأمن القومي، فإن روسيا لا تستطيع أن تنافس الفوضى التي خلقتها المملكة العربية السعودية وما زالت. لكن من غير المحتمل أن ترى أي من المسؤولين أو المواطنين الأمريكيين يتقدمون إلى الكونغرس للإدلاء بشهاداتهم حول علاقتهم مع السعوديين في أي وقت قريب. فقد دأبت مؤسسة الأمن القومي على حماية السعودية، وعدم وجود أي مساءلة بشأن تواطئهم في 11 أيلول/ سبتمبر يدلّ على ذلك.

رَوَى الصحفي فيليب شينون كيف تصرّف كيسنجر عندما سُئل في اجتماع خاص مع عائلات الضحايا إذا كان لديه أي عملاء سعوديين أو من عائلة بن لادن، فأسقط كوب قهوته وكاد يسقط هو نفسه من على الأريكة

خُذ مثلًا روبرت مولر، بطل المقاومة الحالي الذي يقود التحقيق في العلاقات المزعومة لحملة ترامب بروسيا، ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي في الوقت الذي كانت لجنة 9/11 تُجري تحقيقاتها. علم أندرو كوكبيرن أن مولر لم يشجع المُحقّق على مراجعة ملفات إدانة بمكتب التحقيقات الفيدرالي في فرع سان دييغو، ورفض طلبات المُحققّين لمقابلة أحد المُخبرين، والذي كان على مقربة من اثنين من الخاطفين. واتهم السيناتور السابق بوب غراهام، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ بعد 11 سبتمبر، مولر بأنه "يُسهّل عدم كفاءة المكتب" بتغطيته للحقيقة.

استمرت هذه الجهود لفترة طويلة بعد الهجوم. وكان يجب الضغط على إدارة بوش لإجراء تحقيق، وكان بوش قد رشّح هنري كيسنجر في الأصل لرئاسة اللجنة التي تحقق في الهجوم. وإلى جانب كونه واحدًا من أعظم الوحوش في القرن العشرين، فقد أعلن كيسنجر أيضًا في آب/أغسطس 2002 أنه "من غير المقبول تصوير المملكة العربية السعودية كدولة إرهابية".

وبحسب ما ورد، قامت مؤسسته باعتبار الشركات التي تعمل مع أفراد العائلة المالكة السعودية كعملاء تجاريين، وكانت قد راودته نفسه في وقت من الأوقات بالعمل مع (BCCI)، وهو بنك مملوك من قبل السعوديين، والذي لم يكن سوى منفذ للطموحات الجيوسياسية للعائلة المالكة.

أُجبر كيسنجر على الاستقالة من لجنة الحادي عشر من سبتمبر عندما رفض الإفصاح عن قائمة عملائه، والتي اعتقد الكثيرون أنها شملت عملاء سعوديين. رَوَى الصحفي فيليب شينون كيف تصرّف كيسنجر عندما سُئل في اجتماع خاص مع عائلات الضحايا إذا كان لديه أي عملاء سعوديين أو من عائلة بن لادن، فأسقط كوب قهوته وكاد يسقط هو نفسه من على الأريكة.

بمجرد إصدار تقرير اللجنة أخيرًا، قام الرئيس جورج دبليو بوش بحجب الصفحات الثمانية والعشرين التي تضمنت مسؤولين سعوديين. عندما تولى أوباما منصبه، وعد شخصيًا عائلات ضحايا الحادي عشر من سبتمبر أنه سيكشف عن هذه الأوراق لكنه لم يفعل ذلك. لكنه أخيرًا فعل ذلك وسط تصاعد الضغط العام وبعد أكثر من عقد من المثابرة من قِبل مجموعة من أقارب الضحايا الذين كانوا يُقاضون الحكومة السعودية.

عند إصدار الوثائق، قلّلت المؤسسة السياسية من شأن تفاصيلها بأنها مجرد "معلومات استخباراتية غير مُعالَجة" لم يتم إثباتها. قارِن ذلك بالقبول المُتلهّف للادعاءات العنيفة التي لم يتم التحقق منها في ملف ترامب، أو التأكيدات التي أطلقها مجتمع الاستخبارات حول التدخل الروسي في الانتخابات. علاوة على ذلك، قال العديد من أعضاء لجنة 11 سبتمبر، إنهم يعتقدون بوجود مسؤولين سعوديين متورطين في الهجوم.

بندر بوش

قد يجد كل من يبحث في خيوط الشبكة المتداخلة في العلاقات الروسية، الحقيقية منها والمضخمة، مع عدد من المسؤولين في إدارة ترامب، أن روابط إدارة بوش مع السعوديين، أكثر إثارة للقلق مما هي بين ترامب والروس.

أولًا، ترتبط عائلة بوش بعلاقات تجارية مع عائلة بن لادن، بدأ جورج دبليو عمله الأول، في شركة آربوستو إنيرجي (Arbusto Energy)، بتمويل من الرجل الذي تم تعيينه ممثل هيوستن عن سالم بن لادن، الأخ غير الشقيق لأسامة. لم يكن سالم متدينًا متطرفًا، لكنه ساعد شقيقه في شراء صواريخ أرض جو للمجاهدين في أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي.

اقرأ/ي أيضًا: أدلة إضافية ضد مملكة الإرهاب.. تدريبات على "غزوة مانهاتن" بأموال السعودية

ولم تكن هذه العلاقة استثنائية كما تبدو، بل جزءًا واحدًا فقط من العلاقات المالية والتجارية التي نسجت على مر عقودٍ بين عائلة بوش والعديد من السعوديين الأثرياء ذوي النفوذ الواسع، كما هو مفصلٌ في كتاب  كريغ أنجر "آل بوش، آل سعود" (House of Bush, House of Saud).

وكان أكثرهم إثارةً لاهتمام، الأمير بندر، أحد أفراد العائلة المالكة، سفير المملكة لدى الولايات المتحدة في الفترة من 1983 إلى 2005، والرئيس السابق للمخابرات السعودية. وكل من اطلع على ملف الصفحات الثمانية والعشرين على موقع (28pages.org) حول 9/11، سيدرك أن بندر هو المسؤول السعودي رفيع المستوى، الذي منح، مع زوجته، المال للمتطرف الذي تفاخر بمساعدة اثنين من الخاطفين في هجمات 11 سبتمبر/أيلول، وكان لديه أيضًا أرقام الهواتف التي ظهرت ضمن قائمة اتصالات أحد أعضاء القاعدة المعتقلين في باكستان.

لكن إذا كنتَ تنتمي إلى عائلة بوش، فستعرف عن بندر أشياء أخرى. لقد كان يتمتع بعلاقة جد حميمية مع بوش إلى درجة لُقِب باسم "بندر بوش". وبصفته من الأصدقاء المقربين لبوش الأب لفترة تزيد عن عشرين سنة، دأب بندر وجورج هربرت ووكر بوش، على الصيد البري وصيد السمك معًا، وتبرع بندر بمليون دولار إلى مكتبة بوش الرئاسية. وكتب بندر إلى بوش الأب عندما اتضح أن نتائج انتخابات 1992 تتسرب من قبضة هذا الأخير: "أنت صديقي مدى الحياة"، مضيفًا "أشعر وكأنني أحد أفراد عائلتك، فأنت مثل أحد أفراد عائلتنا".

عندما كان بوش الابن يفكر في ترشحه للرئاسة، حثه والده على التشاور مع بندر حول الشؤون العالمية، وفق ما ذكره الكاتب والصحفي بوب وودوارد:

أولًا، إنه صديقنا. وما أعنيه بصديقنا، هو أنه صديق أمريكا وليس صديق عائلة بوش فحسب. ثانيًا، يعرف كل الشخصيات والجهات ذات النفوذ في جميع أنحاء العالم. وثالثًا، سيعطيك وجهة نظره حول ما يراه يحدث في العالم، وربما بوسعه أن ينظم لك اجتماعات مع الشخصيات البارزة في جميع أنحاء العالم.

حافظ بوش الابن على تلك الصداقة في فترة رئاسته، وعندما تبين في عام 2002 أن أحد المحللين الخواص المعادين للسعودية قدم عرضًا إلى مجلسٍ استشاريٍ في البنتاغون، دعا الرئيس بوش بندر وعائلته إلى مزرعته في كراوفورد، تكساس، وأكد له أن العرض لا يعكس وجهات نظره. ودافع كيسنجر، الذي حضر اللقاء، هو أيضًا بشدة عن السعوديين، مثلما أبدى وزير الخارجية آنذاك كولن باول، الذي كان شريك بندر في لعبة المضرب، وحصل على سيارة جاغوار عام 1995 كهدية منه، بعد استنكاره لنظيره السعودي عن فحوى التقرير.

كان بندر من بين الشخصيات الأولى التي أبلغها بوش بقرار غزو العراق. وتلقى إحاطات حول تخطيط الحرب قبل الغزو، وقد حضر اجتماعات في البيت الأبيض حتى بعد أن ترك منصبه كسفير، حسبما أفادت به مصادرة عدة.

بالنسبة للمشككين، كان ذلك بكل بساطة دليلًا على أن إدارة بوش كانت "غير مكترثة إلى حد كبير بمظهر سوء التصرف".

والأكثر إثارة للدهشة، في حادثةٍ لم تحظ بتفسيرٍ مرضٍ إلى يومنا هذا، التقى بوش سرًا ببندر في 13 أيلول/ سبتمبر2001، ودخن الرجلان السيجار في شرفة ترومان Truman Balcony. بعد ساعات من اجتماعهما، وبينما كانت الرحلات الجوية لا تزال مقيدة إلى حدٍ كبيرٍ، ولم يسمح حتى للطائرات التي تحمل أعضاءً للعمليات الجراحية الخاصة بزرع الأعضاء بدخول الولايات المتحدة، نقلت طائرات مستأجرة 160 مواطنًا سعوديًا (بما في ذلك أفراد من العائلة المالكة السعودية وعائلة بن لادن) خارج البلاد، يرافقهم عملاء المكتب الفدرالي FBI. وفي الوقت نفسه، كان العملاء الفيدراليون يتأهبون لتنفيذ عمليات مداهمة، لتوقيف واحتجاز لأجل غير مسمى أكثر من 1200 مسلم بريء.

ورغم أن لجنة الحادي عشر من سبتمبر اعتبرت أنه لا يوجد أي تصرف غير لائقٍ، إلا أن البيت الأبيض استمر في رفضه إخبار اللجنة، منْ هي الجهة التي سمحت بالرحلات الجوية، في حين نفى متحدث باسم مكتب التحقيقات الفيدرالي أن يكون المكتب متورطًا في الموضوع، رغم تصريح بندر للصحافيين بما يفيد عكس ذلك. في وقتٍ لاحقٍ، ادعى ريتشارد كلارك، "قيصر" مكافحة الإرهاب في إدارة بوش أنه وافق على الرحلات الجوية بسبب مخاوف البيت الأبيض من الانتقام ضد المواطنين السعوديين، لكنه لم يتذكر منْ المسؤول، أو حتى الوكالة التي قدمت له الطلب. وطيلة ثلاث سنوات، أصرّ البيت الأبيض على عدم قيام رحلة واحدة من تلك الرحلات.

والأهم من ذلك، لم يستجوِب المحققون معظم الركاب، وكان أحد الأشخاص الذين تم إخراجهم من البلاد، الأمير أحمد بن سلمان، أحد أباطرة الإعلام، ومالك خيل مخصص للسباق، الذي عُثر بعد سنوات على أرقام هواتفه عند الإرهابي أبو زبيدة، الذي قدمها إلى محققين معتقدًا بأنهم سعوديون. وشعورًا منه بالارتياح كونه بين أيدي السعوديين، نصح المحققين بالاتصال بالأمير، مضيفًا: "سوف يخبركم بما يجب القيام به".

كان بندر من بين الشخصيات الأولى التي أبلغها بوش بقرار غزو العراق. وتلقى إحاطات حول تخطيط الحرب قبل الغزو، وقد حضر اجتماعات في البيت الأبيض حتى بعد أن ترك منصبه كسفير

بعد مرور عامٍ على ما ذكره تقرير لجنة الحادي عشر من سبتمبر بأن "المخابرات حددت السعودية كمصدر أساسي لتمويل القاعدة قبل وبعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول"، وأن بوش اطلع على الصفحات الثماني والعشرين الملغمة وقام بحذفها، وجه بوش الدعوة إلى ولي العهد السعودي آنذاك، الأمير عبد الله لزيارته بمزرعة كراوفورد، وأمسك الرجلان يد بعضهما البعض، وأصدرا بيانًا يؤكد "صداقتنا الشخصية والصداقة بين بلدينا".

اقرأ/ي أيضًا: القصة الكاملة لسقوط مستشار ترامب للأمن القومي

تظل التفاصيل الدقيقة حول ما فعلته الحكومة السعودية أو لم تفعله بشأن 11 سبتمبر غير مؤكدة، والسبب ببساطة لأنه لم يتم التحقيق فيها بشكل كامل. وقال جون ليهمان، الأمين العام للبحرية الأمريكية السابق، إن "الملف أغلِق قبل إجراء تحقيق مع جميع العناصر ذات الصلة"، في حين ادعى السيناتور السابق بوب كيري أن اللجنة لم يكن لديها الوقت والموارد الكافية "لمتابعة مسار لتحقيق الكامل في المملكة العربية السعودية"، واتهم حكومة بلده بالتغطية على دور الحكومة السعودية.

تمامًا مثل دور روسيا في حملة ترامب، لا تزال أشياء كثيرة غير واضحةٍ حول الدور الدقيق للطبقة الحاكمة السعودية في هذه الهجمات. ومنذ عام 2003، عندما نفذ تنظيم القاعدة هجومًا في المملكة العربية السعودية، تفيد مصادر بأن سلطات البلاد أصبحت أقل عرقلة وأكثر استعدادًا للدخول في شراكة مع الولايات المتحدة لتوقيف الإرهابيين.

ومع ذلك، إذا افترضنا استبدال "المملكة العربية السعودية" بـ "روسيا" في هذا الرواية، سرعان ما يصبح موضوعًا يعج بفضائح تحبس الأنفاس، وعواصف من التغريدات التي لا تنتهي، وإدانة شديدة. رغم ذلك، لن تواجه إدارة بوش على الإطلاق نفس المستوى من التدقيق أو الهستيريا على علاقاتها مع السعوديين، مثلما يتعرض له ترامب ودائرته المقربة الآن على اتصالاتها الروسية. وليس من الصعب معرفة السبب: الأمر مماثلٌ في واشنطن.

رومانسية تشمل الحزبين

سيحدث الشيء نفسه إذا اقتصرت العلاقات التفضيلية التي تتمتع بها السعودية على إدارة واحدة، مثلما هو الأمر بالنسبة لعلاقات ترامب المزعومة مع الروس. لكن في الوقت الذي أظهر خلاله بوش وعائلته مدى السعة والوقاحة الفجة لصلاتهم مع السعودية، كان الولاء للمملكة العربية السعودية على الدوام قاسمًا مشتركًا بين الحزبين في الولايات المتحدة.

في ما أصبح بمثابة علامته الرئاسية الخاصة، قال أوباما كل ما كان ينبغي قوله بشأن المملكة العربية السعودية. وصفها بـ"ما يسمى" حليفًا في عام 2002، وانتقد قمع الدولة وكراهية النساء واحتقارهن، وأعرب عن مخاوفه بشأن تمويلهم للأيديولوجية الأصولية، لكنه عمليًا فعل عكس كل ذلك بالضبط.

تظل التفاصيل الدقيقة حول ما فعلته الحكومة السعودية أو لم تفعله بشأن 11 سبتمبر غير مؤكدة، والسبب ببساطة لأنه لم يتم التحقيق فيها بشكل كامل

سعى على الفور لتحسين العلاقات مع الملك السعودي الجديد وعرض على السعوديين مبيعات من الأسلحة أكثر من أي إدارة سابقة، وبذل كل الجهود الممكنة لمنع عائلات ضحايا الحادي عشر من سبتمبر من مقاضاة الحكومة السعودية، من خلال استخدام حق النقض ضد التشريعات التي سمحت لهم بالقيام بذلك. (لقد تجاوز الكونغرس عن حقه في النقض). وقد دعم الحرب الإجرامية التي يخوضها السعوديون في اليمن، والتي تسببت في أسوأ مجاعة في التاريخ الحديث.

ومع ذلك، أكد لنا النقاد بأن أوباما كان "غاضبًا" و"محبطًا" من السعوديين، ووعد المحللون بأن كلماته المعتدلة "تؤدي إلى توجهات جديدة في السياسة الأمريكية".

أو يمكن إلقاء نظرة على الزوجين كلينتون. "هذه هي المرة الأولى التي نتعرض فيها لهجوم من قبل خصمٍ أجنبيٍ، دون أن يتعرض هذا الخصم لأي عواقب حقيقية"، هذا ما صرحت به هيلاري كلينتون في مناسبتين منفصلتين هذا العام، خلال انتقادها للقرصنة الروسية. لكن يبدو أن كلينتون قد نسيت المملكة العربية السعودية، التي نفذ مواطنوها هجومًا حقيقيًا على الولايات المتحدة، دون أن يتحملوا أي عواقب على الإطلاق، بل جرت مكافأتهم.

لكن ليس من المستغرب أن يسقط موضوع السعوديين من ذهن كلينتون، بالنظر لما أظهروه من كرم تجاه أسرتها على مر السنين. وكانت العائلة المالكة أكثر المانحين الأجانب سخاء لمكتبة بيل الرئاسية، عن طريق منحها حوالي 10 ملايين دولار، وهو نفس المبلغ الذي قدموه إلى بوش الأب، حسب بعض الإفادات، وقد تبرعوا أيضًا بمبلغ يتراوح بين 10 و25 مليون دولار لمؤسسة كلينتون، حصلوا في أعقابها على زيادة ملحوظة في مبيعات الأسلحة من وزارة الخارجية بقيادة هيلاري كلينتون.

اعترفت هيلاري بنفسها في لقاءات خاصة، بدور السعوديين في تمويل الإرهاب، بعد سنوات من احتفال مساعديها بمبيعات الأسلحة إلى النظام السعودي. في الوقت ذاته، كان توني بوديستا، شقيق مدير حملة كلينتون والمقرب من جون بوديستا، يعمل في جماعة الضغط لصالح السعوديين. في هذه الأثناء، حثّ مركز التقدم الأمريكي الذي يديره كلينتون وحليف كلينتون مايك موريل، على تجديد الالتزام بدعم المملكة العربية السعودية قبل أسابيع قليلة من الانتخابات، ولا عجب أن يتطلع السعوديون إلى رئاستها.

تصطف جماعات الضغط في واشنطن، وليس فقط الشقيقان بوديستا،  لخدمة المصالح السعودية مقابل سخاء الحكومة. لقد وظفت العائلة المالكة ما لا يقل عن 15 شركة حتى الآن، مع التحاق ما لا يقل عن ستة شركات منذ عملية التنصيب، وللعديد من هذه الشركات صلات بأعضاء ينتمون للحزبين في المؤسسات الديمقراطية والجمهورية.

اقرأ/ي أيضًا: ترامب الفاضح للحلفاء.. المفيد للأعداء!

كما قال جوش ستيوارت، من مؤسسة Sunlight لصحيفة واشنطن بوست: "دائمًا تُعتبر المملكة العربية السعودية واحدة من أكبر الأطراف الفاعلة عندما يتعلق الأمر بالنفوذ الأجنبي في واشنطن"، وذلك من خلال استخدام جماعات الضغط التابعة لها لاستمالة السياسيين وتأمين التغطية الإعلامية الإيجابية. وبالطبع، على عكس الممارسات الشائنة المزعومة لحملة ترامب، فإن هذا التدخل والمعاملة التفضيلية يتم في العلن.

عقود من الصلات الوطيدة بالإدارة

في نهاية المطاف، سُمِح للحكومة السعودية بالإفلات من هذه الأمور، بسبب احتياطياتها النفطية الهائلة. لكن لعقود من الزمان، حاول السعوديون أيضًا، بكل وعي منهم، التودد إلى المسؤولين الأمريكيين، الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء. بدءًا من قرارهم المفاجئ في عام 1992 بمنح الملايين لمعهد أكاديمي في أركنساس قبل شهرٍ فقط من فوز حاكم ولاية أركنساس بيل كلينتون آنذاك، بالرئاسة، إلى تبرعاتهم في ثمانينيات القرن الماضي للمبادرات التي قادتها نانسي ريغان وباربارا بوش، ووصولًا إلى شرائهم في السبعينات بنك جورجيا، الذي سرعان ما نتج عنه، حصول جيمي كارتر على إعادة هيكلة قرض شخصي. لقد كانت السيولة النقدية السعودية دعامة أساسية للسياسة الأمريكية لأجيال بأكملها.

في ظروفٍ عاديةٍ، كان من شأن هذا المستوى من النفوذ الطويل الأمد، والتودد لبلد أجنبي، أن يثير الشكوك ويستدعي التحقيق فيه، خاصة عندما يكون البلد المعني قد سهّل الطريق لمصالح  معادية للولايات المتحدة لفترة طويلة، لكن صورة السعوديين ظلت محمية منذ فترة طويلة من قبل وسائل إعلام مرنة، مما عزز جهود المملكة في مجال تنمية العلاقات العامة العالمية.

حظي بندر بانتظام بمقالات الإطراء، مثل هذه، من الصحف الكبرى، ووصف على أنه "غاتسبي العرب". وقد أمضى كتاب الأعمدة مثل "دافيد إغناطيوس" من صحيفة واشنطن بوست سنوات في كتابة مقالات تمجيد، تُبيض سجل الحكومة السعودية المروع في مجال حقوق الإنسان، حتى إن بعضهم انتهى به المطاف بالعمل لدى الحكومة السعودية.

في الآونة الأخيرة، واجهت صحيفة نيويورك تايمز الكثير من الانتقادات المبررة بسبب نشرها مقالة ترسم فيها صورة لولي العهد الحالي للبلاد، في خضم جرائم الحرب في اليمن والتطهير السياسي في الداخل، كمصلحِ بعيد النظر. ومن هو كاتب هذه المقالة؟ توم فريدمان، الذي يبدو أنه غاضب من "حادثة بحجم أحداث 9/11" أكثر من غضبه من أحداث الحادي عشر من سبتمبر الفعلية.

وكما وثَّق المؤرخ عبد الله العريان مؤخرًا، فإن رسالة حب فريدمان ما هي إلا آخر حلقة في سلسلة من مقالات تايمز التي تعود إلى سبعين عامًا وتصف الحكام السعوديين المتعاقدين "بالإصلاحيين" و"التحديثيين". وبينما يدفع السعوديون بانتظام للحصول على التغطية المناسبة لهم، فليس هناك أثر واحد على أنهم منحوا "السيدة الرمادية" يومًا ولو فلسًا واحدًا على هذه المقالات المتملقة.

من يمتلك ترامب؟

قد يجسد دونالد ترامب أفضل صورة عن التباين بين الطريقة التي تبدو فيها المملكة العربية السعودية وروسيا في وعي الجماهير. ويُعتقد على نطاقٍ واسعٍ أن ترامب مجرد دمية بين يدي فلاديمير بوتين، إِذْ يعمل على تقويض الولايات المتحدة من الداخل بإيعاز من سيده في الكرملين. ويشير المتهِمون إلى خطابه الودود تجاه بوتين، ومصالحه التجارية العديدة في روسيا، وبالطبع، التدخل الروسي المزعوم في حملة ترامب.

ربما يتبين يومًا أن كل ذلك صحيح. ولكن إذا كانت "روسيا تمتلك ترامب"، ففي هذه الحالة لم يحصل بوتين إلا على عائدات زهيدة مقابل امتلاكه ترامب.

منذ أن أصبح ترامب رئيسًا، وسعت إدارته من نطاق العقوبات ضد روسيا، واستمرت في تقديم الدعم اللفظي والمادي إلى أوكرانيا، (وقد أبدى علانيةً بعض التلميحات عن إرسال أسلحة إلى أوكرانيا، وهو تصعيدٌ ملحوظٌ بالمقارنة مع سياسة أوباما)؛ وقصف حليف روسيا، النظام السوري؛ وأسقط طائرة حربية سورية، مما أدى إلى تزايد سلسلة التهديدات بين الولايات المتحدة وروسيا. وأجبر قناة آر تي RT الإخبارية الروسية التي تموّلها الدولة، على التسجيل كعميلٍ أجنبيٍ، مما أثار ردًا انتقاميًا من الكرملين.

يقول المبعوث الخاص لترامب المكلف بإنهاء الصراع الأوكراني، إن العلاقات الأمريكية الروسية لا تزال في أسوأ حالاتها. ووفقًا لما ذكره ديمتري سكوربوتوف، المحرر السابق في وكالة أنباء روسيا التي تديرها الدولة، والذي انتقد تغطية وسائل الإعلام الروسية الرسمية المؤيدة لترامب، "فقد خابت آمال السلطات الروسية التي عوّلت على الدعم المالي والإعلامي، لجعل ترامب روسيًا حقًا".

اقرأ/ي أيضًا: أدلة تؤكد تدخل روسيا في انتخابات أمريكا.. والمعركة تنتقل إلى السوشال ميديا

والآن لنقارن هذا بعلاقة ترامب مع المملكة العربية السعودية. أثناء الحملة الانتخابية، كان ترامب ناقدًا شديد اللهجة للسعودية، واشتكى من اضطراره إلى دعم المملكة العربية السعودية عسكريًا، وتمسك بقصة المواطنين السعوديين الذين تم ترحيلهم جوًا خارج الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، واتهم السعوديين بالتعصب الأعمى و"تمويل الكراهية"، واتهم  الأمير الوليد بن طلال الذي وصفه "بالبلادة والغباء" بالسعي إلى "السيطرة على السياسيين الأمريكيين بأموال والده". وكتب قائلاً، "لا يمكنني أن أفعل ذلك عندما أُنتخَب".

حتى أنه أشار إلى احتمال وجود علاقة تربط السعودية بأحداث منهاتن. وتساءل قائلًا: "من الذي قام بتفجير مركز التجارة العالمي؟ لم يكن العراقيون من فعلوا ذلك، بل كان السعوديون. ألقوا نظرة على المملكة العربية السعودية، واطلعوا على الوثائق"، وفقًا لما جاء في تصريحه للبرنامج التلفزيون الصباحي "فوكس آند فريندز "في شهر شباط/ فبراير الماضي.

لكن بمجرد توليه الرئاسة، اتخذ ترامب منعطفًا للخلف. واختار البلد الذي اتهمه مؤخرًا بتنفيذ هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر ليكون أول محطة لجولته الخارجية كرئيس، على العكس من أسلافه الرؤساء الخمسة الذين بدأوا جوالاتهم الخارجية بالسفر أولًا إلى كندا أو المكسيك. وبمجرد وصوله إلى هناك، شارك بسعادة في رقصة السيف، ولمس مجسمًا مضيئًا للكرة الأرضية، وانحنى برأسه لتلقي ميدالية من الملك، وهو الأمر الذي سخر منه عندما قام أوباما بفعله قبل سنوات. ثم أغدق بالثناء على السعودية في خطاب رئيسي عقد في الرياض، في تناقض صريح لحرصه المألوف على استخدام مصطلح "الإسلام المتطرف"، لكيلا يسيء إلى مضيفيه.

وقد أبقى بكل إخلاص (وسخرية) المملكة العربية السعودية بمنأى عن قراره بحظر الهجرة المثير للسخرية بالفعل، والذي يفترض أنه يندرج ضمن سياسة مكافحة الإرهاب. عندما أخبره السعوديون وحلفاؤهم بأن قطر تموّل الإرهابيين، أيد علنًا وبحماسة محاولتهم لعزل ومقاطعة قطر، مما أجبر وزارة الخارجية على إخماد حريقٍ آخر ساهم في إشعاله. وقد زاد من حدة السياسة التي اتبعها أوباما في تسهيل جرائم الحرب التي ترتكبها السعودية في اليمن، وأظهر جميع الأدلة التي تشير بكل وضوح إلى استمراره في بيع أسلحة بمليارات الدولارات إلى السعودية، وفي الآونة الأخيرة، شجع على تعزيز سلطة ولي العهد.

وهل هناك مبرر للمفاجأة؟ يمتلك ترامب مصالح تجارية واسعة في المملكة العربية السعودية، بما في ذلك ثماني شركات تتمثل في حصص وأسهم استثمارية فندقية سجلها فور إعلانه عن حملته للترشح للرئاسة. وتعهدت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بمنح مبلغ 100 مليون دولار لصندوق ابنته المتخصص في دعم سيدات الأعمال. تمتلك المملكة العربية السعودية الطابق الخامس والأربعين من برج ترامب الدولي، ويعد أحد المعينين في فريق ترامب وكيلًا مسجلًا يعمل لصالح المملكة العربية السعودية.

يمتلك ترامب مصالح تجارية واسعة في المملكة العربية السعودية، بما في ذلك ثماني شركات تتمثل في حصص وأسهم استثمارية فندقية سجلها فور إعلانه عن حملته للترشح للرئاسة

بعبارة أخرى، هناك أدلة أكثر بكثير تؤكد على أن ترامب دمية سعودية أكثر من كونه دمية روسية، لكنك لن تسمع الديمقراطيين يوجهون هذا الاتهام، وكيف يمكنهم ذلك، وهم يدركون أن أي انتقاد للعلاقات مع المملكة العربية السعودية سيكون بمثابة نقد لمؤسسة السياسة الخارجية التابعة لحزبهم؟

سعوديغيت

حدث شيءٌ مريبٌ للغاية بين حملة ترامب وروسيا، وبالقليل من الحظ سوف نكتشف يومًا ما ماذا حدث بالضبط. لكن لا يزال من المدهش أن يتم التعامل مع التدخل الروسي المزعوم على أنه حدثٌ مروعٌ، في حين أن تدخّلًا مماثلًا وأكثر خبثًا حدث من قبل المملكة العربية السعودية على مدى عقود يحظى  بتجاهل من الجميع.

نجحت المملكة العربية السعودية على مدى ثلاثة عقود في فرض نفسها ببراعة على أعلى مستويات السلطة في الولايات المتحدة. لقد قدمت الطبقة الحاكمة في المملكة العربية السعودية خدمات متتالية لصالح المسؤولين الأمريكيين، واستمالت تعاطف وإطراء كبار المسؤولين والصحفيين، وأغدقت بتبرعات متواصلة، تقدر بملايين الدولارات لمجموعة من صناع القرار من الحزبين، بما في ذلك اثنين من العائلات السياسية البارزة في البلاد، والحصول في المقابل على الدعم من الولايات المتحدة.

وقد فعلت كل ذلك، في الوقت الذي تنشر فيه المملكة الفكر الأصولي بشكلٍ صريحٍ وتقدم المساعدات للمتطرفين في تنفيذ الهجمات على الأمريكيين، وعلى الرغم من نفور جمهور الناخبين من النظام. وهذا بدون حتى الإشارة إلى تورط حكومة البلاد والعائلة المالكة في أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، أو محاولات إدارة بوش المريبة لحمايتها من التحقيق، فيما لم يخضع أي منهما لتحقيقات كاملة.

مهما كان ما حدث بين ترامب وروسيا سيظل سرًا في الوقت الحالي، لكن تدخل المملكة العربية السعودية ظل معلنًا منذ فترة طويلة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مخلفات الحرب.. آلاف المعاقين في جنوب اليمن

تاريخ تدخّل الـ "CIA" في انتخابات الآخرين.. تكتيك واشنطن ضد خيارات الشعوب