كشفت صحيفة "واشنطن بوست" عن وثيقة سرية صادرة عن البنتاغون تعيد توجيه أولويات الدفاع الأميركي بشكل جذري، مع التركيز على ردع الصين ومنعها من السيطرة على تايوان، وتقليص الالتزامات العسكرية الأميركية في مناطق أخرى من العالم.
الوثيقة، التي تحمل بصمات مؤسسة "هيريتيج" المحافظة، تعكس بوضوح تأثير "مشروع 2025" الذي يهدف إلى إعادة هيكلة الحكومة الفيدرالية الأميركية وفق رؤية اليمين المحافظ.
تمثل الوثيقة، المعروفة باسم "التوجيه الاستراتيجي الوطني المؤقت للدفاع"، خروجًا ملحوظًا عن الاستراتيجيات السابقة التي اعتمدتها إدارتا ترامب الأولى وبايدن
تحولات جذرية في الاستراتيجية العسكرية الأميركية
تمثل الوثيقة، المعروفة باسم "التوجيه الاستراتيجي الوطني المؤقت للدفاع"، خروجًا ملحوظًا عن الاستراتيجيات السابقة التي اعتمدتها إدارتا ترامب الأولى وبايدن، حيث تعتبر الصين التهديد العسكري الأساسي للولايات المتحدة. وبحسب التوجيهات الجديدة، فإن الأولوية القصوى للبنتاغون ستكون منع الصين من فرض أمر واقع في تايوان، حتى لو تطلب ذلك إعادة توزيع الموارد وتقليص الالتزامات في مناطق أخرى مثل أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا.
وتنص الوثيقة على أن الجيش الأميركي "سيتحمل المخاطر في مسارح عمليات أخرى"، مما يعني الضغط على الحلفاء، خصوصًا في أوروبا وآسيا، لزيادة إنفاقهم الدفاعي وتولي مسؤولية أكبر في مواجهة تهديدات مثل روسيا وكوريا الشمالية وإيران.
يرى ترامب أن "التحرير الحقيقي" يتمثل أولًا في إعادة رسم العلاقة مع الحلفاء الذين يتهمهم باستغلال بلاده لعقود من خلال تحقيق فائض تجاري كبير.
اقرأ المزيد: https://t.co/3E7NWzYQwC pic.twitter.com/IpSjgzPS7H
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 27, 2025
ردود الفعل الدولية: القلق الأوروبي والتوتر في آسيا
أثارت هذه الاستراتيجية قلقًا واسعًا بين حلفاء الولايات المتحدة، خاصة في أوروبا، حيث يعتمد العديد من أعضاء حلف "الناتو" على الدعم الأميركي في مواجهة روسيا. دول مثل ألمانيا وفرنسا أعربت عن مخاوفها من أن يؤدي تراجع الالتزام الأميركي إلى تقويض قدرة "الناتو" على ردع أي عدوان روسي محتمل.
في آسيا، يشعر المسؤولون في تايوان بعدم اليقين إزاء مدى الدعم الأميركي الفعلي في حالة حدوث تصعيد عسكري مع الصين. وبينما تشجع الوثيقة تايبيه على زيادة إنفاقها العسكري إلى 10% من ناتجها المحلي الإجمالي، يرى محللون أن هذا الطلب قد يضغط على الاقتصاد التايواني دون ضمان التزام أميركي واضح بالدفاع عن الجزيرة.
تداعيات تقليص الالتزامات في الشرق الأوسط
يشكل قرار تقليل التركيز على الشرق الأوسط تحولًا جذريًا قد يؤدي إلى فراغ أمني تستغله قوى إقليمية مثل إيران وروسيا، بالإضافة إلى الجماعات المسلحة مثل تنظيم "داعش". ووفقًا للوثيقة، فإن البنتاغون سيعيد تركيز عملياته لمكافحة الإرهاب فقط على الجماعات التي تمتلك القدرة والنية لتنفيذ هجمات على الأراضي الأميركية، ما قد يعني تخفيضًا كبيرًا للوجود العسكري الأميركي في المنطقة.
هذا التحول يتناقض مع التحركات الأخيرة للإدارة الأميركية التي استعرضت قوتها في الخليج ضد الحوثيين في اليمن، وضغطت على إيران عبر العقوبات والردود العسكرية. هذا التناقض أثار تساؤلات في الكونغرس، حيث وصفه بعض المشرعين بأنه "استراتيجية متناقضة تجمع بين الرغبة في الهيمنة العسكرية والانسحاب في الوقت نفسه".
سيتخذ #ترامب من سياسة فرض الرسوم الجمركية على الواردات الصينية نهجًا في التعامل مع #الصين، مما سيدفعها للقلق والرد بقوة الأمر الذي سيؤثر حتمًا في العلاقات بين الجانبين.
اقرأ أكثر: https://t.co/Qo0jJEQ12l pic.twitter.com/Vr7MX8E4bC
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) November 7, 2024
موقف المؤسسة العسكرية الأميركية: دعم حذر أم انقسام داخلي؟
داخل البنتاغون، يبدو أن هناك انقسامًا بشأن هذه التوجيهات. ففي حين يؤيد بعض المسؤولين تركيز الموارد على الصين، فإن آخرين يرون أن تقليص الالتزامات في مناطق أخرى قد يعرض المصالح الأميركية للخطر. وتفيد تقارير بأن بعض كبار القادة العسكريين يشعرون بالقلق من أن الاعتماد على الحلفاء قد لا يكون كافيًا لردع تهديدات مثل روسيا أو الإرهاب.
تأثير مؤسسة "هيريتيج" على السياسات الدفاعية
أحد الجوانب المثيرة للجدل في الوثيقة هو التشابه الكبير بينها وبين تقرير أصدرته مؤسسة "هيريتيج" في عام 2024. يشير التحليل إلى أن بعض فقرات التوجيه الاستراتيجي للبنتاغون مأخوذة حرفيًا تقريبًا من تقرير "هيريتيج"، الذي يدعو إلى التركيز على ردع الصين، وتعزيز الدفاع عن الوطن، وتقاسم الأعباء الدفاعية مع الحلفاء.
هذا يثير تساؤلات حول مدى تأثير مراكز الفكر المحافظة، مثل "هيريتيج"، على السياسات الدفاعية في إدارة ترامب الثانية. ومن اللافت أن أحد معدي تقرير "هيريتيج"، ألكسندر فيليز-غرين، يشغل الآن منصبًا رفيعًا في البنتاغون، ما يعزز التكهنات بأن هذه المؤسسة تلعب دورًا رئيسيًا في توجيه الاستراتيجية الدفاعية الجديدة.
مقارنة مع استراتيجيات الإدارات السابقة
تعكس هذه التوجيهات تحولًا جوهريًا مقارنة باستراتيجية بايدن الدفاعية لعام 2022، التي أكدت على أهمية التحالفات الدولية، واعتبرت حلف "الناتو": "أكبر ميزة استراتيجية عالمية للولايات المتحدة". بالمقابل، تضع توجيهات البنتاغون الجديدة عبئًا أكبر على الحلفاء، خاصة الأوروبيين، لمواجهة التهديدات الإقليمية دون دعم أميركي مباشر.
حتى بالمقارنة مع ولاية ترامب الأولى، يبدو أن السياسة الجديدة أكثر تشددًا تجاه الصين، مع تقليل التركيز على الشرق الأوسط وأوروبا بشكل غير مسبوق.
"يبدو أن العقوبات التي يفرضها ترامب على الجميع، حلفاءً وأعداءً، تدفع نحو تحقيق ما لم تستطع المصالح الاقتصادية وحدها تحقيقه، وهو بناء تحالف استراتيجي بين بكين وأوروبا، رغم المخاوف الأمنية".
تقرؤون المقال: https://t.co/OykOpZHDrs pic.twitter.com/MnIFnuP8wN
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 28, 2025
الموقف من تايوان: دعم مشروط ومطالبات بزيادة الإنفاق العسكري
بينما تعزز الوثيقة الالتزام الأميركي بردع الصين، فإنها في الوقت ذاته تضغط على تايوان لتحمل مسؤولية أكبر في الدفاع عن نفسها. وقد أثار هذا النهج مخاوف في تايوان، خاصة في ظل عدم وضوح موقف ترامب بشأن ما إذا كانت واشنطن ستتدخل عسكريًا لحماية الجزيرة في حالة حدوث غزو صيني.
ويأتي هذا في وقت تواجه فيه تايبيه تصعيدًا عسكريًا من بكين، التي أرسلت مؤخرًا موجة من الطائرات الحربية والسفن الحربية قرب الجزيرة، محذرة من أن "من يلعب بالنار سيحترق".
استراتيجية دفاعية جديدة أم انسحاب أميركي تدريجي؟
بشكل عام، تمثل هذه التوجيهات تحولًا كبيرًا في العقيدة العسكرية الأميركية، مع تركيز شبه حصري على الصين، وتقليل الدور الأميركي في مسارح عمليات أخرى. لكن يبقى السؤال: هل هذه الاستراتيجية تعكس تحولًا مستدامًا في السياسة الدفاعية الأميركية، أم أنها مجرد توجه مرحلي قد يتغير مع تبدل الظروف الجيوسياسية؟
في كل الأحوال، فإن الوثيقة الجديدة تعيد تشكيل دور الولايات المتحدة في العالم، وتفتح الباب أمام حقبة جديدة من العلاقات الدولية، حيث تتجه واشنطن إلى تبني نهج أكثر انتقائية في تدخلاتها العسكرية، مع تركيز مواردها لمواجهة الصين كأولوية قصوى.