19-نوفمبر-2015

من مظاهرة حركة بيغيدا في درسدن (عن صحيفة تاتز الألمانية)

منذ ستّة أشهر تقريبًا، وفي حوار مع صحافي سويسري صديق؛ سألني: ما هي مشاريعكم في أوروبا للتعريف بما يجري في سوريا؟ حينها كانت فكرة الهولوكوست تغزو عقلي بسبب تسريب صور ضحايا التعذيب.

رفعت حركة بيغيدا الألمانية اليمينية صورة لبشار الأسد، كتب عليها: "نعم للأسد، نعم لسوريا الأمان"

أجبته: ربّما علينا أن نقوم بمقارنةٍ بين الهولوكوست السابق والحالي، بين هتلر والأسد، ما فعلاه، آليات الإجرام، ووسائل التعذيب، والضحايا، لم ترق له الفكرة، ورأى أن هذا الأمر لن يحصد نتائج إيجابية لأن الألمان وحتّى الذين يعادون سياسة هتلر، وليسوا يمينيين، يرفضون التعرّض لمرحلة تاريخية من التاريخ الألماني بهذا الشكل، خاصّة وأنها قد انتهت وقامت ألمانيا بالتكفير عنها، ولن تعجبهم مقارنة سفّاح الماضي بسفّاح اليوم، فألمانيا اليوم لها شكل مختلف متنوّع وملوّن لا يشبه شكلها الماضي.

إلّا أن هذه المقارنة عادت للسطح اليوم، مظاهرة لحركة بيغيدا اليمينية المتطرفة الرافضة للاجئين في مدينة درسدن الألمانية ترفع صورة بشار الأسد مع العلم الألماني وشعار بيغيدا، وقد كُتب على الصورة: "نعم للأسد، نعم لسوريا الأمان"، إذ هاهم النازيون الجدد يعلنون صراحةً أن فعل التأييد القطيعي للسفاح لا ينتهي حتى بعد مرور عقود من الزمن، وأن مؤيدي القتلة سيواصلون تأييدهم للقتلة الذين يشبهونهم -على الأقل- في الاسم أو الأيديولوجيا أو الدين، ولا يمكن تبرئة المجتمعات المتقدّمة من تهمة القطيعية مهما تقدّمت فإن من يرفع صورة الأسد -سواء كان يفهم ما كُتب عليها أم لا- لا يختلف أبدًا عن من يرفع صورة البغدادي أو أسامة بن لادن، أو حتّى هتلر، لأنه يحارب أعداءهم، وإن تصدير صورة المجرم (عدوّ العدوّ) هو دناءة موغلة في الارتهان للطغاة والمجرمين على حساب الضحية والإنسان، وتنصّل من مسؤوليات جمعيّة لحلّ المشاكل العالقة والتي أثبت التاريخ أن الدموية لا تحلها بل تزيدها تعقيدًا.

تعادي بيغيدا اللاجئين لأنها تراهم خطرًا على مجتمعها، وفي الوقت ذاته ترفع صورة الذي هجّرهم وجعلهم لاجئين! لو كانت الفكرة في رفض اللاجئين فقط لما رفعوا صورة المسبب الحقيقي لأزمة بيغيدا مع اللاجئين، إنما هو استفزاز فقط واستهداف لإنسانيّة اللاجئين وحقّهم في الحياة، ودليل غباءٍ من اليمينيين أو جهلٍ بما يجري، ويبدو أن عقليّة "جكارة بالطهارة" ليست من تراثنا فقط، فهاهم النازيّون يرفعون صورة المسبب الأول لما يعتبرونه خطرًا عليهم، ويقولون "نعم للأسد".

يقف أهل دوما المحاصرة من النظام السوري، ويشعلون الشمع حدادًا على ضحايا الأعمال الإرهابية في فرنسا

لم تعُد القضيّة قضيّة تشبيهات ساخرةٍ أو تحليلات وتوقّعات، كلّ شيء أصبح الآن فوق الطاولة، الهويّات على الجباه، والطوائف على الوجوه، والأيديولوجيات بروائح العفن تطوف في كلّ مكان. إنّ هذه الـ "نعم" التي رفعها هؤلاء، تصلح لأن تكون اعترافًا واضحًا في محكمة الإنسانيّة بشراكتهم مع القاتل، ورسالة منهم إليه: "اقتل أكثر، ومن يهرب إلينا، نكمل عليه".

على الجانب الآخر من الدمار، يقف أهل دوما المحاصرة من النظام السوري، ويشعلون الشمع حدادًا على ضحايا الأعمال الإرهابية في فرنسا، ويعلنون موقفهم غير الموارب "الضحايا تتعاطف مع الضحايا" ويثبتون نضجهم وترفعّهم عن سباق المظلوميّة الذي ساد، أو التسابق لتبرئة النفس من اتهام داخليّ قبل أن يكون خارجيًا، أهالي دوما كانوا خير من ردّ على الإرهاب، وعلى تحالف الأشرار بتحالف الضحايا، ولم يقولوا "ذوقوا ما ذقناه، ولم يشمتوا، ولم يهزؤوا من المكلومين لأنهم يدركون تمامًا ما معنى الإرهاب وما معنى أن تكون ضحيّته، أمّا الذين صفقوا للجريمة، أيّ جريمة، فقد قالوا لهم: كونوا في الطرف الذي تريدون، صفقوا القتلة أو قفوا مع الضحايا، أمّا نحنُ فإنّنا نعرف أنّ مؤيّدي المجرم.. مجرمون مثله، إلّا أن ظروفهم لم تسمح لهم بامتلاك أسلحته!

اقرأ/ي أيضًا:

مع ضحكة مارك.. لا مع دموع باريس!

وحدهم الغرباء من يكسرون رتابة الأمكنة