15-أبريل-2025
رفضت جامعة هارفارد الانصياع لمطالب إدارة ترامب بتقييد النشاط الطلابي داخل الحرم الجامعي (AP)

رفضت جامعة هارفارد الانصياع لمطالب إدارة ترامب بتقييد النشاط الطلابي داخل الحرم الجامعي (AP)

في حادثة تعكس تصعيدًا مقلقًا في استهداف الناشطين المؤيدين للقضية الفلسطينية داخل الولايات المتحدة، اعتُقل الطالب الفلسطيني محسن مهداوي في ولاية فيرمونت بينما كان يستعد لإجراء مقابلة حاسمة لاستيفاء إجراءات حصوله على الجنسية الأميركية.

عملية اعتقال الطالب الفلسطيني، هي امتداد للجدل حول توظيف قوانين الهجرة لأهداف سياسية. وتأتي الحادثة بعد أسابيع من توقيف زميله محمود خليل، في إطار ما تصفه المنظمات الحقوقية بـ"حملة منسقة لتكميم الأفواه الطلابية المنتقدة للعدوان الإسرائيلي على غزة".

وبينما تتوسع رقعة القمع الموجه ضد حرية التعبير داخل الحرم الجامعي الأميركي، تزداد المخاوف من تحوّل المؤسسات الفدرالية إلى أدوات عقابية ضد الرأي المخالف، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية.

عملية اعتقال الطالب الفلسطيني، هي امتداد للجدل حول توظيف قوانين الهجرة لأهداف سياسية

اعتقال بدلًا من مقابلة للحصول على الجنسية

الطالب الفلسطيني محسن مهداوي، المقيم في الولايات المتحدة منذ عام 2015، وحامل للبطاقة الخضراء، تم توقيفه يوم الإثنين من قبل عملاء إدارة الهجرة والجمارك الأميركية (ICE) في مكتب خدمات الجنسية والهجرة ببلدة كولتشستر بولاية فيرمونت، وفقًا لمحاميه.

ويقول محامو مهداوي إن مكان احتجازه لا يزال مجهولًا بالنسبة لهم بعد ساعات من اعتقاله، وقد تقدّموا بعريضة أمام المحكمة الفدرالية يطالبون فيها بإصدار أمر قضائي عاجل يمنع الحكومة من ترحيله أو نقله خارج ولاية فيرمونت.

من جهتها، قالت المحامية لونا دروبي، في بيان عبر البريد الإلكتروني: "اعتقال محسن مهداوي جاء بدافع انتقامي مباشر بسبب نشاطه الداعم لفلسطين وهويته كفلسطيني. هذا الاعتقال يمثل محاولة لإسكات الأصوات التي تندد بجرائم الحرب في غزة، وهو أيضًا انتهاك صارخ للدستور الأميركي".

"اعتقال بدافع الانتقام السياسي"

أظهرت وثائق المحكمة أن محسن مهداوي كان مستهدفًا من قبل منظمة مؤيدة لإسرائيل تُدعى "بيتار يو إس إيه"، التي أعلنت عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن "حامل التأشيرة محسن مهداوي مدرج ضمن قائمة الترحيل الخاصة بنا". ورغم ذلك، قضى القاضي المختص بعدم إمكانية ترحيل المهداوي في الوقت الراهن.

وتستند الحكومة الفيدرالية في مرافعاتها إلى نفس الأساس القانوني المستخدم في قضايا أخرى تتعلق بالطلاب الأجانب، إذ تزعم أن مهداوي يخضع لقانون يسمح بترحيله استنادًا إلى بند في قانون الهجرة يمنح وزير الخارجية سلطة ترحيل أي غير مواطن يُشتبه بأنه تسبب في "آثار سلبية" على السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

صوت طلابي بارز ضد العدوان على غزة

المهداوي، الذي وُلد في أحد مخيمات اللاجئين بالضفة الغربية، انتقل إلى الولايات المتحدة عام 2014، وأكمل مؤخرًا إجراءات التخرج من جامعة كولومبيا، وكان من المتوقع أن ينال شهادته في أيار/مايو القادم، تمهيدًا لبدء برنامج دراسات عليا في الجامعة نفسها الخريف القادم.

خلال سنوات دراسته، عُرف مهداوي بمواقفه العلنية المناهضة للعدوان الإسرائيلي على غزة، حيث نظّم احتجاجات طلابية سلمية داخل حرم جامعة كولومبيا حتى آذار/مارس 2024. وكان من بين مؤسسي اتحاد الطلبة الفلسطينيين في الجامعة، إلى جانب زميله محمود خليل، الذي اعتُقل مؤخرًا على يد عناصر إدارة الهجرة والجمارك الأميركية. وكانت محكمة في ولاية لويزيانا قد أقرتالجمعة الماضية بإمكانية ترحيله، واصفةً إياه بأنه "خطر على الأمن القومي"، بحسب نص الحكم القضائي.

وثّق صديق مهداوي، كريستوفر هلالي، لحظة توقيفه عبر مقطع مصوّر نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيه الطالب الفلسطيني وهو يلوّح بعلامة النصر أثناء اقتياده من قبل رجال ملثمين إلى سيارة تابعة للأمن. وصرّح هلالي بأن مهداوي "كان مدركًا لاحتمال اعتقاله، لكنه أصر على الحضور إلى المقابلة لأنه لم يرتكب أي خطأ، وكان ملتزمًا بالقانون طوال فترة إقامته".

إدانة من نواب ولاية فيرمونت

في أول ردّ فعل سياسي، أصدر نواب ولاية فيرمونت في الكونغرس الأميركي: السيناتور بيرني ساندرز، والسيناتور بيتر ويلش، والنائبة بيكا بالينت، بيانًا مشتركًا أدانوا فيه بشدة اعتقال مهداوي. وجاء في البيان: بدلًا من أن يخطو خطوة أخرى في طريقه نحو الحصول على الجنسية الأميركية، جرى تقييده من قبل عناصر أمن مسلحين ومقنّعين. هذا التصرف غير أخلاقي، وغير إنساني، وغير قانوني. يجب الإفراج عن السيد مهداوي فورًا وضمان حقه في محاكمة عادلة."

الحكومة الفدرالية تجمّد أكثر من 2.2 مليار دولار من تمويل جامعة هارفارد

وفي خطوة تصعيدية ضد الجامعات الأميركية، جمّدت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أكثر من 2.2 مليار دولار من تمويل جامعة هارفارد، بالإضافة لتجميد 60 مليون دولار من العقود المخصصة للجامعة.

يأتي القرار بعد أن أعلنت المؤسسة التعليمية العريقة رفضها الانصياع لمطالب الإدارة الأميركية بتقييد النشاط الطلابي داخل الحرم الجامعي.

وأثار القرار موجة غضب في الأوساط الأكاديمية والسياسية، واعتُبر هجومًا مباشرًا على حرية التعبير واستقلال الجامعات في الولايات المتحدة.

وهذه هي المرة السابعة التي تلجأ فيها إدارة ترامب إلى تجميد التمويل الفدرالي لإحدى الجامعات النخبوية في البلاد، في محاولة لفرض أجندتها السياسية. وقد شمل هذا الإجراء ست مؤسسات من جامعات "آيفي ليغ" المرموقة، المعروفة بجودة تعليمها وبرامجها الأكاديمية المتميزة.

وفي رسالة رسمية وجّهتها الإدارة إلى جامعة هارفارد يوم الجمعة، طالبت الحكومة الفدرالية بإجراء "إصلاحات واسعة" في هيكل القيادة بالجامعة، وتعديل سياسات القبول، وإجراء مراجعة شاملة لرؤى التنوع داخل الحرم الجامعي، إضافة إلى وقف الاعتراف بعدد من الأندية الطلابية. وحذّرت الإدارة من أن نحو 9 مليارات دولار من التمويل الفدرالي الإجمالي مهددة في حال رفض الجامعة الامتثال.

هارفارد ترد: لا تنازل عن الاستقلال الأكاديمي

في أول ردّ من المؤسسة الأكاديمية، أعلن رئيس جامعة هارفارد، آلان غاربر، أمس الإثنين، رفض الجامعة المطلق للضغوط الفدرالية، مؤكدًا أن "الجامعة لن تتنازل عن استقلالها أو تتخلى عن حقوقها الدستورية".

وأضاف غاربر في رسالة إلى مجتمع الجامعة: "لا ينبغي لأي حكومة، مهما كان الحزب الحاكم، أن تُملي على الجامعات الخاصة ما الذي يُدرّس، ومن الذي يُقبل أو يُوظف، أو أي مجالات دراسية يُسمح بمتابعتها". وبعد ساعات من هذا التصريح، أعلنت الحكومة رسميًا تجميد التمويل.

سابقة خطيرة في علاقة الدولة بالجامعات

هارفارد لم تكن الجامعة الوحيدة المستهدفة، إذ سبقتها جامعة كولومبيا التي رضخت للضغوط الفدرالية تحت تهديد وقف تمويلها. كما جُمد التمويل عن جامعات بنسلفانيا، براون، برينستون، كورنيل، ونورث ويسترن، ضمن نهج متكرر لإدارة ترامب يهدف إلى إعادة تشكيل السياسة الجامعية بما يتماشى مع أجندة البيت الأبيض.

وقالت الإدارة الأميركية إن الجامعات فشلت في كبح ما تدعي أنه "معاداة للسامية" في احتجاجات الطلاب ضد الحرب الإسرائيلية على غزة العام الماضي، وهو ما نفته إدارة هارفارد التي أكدت اتخاذها خطوات متعددة لمكافحة التمييز، مشيرة إلى أن غالبية مطالب الحكومة لا تتعلق بمعاداة السامية، بل تهدف إلى "ضبط المناخ الفكري" داخل الحرم الجامعي.

المطالب الحكومية: مناهج وكمامات ومراقبة للآراء

شملت المطالب الفدرالية فرض سياسات قبول وتوظيف مبنية على "الجدارة"، ومراجعة خلفيات الطلبة وأعضاء هيئة التدريس والقيادة الإدارية بناءً على مواقفهم من التنوع. كما طالبت الإدارة بحظر ارتداء الكمامات داخل الحرم الجامعي، في إشارة ضمنية إلى المتظاهرين المؤيدين لفلسطين، ووقف تمويل أو الاعتراف بأي نادٍ طلابي يروج "لأنشطة غير قانونية أو تحريض أو عنف"، بحسب تعبير الحكومة.

مخاوف على الصحة العامة

أثارت هذه الخطوة ردود فعل قوية من خريجي الجامعة، الذين دعوا إلى مواجهة قانونية مفتوحة ضد ما وصفوه بـ"الانتهاك الخطير للحريات الأكاديمية وحق الجامعات في الاستقلال الذاتي".

وأشار رئيس الجامعة إلى أن حجب التمويل، خصوصًا لهارفارد التي تُعد من بين المؤسسات البحثية الرائدة في مجالات العلوم والطب، يشكل تهديدًا مباشرًا للصحة العامة في الولايات المتحدة، ويُعرض أمنها الاقتصادي للخطر، فضلًا عن كونه انتهاكًا صريحًا للتعديل الأول من الدستور الأميركي، وتجاوزًا للصلاحيات الممنوحة للحكومة بموجب الباب السادس من قانون الحقوق المدنية، الذي يحظر التمييز على أساس العرق أو اللون أو الأصل القومي.

حسم الجدل بالقوة

من جانبه، توعد الرئيس دونالد ترامب باتباع نهج أكثر عدوانية ضد ما وصفه بـ"معاداة السامية في الجامعات"، واتهم الرئيس السابق جو بايدن بـ"التساهل مع الجامعات" التي سمحت بنمو ما وصفه بـ"الحركات المتطرفة". كما فتحت إدارة ترامب تحقيقات جديدة في عدة جامعات، واعتقلت ورحّلت طلابًا أجانب شاركوا في احتجاجات مناصرة للفلسطينيين.

واعتبرت "فرقة مكافحة معاداة السامية" التابعة للإدارة الفدرالية أن ما وصفته بـ"تمرد هارفارد" يعكس "ذهنية متعالية ومتجذرة داخل مؤسسات النخبة الجامعية، تقوم على فكرة أن التمويل الفدرالي لا يفرض الالتزام بالقوانين المدنية"، وفق تعبيرها.

وأضافت في بيانها: "ما يجري في الجامعات من تعطيل للعملية التعليمية ومضايقة للطلبة اليهود أمر غير مقبول".

في المقابل، تُواصل الجامعات، وفي مقدمتها هارفارد، الدفاع عن استقلالها الأكاديمي وحقها في التعبير الحر، مؤكدة أن ما يجري هو محاولة سياسية غير مسبوقة لفرض الرقابة على التفكير الحر داخل مؤسسات التعليم العالي.