08-أغسطس-2020

مشهد سياسي جديد تسعى الولايات المتحدة لفرضه شرق الفرات (Getty)

تشهد منطقة شرق الفرات تطوّرات لافتة تمثّلت في انطلاق الجولة الثانية من الحوار الكرديّ – الكرديّ الذي ترعاه الولايات المتّحدة الأمريكية، وتسعى من خلاله إلى توحيد الصفّ الكرديّ من خلال تشكيل مرجعية سياسية موحّدة تمثّل الأكراد في مفاوضات جنيف التي ترعاها الأمم المتّحدة من جهة، والعمل انطلاقًا من هذه الخطوة على تحقيق تقارب بين المعارضات السورية المتعدّدة تمهيدًا لدفعها إلى التوحّد ضمن جسمٍ سياسيّ وعسكريّ موحّد من جهةٍ أخرى.

تشهد منطقة شرق الفرات تطوّرات لافتة تمثّلت في انطلاق الجولة الثانية من الحوار الكرديّ – الكرديّ الذي ترعاه الولايات المتّحدة الأمريكية

الحوار القائم بين أكبر كيانين سياسيين كرديين في سوريا، هما "المجلس الوطنيّ الكرديّ" وأحزاب "الإدارة الذاتية" المسمّاة مؤخّرًا أحزاب "الوحدة الوطنية الكردية" بقيادة حزب "الاتّحاد الديمقراطي" الذي تشكّل قوّات سورية الديمقراطية "قسد" ذراعًا عسكريًا له، انطلقت جولتهُ الأولى في نيسان/أبريل الماضي، وانتهت في الـ 17 من حزيران/يونيو الفائت وسط أجواءٍ وصفت بالإيجابية كونها مهّدت لانطلاق الجولة الثانية، وحدّدت أيضًا الملّفات التي سيتمّ مناقشتها خلالها، على أن يشكّل اتّفاق "دهوك" الذي توصّلت إليه القوى الكردية في تشرين الأوّل/أكتوبر 2014 برعاية قيادة إقليم كردستان، أرضية ومرجعية هذه الجولة.

المشهد السياسيّ الجديد الذي تسعى الولايات المتّحدة إلى إرسائه في شرق الفرات، يفرض على الأطراف المتحاورة إظهار قدراتها التمثيلية من جهة، وإمكانياتها أيضًا في حشد القوى السياسية الأخرى، لا سيما غير الكردية، إلى جانبها من جهةٍ أخرى. وضمن هذا الإطار، أُعلن في الـ 29 من تمّوز/يوليو الفائت عن تشكيل جسم سياسيّ جديد حمل اسم "جبهة السلام والحريّة"ـ وجاء نتيجة تحالف أربعة كيانات سورية معارضة هي "المنظّمة الآثورية الديمقراطية"، و"المجلس الوطنيّ الكرديّ"، و"تيار الغد"، و"المجلس العربيّ في الجزيرة والفرات".

التحالف الذي ولد بعد شهور من المفاوضات تعود بدايتها إلى شباط/ فبراير، أعلن في بيانه التأسيسيّ أنّه: "إطار سياسي يدعوا لسوريا متعدّدة ديمقراطية لا مركزية، ويدعم الحلّ لأزمتها وفق قرار مجلس الأمن رقم 2245 ومؤتمر جنيف". وأضاف البيان أنّ ولادة هذا التحالف "لا يؤثّر على استمرارية عضوية الأطراف المشكّلة له في الأجسام والمؤسّسات السورية المعارضة، بل يندرج في إطار التكامل مع جهودهم".

وجود المجلس الوطنيّ الكرديّ في التحالف الجديد من شأنه أن يحسّن من موقفه التفاوضي أمام أحزاب الإدارة الذاتية، ويمكّنه أيضًا من الحصول على المزيد من المكاسب في المفاوضات القائمة، لا سيما وأنّ تحالفه مع "تيّار الغد" و"المجلس العربيّ" سيعود عليه بدعمٍ عشائريّ في الوقت الذي تواصل فيه "قسد" انتهاكاتها بحقّ العشائر العربية وشيوخها. في المقابل، يوفّر التحالف للمعارضة السورية دورًا سياسيًا فاعلًا في المنطقة الواقعة تحت سيطرة قوّات سوريا الديمقراطية.

وتشهد المناطق العربية الواقعة تحت سيطرة "قسد" في محافظة دير الزور توتّرات أمنية وغضب شعبيّ عقب اغتيال أحد أبرز شيوخ عشيرة العكيدات في المحافظة مطشر الهفل من خلال هجوم نفّذه مسلّحون يستقلّون دراجة نارية بالقرب من أحد الحواجز التابعة لقسد، راح ضحيته الهفل، بينما تعرّض شيخ عشيرة العكيدات إبراهيم خليل الهفل إلى إصابات بالغة. وتأتي عملية الاغتيال هذه عقب عمليات اغتيال سابقة طالت شيخ عشيرة البورحمة التابعة لقبيلة البكارة، علي الويس، بالإضافة إلى سليمان الكسّار، وهو من الوجوه والشخصيات المعروفة في عشيرة العكيدات.

أهالي ووجهاء المنطقة حمّلوا "قسد" مسؤولية اغتيال الهفل وغيره من وجهاء وشيوخ العشائر العربية في دير الزور، وهو ما سارعت إلى التنصّل منه في بيانٍ حمّلت فيه مسؤولية هذه الاغتيالات إلى خلايا تنظيم الدولة، في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة موجة احتجاجات شعبية ضخمة ضدّ "قسد" التي واجهت هذه الاحتجاجات بالرصاص الحيّ، الأمر الذي دفع المحتجّين إلى اقتحام مقار عسكرية لها، والسيطرة على عدّة آليات عسكرية تابعة لها، في ظلّ انتشار كثيف للمظاهر المسلّحة.

في ضوء هذه التطوّرات، عزّزت الولايات المتّحدة الأمريكية من سلطة حلفائها الأكراد في منطقة شرق الفرات من خلال اتّفاقٍ لتحديث حقول وآبار النفط والغاز الواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية، توصّل إليه القائد العام لـ "قسد" مظلوم عبدي وشركة "دلتا كريسنت أل أل سي" الأمريكية، الأمر الذي اعتبر خطوة سياسية أكثر منها اقتصادية، الهدف منها تعزيز سلطة "قسد" وتقديم نوع من الاعتراف الأمريكيّ بالإدارة الذاتية بصفتها طرفًا رئيسيًا لا يمكن استثنائه في أي معادلة أو ترتيبات سياسية وعسكرية واقتصادية في المنطقة الشرقية. عدا عن أن الاتّفاق جاء بمثابة رسالة أمريكية تطمئن الأكراد لجهة الوجود العسكريّ الأمريكيّ طويل الأمد في سوريا.

المشهد السياسيّ الجديد الذي تسعى الولايات المتّحدة إلى إرسائه في شرق الفرات، يفرض على الأطراف المتحاورة إظهار قدراتها التمثيلية من جهة، وإمكانياتها أيضًا في حشد القوى السياسية الأخرى

النظام السوريّ علّق على الاتّفاق عبر وزارة خارجيته بالقول إنّه "سرقة موصوفة متكاملة الأركان"، عدا عن أنّه اعتداء على "السيادة السورية". بينما اعتبرت وزارة الخارجية التركية الاتّفاق بمثابة "خطوة لتمويل الإرهاب، وغير مقبول، وليس له أي أساس شرعيّ". أما وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو فقد أعلن عن دعمه لتوجّه الإدارة الأمريكية وخطوتها هذه، معتبرًا أنّ الاتّفاق "أخذ وقتًا أكثر ممّا كان متوقّعًا، ونحن في إطار تطبيقه الآن".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

إدلب من جديد.. هل سيكرر الأسد "جحيم" حلب؟

تصعيد جديد في إدلب ومخاوف من "كارثة" نزوح جديدة