11-يوليو-2019

تستمر الانتهاكات بحق المدنيين في سوريا من قبل جميع الأطراف (Shutterstock)

تتواصل مأساة السوريين للعام الثامن على التوالي، لتصبح طرق الموت وأساليب التعذيب تفصيلًا من تفاصيل حياتهم، وتتنوع الانتهاكات الممارسة بحقهم من قبل جميع أطراف النزاع وفي مقدمتهم النظام السوري، من الموت تحت القصف الروسي والبراميل المتفجرة إلى الموت تحت التعذيب في المعتقلات المنتشرة على الأراضي السورية.

أدان النظام السوري نفسه بنفسه علنًا رغم إنكاره ارتكاب الجرائم في المعتقلات، وذلك عندما أصدر بيانات الوفاة "لـ مختفين" كانوا معتقلين لديه، على أنَّهم ماتوا بسبب أزمات قلبية أو توقُّف تنفُّس مفاجئ

ضحايا التعذيب

في اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب، أصدرت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" تقريرًا وثَّقت فيه مقتل 14227 شخصًا تحت التعذيب في سوريا منذ آذار/مارس 2011 وحتى حزيران/يونيو 2019 بينهم 177 طفلًا و62 امرأة.

اقرأ/ي أيضًا: مدنيو الرقة.. من مقصلة "داعش" إلى انتهاكات القوات الكردية

وقال التقرير إن عمليات التعذيب الوحشي المنهجية والواسعة في معتقلات النظام  السوري تشكل جريمة إبادة.

أكدت الشبكة أيضًا أن جميع أطراف النزاع ارتكبت جريمة التعذيب بشكل أو بآخر، لكن النظام المسيطر على أجهزة الجيش والأمن والقضاء قد قام باعتقال ما لا يقل عن 1.2 مليون مواطن سوري تعرضوا بشكل أو آخر لنوع من أنواع التعذيب والمذلة، ولا يزال لديه حتى الآن العدد الأكبر من المعتقلين.

وقال فضل عبد الغني مدير الشبكة: "يبقى الحل الوحيد عبر تدخل دولي خارج مجلس الأمن لإنقاذ أرواح قرابة 128 ألف مواطن سوري لا يزالون قيد الاعتقال والتعذيب وإهمال الرعاية الصحية؛ ما يجعلهم عرضة للموت بسبب التعذيب".

ويشير التقرير إلى أن النظام أدان نفسه بنفسه علنًا رغم إنكاره ارتكاب الجرائم في المعتقلات، وذلك عندما أصدر بيانات الوفاة "لـ مختفين" كانوا معتقلين لديه، على أنَّهم ماتوا بسبب أزمات قلبية أو توقُّف تنفُّس مفاجئ.

وحمَّل التقرير النظام المسؤولية عن مقتل 14070 شخصًا، بينهم 173 طفلًا، و45 امرأة تحت التعذيب في سجونه، لافتًا إلى تسجيل ما لا يقل عن 916 معتقلًا كشفَ النظام عن مصيرهم بأنَّهم قد ماتوا جميعًا.

تعذيب بحسب التهمة أو العرق

تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وبعض الفصائل الإسلامية المتطرفة كانت شريكًا للنظام في عمليات القتل تحت التعذيب، إذ وثق التقرير مقتل ما لا يقل عن 32 شخصًا، بينهم طفل واحد و14 امرأة بسبب التعذيب في معتقلات داعش.

وتدرَّجت أساليب التعذيب التي طبقها التنظيم الذي اشنهر سابقًا بإصدارت الذبح وإقامة "الحدود الشرعية" على المعتقلين والمختفين لديه تبعًا للتُّهم الموجَّهة إليهم وبحسب المعتقلات أيضًا.

هيئة تحرير الشام التي تسيطر على محافظة إدلب شمالي سوريا ومناطق من ريف حلب، كان لها بصمتها في تعذيب المعتقلين لديها والمختطفين أيضًا، بطرق مثل الجلد والضرب المبرح، والصعق بالكهرباء، وقلع الأظافر، إضافة للتجويع والحرمان من النوم وتسبَّبت هذه الأساليب في مقتل 24 شخصًا بينهم طفل واحد، بحسب تقرير الشبكة.

أما في مناطق سيطرة قوات قوات سوريا الديمقراطية "قسد" والتي تتبع للإدارة الذاتية الكردية، فرصد التقرير ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات استخدام التعذيب في عام 2019، وحملت بعض هذه العمليات صبغة عرقية، ولجأت "قسد" إلى استخدام الضرب المؤذي والمسبب لكسور في العظام بشكل رئيسي وواسع أثناء التحقيق مع المعتقلين والمختطفين لديها، وطبقًا للمعلومات فقد قتل ما لا يقل عن 43 شخصًا بينهم طفل واحد وامرأتان.  

كما سجَّل التقرير ارتفاعًا في حصيلة ضحايا التعذيب لدى فصائل في المعارضة العسكرية، مشيرًا إلى مقتل 43 شخصًا بينهم طفل وسيدة في المعتقلات التابعة لها.

عنف جنسي يمارس على الذكور

انتشرت ظاهرة العنف الجنسي ضد الذكور في معتقلات النظام السوري، بحسب تقارير الخبراء الطبيين لدى منظمة (LDHR) "محامون وأطباء من أجل حقوق الإنسان"، ويشير تقرير المنظمة إلى تعرض 138 معتقلًا من الذكور للعنف الجنسي الذي يستخدمه النظام بشكل ممنهج وواسع النطاق ضد السجناء السياسيين في أفرعه  الأمنية وفي المعتقلات.

ويقول التقرير إن الأفرع الأمنية استهدفت بشكل منظم معارضين للنظام السوري بقصد إذلالهم ومعاقبتهم لوقوفهم ضده.

ومن الأمثلة على ذلك "ربط القضيب" في مراكز اعتقال مختلفة وخلال فترات مختلفة يدل على شكل من أشكال التنسيق أو التعليمات المركزية.

كما تؤكد دراسات معمقة لـ 15حالة أن أحد أهداف العنف الجنسي الذي يستهدف الأعضاء التناسلية لدى الذكور هو التعقيم لمنع ولادات جديدة. وتؤثر الصدمات والأضرار الناجمة عن تعرض المعتقلين الذكور للعنف الجنسي على النساء والأطفال والمجتمع أيضًا، بسبب "وصمة العار" التي تؤثر على الناجين من معتقلات النظام.

معتقلات الأسد.. تعذيب نفسي وجسدي

إضافة إلى التعذيب الجسدي يمارس النظام السوري التعذيب النفسي في معتقلاته، وتروي المعتقلة السابقة "المُعلمة رفيدة زيتون" لـ وكالة الأناضول فصلًا من فصول التعذيب التي تعرضت لها في سجون الأسد.

وتقول زيتون إن عناصر النظام في المعتقل كانوا يؤكدون لها أنها لن ترى طفلها ابن الستة أعوام إلا بعد أن يصبح شابًا، في إشارة إلى أن مدة اعتقالها ستكون طويلة جدًا، ما أدى إلى تحطيمها نفسيًا.

اعتقلت رفيدة زيتون (38 عامًا) في دمشق مع والدتها وأختها لمدة عامين عام 2014، لإجبار أخيها المعارض للنظام على تسليم نفسه.

وتابعت أن "بداية الاعتقال كانت مع إصابة والدتي في قصف للمنزل ليلًا، وحين أخذناها للمشفى في اليوم التالي، وكانت في غيبوبة بالعناية المشددة، وأنا مع أختي احتجزنا بغرفة، وكان بسبب اسم العائلة المحسوب على المعارضة".

وأضافت: "تأكدوا أن أخي مطلوب، وفي غرفة صغيرة فيها سرير فقط، بقينا 15 يومًا لحين استعادة والدتي وعيها، ولم يُسمح لي برؤيتها، وكنت أذهب مرة واحدة للحمام".

واستطردت أنه "بعد فترة أحضروا والدتي للغرفة واحتجزونا ثلاثتنا، والدتي فقدت الحركة بالجزء السفلي من جسدها مع إصابات وعمليات عديدة". و"كلما أسال لماذا نحتجز هنا، يقولون لا شيء سوى أن هناك تعليمات بذلك، وبقينا 6 أشهر و20 يومًا في هذه الغرفة، يفتح لنا الحمام مرة باليوم حسب رغبة السجان".

بعد نقلها إلى معتقل آخر في دمشق روت "زيتون" ما حدث معها "في فرع الخطيب.. في البداية دخلنا عنبرًا جماعيًا فيه 40 فتاة، الجميع استغرب كيف تدخل حالة شلل إلى السجن بسبب أخيها".

وتابعت "تركوني 5 أيام دون تحقيق، وبعدها وضعني على الأرض وسألني المحقق عن معلومات تخصني، وعيني مربوطة.. سألني عن أهلي فردًا فردًا، وعندما يقول فلان إرهابي أقول لا، فيبدأ بالشتم والإهانة وكان يتجنب ضربي بسبب والدتي المقعدة التي بحاجة لمن يعينها".

أطفال معتقلون وتهديد بالاغتصاب

في أحد الأيام بعد إجراء التحقيق مع "زيتون" وأختها سمعوا أصواتًا لمعتقلين جدد من بينهم أطفال. "كنا نحاول استراق النظر ونتساءل لماذا يعتقلون الأطفال؟"، كما تقول.

تسرد القصة موضحة: "قيل لنا إن قوات النظام دخلت على بلدة في الغوطة، وهناك جلبوا النساء والأطفال والرجال ممن لم يتمكنوا من الهرب، الرجال نقلوهم لقسم الرجال، والنساء والأولاد جلبوهم لهذا العنبر، وأخذوا الأطفال للميتم. فرزوا النساء وعندما جاء السجان قال لي جرى تحويلك لهنا من أجل التبادل فتحولت بذلك إلى أسيرة للمفاوضات".

وأردفت "كنا 19 فتاة، وأغلق علينا الباب ولم يدخل علينا أحد وبقينا هكذا، وكانت هناك مسافة تحت الباب تدخل منها الحشرات والجرذان ويقدم منها الطعام لنا، وبدأت أرجلنا وظهورنا ومفاصلنا تؤلمنا".

تكمل رواية القصة: "مرة رفضنا تناول الطعام لمعرفة ما هو مصيرنا، حتى جاء العقيد وفتح باب السجن وقال يجب أن تأكلن، فقلنا نريد أن نعرف مصيرنا، بدأ يهيننا، وبعدها قال سيدخل الطعام بعد قليل ومن يهون عليه شرفه فليمتنع عن الأكل، هنا خفنا وأكلنا (..) قال لي بالتحديد إذا لم تأكلي سأعريك وأضعك أمام الشباب ما جعلنا نبقى صامتات ننتظر الفرج، وبقينا في الغرفة 8 أشهر".

وحول ما تعرضت له من تعذيب، أفادت رفيدة "أنا لم أتعذب ولكن بقية الفتيات تعرضن للضرب، والكلام البذيء أصعب من التعذيب، والوضع النفسي أيضًا، كنت أبكي على ولدي، وعندما يشعرون بذلك كان يقولون لا تزعلي عندما يصبح شابًا ستتمكنين من رؤيته".

وحول أوضاع المعتقلين الشباب وعمليات التعذيب قالت "كنا نسد آذاننا لكي لا نسمع، يوميًا الساعة 7 صباحًا يأتي الأطباء لتضميد الشباب المعذبين، وكنا نراهم من شقوق الباب، القمل والجرب يغطيهم، كانت أجسادهم سوداء من الأمراض والتورم".

وبشأن التعرض للاغتصاب، قالت السيدة السورية "لم يحصل اغتصاب ولكن كان التهديد به موجود دائمًا، بعد 8 أشهر حولنا إلى سجن عدرا، وبقينا فيه 12 يومًا، أعطونا ثياب وتحممنا وكان الوضع أفضل لأنه سجن مركزي وفيه زيارات".

موت تحت التعذيب وتحت القصف

أعلنت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها النصف سنوي، أن ما لا يقل عن 1864 مدنيًا بينهم ستة من الإعلاميين و21 من الكوادر الطبية والدفاع المدني قضوا في النصف الأول من العام الحالي، على يد أطراف النزاع في سوريا بالإضافة إلى 159 شخصًا قضوا بسبب التعذيب في المدة ذاتها.

كما وثق التقرير نحو 43 هجومًا بالذخائر العنقودية المحرمة دوليًا و17 هجومًا بالأسلحة الحارقة لقوات النظام وحليفه الروسي، في منطقة خفض التصعيد الرابعة التي تشمل محافظة إدلب شمالي سوريا.

اقرأ/ي أيضًا: قصة داعش.. "تمدد" سريع وانحسار مُكلف و"بقاءٌ" محتمل

وبحسب التقرير فإن من بين الضحايا الـ 1864، 468 طفلًا و285 سيدة، حيث قتل نظام الأسد منهم 891 مدنيًا بينهم 211 طفلًا و136 سيدة، فيما قتلت القوات الروسية 149 مدنيًا بينهم 34 طفلًا و21 سيدة.

حمَّل تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان النظام المسؤولية عن مقتل 14070 شخصًا، بينهم 173 طفلًا، و45 سيدة تحت التعذيب في سجونه، لافتًا إلى تسجيل ما لا يقل عن 916 معتقلًا كشفَ النظام عن مقتلهم

وقتل تنظيم الدولة 82 مدنيًا بينهم 11 طفلًا، و7 سيدات، وهيئة تحرير الشام 25 مدنيًا بينهم 4 أطفال. وسجَّل التقرير مقتل 14 مدنيًا، بينهم 6 أطفال وسيدة على يد فصائل في المعارضة المسلحة، فيما وثَّق مقتل 99 مدنيًا بينهم 33 طفلًا، و10 سيدات على يد قوات سوريا الديمقراطية.