كشف تحقيق استقصائي نشره موقع "ذي إنترسبت" الأميركي عن جهود منظمة يقودها خريجو جامعة كولومبيا الموالون لإسرائيل لاستهداف الطلاب والناشطين المؤيدين لفلسطين داخل الحرم الجامعي، في محاولة لدفع السلطات الأميركية إلى ترحيلهم أو اتخاذ إجراءات قانونية ضدهم.
يأتي ذلك في أعقاب إصدار الرئيس دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا بترحيل الطلاب الدوليين المشاركين في الاحتجاجات المناهضة للحرب على غزة، وهو القرار الذي أثار مخاوف كبيرة من استهداف ممنهج للطلاب المسلمين والعرب تحت ذريعة ارتباطهم بحركة حماس.
تزامن هذا التصعيد مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حيث ركزت مجموعات الضغط الموالية لإسرائيل على استغلال سياسته الصارمة في الهجرة لاستهداف المنتقدين للحرب الإسرائيلية على غزة
مجموعة "واتساب" سرية تقود عمليات الإبلاغ عن الطلاب
بحسب التقرير، فإن مجموعة على تطبيق "واتساب" تحمل اسم "خريجو كولومبيا من أجل إسرائيل"، والتي تضم أكثر من ألفعضو من خريجي الجامعة وأساتذتها وطلابها الحاليين، باتت مركزًا رئيسيًا لتنسيق الجهود ضد المتظاهرين المؤيدين لفلسطين. تظهر المراسلات داخل المجموعة أن أعضاؤها ناقشوا كيفية التعرف على الطلاب المؤيدين للقضية الفلسطينية، لا سيما الحاصلين على تأشيرات دراسية، بهدف التبليغ عنهم لدى سلطات الهجرة الأميركية.
وأحد أبرز التعليقات داخل المجموعة جاء من لين بورسكي-تمام، الأستاذة السابقة في كلية المعلمين بجامعة كولومبيا، التي كتبت: "التعرف على طلاب كولومبيا المتعاطفين مع حماس هو المفتاح لترحيل من يحملون تأشيرات طلابية".
📌 انتقد أكاديميون وحقوقيون ونشطاء إدارة جامعة كولومبيا بعد أن أعلنت أستاذة القانون "كاثرين فرانك" أن إدارة الجامعة ضغطت عليها للتقاعد بسبب انتقاداتها الصريحة لإسرائيل، ودعمها للاحتجاجات الطلابية المؤيدة للفلسطينيين في الحرم الجامعي.
📌 قالت فرانك إن الجامعة تحولت إلى بيئة "سامة… pic.twitter.com/bgeT7wnMDZ
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) January 14, 2025
رد فيكتور موسلين، وهو خريج آخر وناشط مؤيد لإسرائيل، قائلًا: "إذا كانت هناك صور لشخص تحتاجين إلى التعرف عليهم (حتى لو كان وجهه محجوبًا جزئيًا)، لديّ إمكانية الوصول إلى تقنية قد تساعد في ذلك. أرسلي رسالة خاصة".
بعد ذلك بأيام، نشر أحد الأعضاء رابطًا لخط المساعدة التابع لإدارة الهجرة والجمارك الأميركية (ICE) وكتب: "حان وقت العمل."
تحريض على الاعتقال والترحيل بدعوى "جرائم كراهية"
لم تقتصر الحملة على المراقبة الإلكترونية، بل امتدت إلى محاولات حثيثة لتحويل نشاط الطلاب إلى قضايا جنائية. ففي أواخر كانون الثاني/يناير الماضي، شارك أحد الأعضاء رابطًا لمقال عن احتجاج طلابي تخلله طلاء شعارات على مبنى جامعي وإلقاء الإسمنت في شبكة الصرف الصحي، لإحياء ذكرى استشهاد الطفلة الفلسطينية هند رجب على يد الجيش الإسرائيلي في غزة.
جاء الرد من بورسكي-تمام مرة أخرى، متسائلة: من يمول المتظاهرين؟ وكتبت: "اعتقالهم بتهمة جرائم الكراهية لا يكفي. علينا التخلص منهم."
ورغم أن بورسكي-تمام رفضت التعليق على التقرير، فإن التسريبات تكشف وجود جهود منسقة لملاحقة الطلاب قضائيًا وأمنيًا، عبر التواصل مع سلطات إنفاذ القانون، بما في ذلك الشرطة الفيدرالية (FBI)، وإدارة الهجرة والجمارك (ICE).
استغلال ولاية ترامب لتصعيد الحملة ضد الناشطين المؤيدين لفلسطين
تزامن هذا التصعيد مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حيث ركزت مجموعات الضغط الموالية لإسرائيل على استغلال سياسته الصارمة في الهجرة لاستهداف المنتقدين للحرب الإسرائيلية على غزة، عبر تصنيفهم كـ"إرهابيين محتملين"، من أجل إلغاء تأشيراتهم وإبعادهم عن الولايات المتحدة.
جامعة #كولومبيا تتجاهل الاعتداء الذي جرى على مظاهرة الطلبة الداعمة لـ #فلسطين في حرمها.
تفاصيل أكثر: https://t.co/z78QMD7Qxo pic.twitter.com/wqBLL4DpX9
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) January 23, 2024
علق المدير التنفيذي للجنة الأميركية العربية لمناهضة التمييز، عبيد أيوب، على هذه التطورات، قائلًا: "ما يحدث هو محاولة منظمة لإسكات وقمع المتظاهرين وسلبهم حقهم الدستوري في حرية التعبير. إنه سابقة خطيرة للغاية."
تواطؤ إدارة جامعة كولومبيا؟
رغم تصاعد هذه الجهود لاستهداف الطلاب، لم تتخذ إدارة جامعة كولومبيا أي موقف واضح حتى الآن. أظهر التقرير أن بعض أعضاء مجموعة "واتساب"، أكدوا تواصلهم المباشر مع إدارة الجامعة، بمن فيهم رئيس الجامعة المؤقت، أعضاء مجلس الأمناء، كبار المتبرعين، ونواب الرئيس التنفيذيين.
في إحدى الرسائل المسربة، كتبت عميدة مساعدة في قسم الخدمات المهنية بالجامعة، هيذر كراسنا: "هناك أسباب تجعل بعض هذه الجهود غير معلنة. إذا تم الكشف عنها، قد يتم طرد بعض الأفراد من وظائفهم."
كما حذرت كراسنا من أن الكشف العلني عن هذه المحاولات قد يضر بالقضية، لأنه سيعطي للأساتذة المؤيدين لفلسطين "أسلحة سياسية" للتنديد بالتدخلات الخارجية في شؤون الجامعة.
حملة تشهير تستهدف الطلاب والأساتذة
إلى جانب التواصل مع سلطات الهجرة، كشف التقرير عن تعرض العديد من الطلاب المذكورين في المجموعة لحملة تشهير علني عبر منصات مختلفة، حيث قامت منظمة "Canary Mission" بنشر ملفات تعريفية عن الطلاب الناشطين في الحركات المناهضة للصهيونية، في حين شارك أحد أعضاء المجموعة في صفحة "توثيق كراهية اليهود في حرم كولومبيا" على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي استهدفت المتظاهرين المؤيدين لفلسطين. كما أرسلت منظمة "بيطار" الصهيونية قائمة بأسماء بعض الطلاب إلى البيت الأبيض وإدارة الهجرة والجمارك (ICE)، مطالبة بترحيلهم، ما يعكس تصاعد الضغوط ضد الناشطين داخل الجامعات الأميركية.
جاء فض الاعتصام ضمن حملة من القمع والاعتقالات تشمل العديد من الجامعات في أميركا، كانت ذروتها إخلاء شرطة المدينة حرم #جامعة_كولومبيا بالقوة. pic.twitter.com/IqRDQOOogF
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) May 1, 2024
ردود فعل وانتقادات واسعة
أثار التقرير ضجة في الأوساط الأكاديمية والحقوقية. يوم الخميس، نشر أستاذان في جامعة كولومبيا مقالًا رأيًا يطالبان فيه الجامعة بإدانة حملات التحريض ضد الطلاب، واتخاذ إجراءات لحماية أعضاء هيئة التدريس من استهدافهم بسبب مواقفهم السياسية.
وعلقت المحامية في منظمة الحقوق المدنية "فلسطين ليغال"، سابيا أحمد، قائلة: "الاستثناء الفلسطيني من الحماية الدستورية بموجب التعديل الأول ليس بالأمر الجديد، لكن تصعيد القمع في الجامعات أصبح أكثر وضوحًا الآن".
وأضافت: "الجامعات الأميركية، بما فيها كولومبيا، مهدت الطريق لهذه الممارسات منذ ما قبل تنصيب ترامب. العقوبات على الطلاب بدأت منذ العام الماضي، عندما بدأت إدارات الجامعات باتخاذ إجراءات تأديبية ضدهم، واستدعاء الشرطة إلى الحرم الجامعي، وتعريضهم للخطر".
هل تستجيب جامعة كولومبيا؟
وأشار التقرير إلى أنه لحد الآن، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت إدارة جامعة كولومبيا ستتخذ خطوات لمعالجة هذه الحملة، أو ستواصل التزام الصمت. ولكن مع تنامي الضغوط الحقوقية والإعلامية، يبدو أن القضية ستظل محور نقاش ساخن حول حرية التعبير وحقوق الطلاب في الجامعات الأميركية، في ظل تصاعد حملات القمع ضد الأصوات الداعمة لفلسطين.