25-يوليو-2019

إتلاف ضبطية مخدرات (إدارة مكافحة المخدرات)

وكأنّ إدمان ملايين اليمنيين على تعاطي نبتة "القات" المخدرة ليس كافيًا، لتزدهر تجارة الحشيش والحبوب المخدرة في ربوع الأراضي اليمنية، خاصة في المناطق الجنوبية كمدينتي عدن وحضرموت.

الانتفلات الأمني الحاصل بسبب الحرب كثّف من ترويج المخدرات في البلاد، وبات انتشارها ينبئ بواقع يهدد أمن المدن اليمنية

الانتفلات الأمني الحاصل بسبب الحرب كثّف من ترويج المخدرات في البلاد، وبات انتشارها ينبئ بواقع يهدد أمن المدن اليمنية وأمن مواطنيها بمختلف أعمارهم، خاصة مع وقوع العديد من الجرائم على هامش تجارة وتعاطي المخدرات، آخرها اغتيال مدير إدارة مكافحة المخدرات بمدينة عدن، فضل صائل.

اقرأ/ي أيضًا: إحصائيات القات في اليمن.. أكثر من "مخدر" أخطر من ثقافة شعبية

هذا الازياد المضطرد يدفع للتساؤل عن كيفية انتشار آفة المخدرات في بلد كان يُعد من أقل البلدان انتشارًا لظاهرة تعاطي المخدرات وتجارتها (بعيدًا عن القات) بحسب تصنيف مسؤولين في الهيئة الدولية لمكافحة المخدرات، كما دفع ذلك بالبعض للتساؤل عما إذا كان وراء ذلك أطراف ما!

عدن الأكثر تضررًا

يسرد سعيد أمان (23 عامًا) في حديثه لـ"التراصوت" جزءًا من معاناة صديقه الذي أدمن المخدرات هو ورفاقه القاطنين في حي "كريتر" بمدينة عدن، قائلًا: "لقد دمرت المخدرات صديقي الذي وجد نفسه مدمنًا دون أن يشعر. هو اليوم مصاب بحالة نفسية صعبة، ولم يستطع إكمال دراسته الجامعية".

فضل صائل
فضل صائل، مدير إدارة مكافحة المخدرات بمدينة عدن الذي تم اغتياله

يشير أمان إلى أن مروج المخدرات التي يتعاطاه صديقه يسكن حيًا قريبًا من الحي الذي يسكنونه، "ولا أحد يستطيع مواجهته وإيقاف عبثه"، مضيفًا: "اليوم، المخدرات بتاع في عدن على مرأى ومسمع الجميع. لم يعد مروجو المخدرات يخشون أحدًا".

وصلت المخدرات لتكون وجبة دائمة للاستهلاك في عدد من المقاهي بمدينة عدن، يتعاطاها الجميع عبر الأرجيلة، رجالًا ونساءً كبارًا وشبابًا. وبحسب مواطنين تحدثوا لـ"الترا صوت"، فإن مناطق مثل مدينة التقنية ودار سعد والعند، باتت معروفة كأوكار لتجار المخدرات.

بدورها تقول الأجهزة الأمنية المعنية، إنها "تبذل قصارى جهدها" في ملاحقة وضبط مروجي المخدرات. غير أن الجهود الأمنية كما يبدوا لا تتهيأ لها الظروف اللازمة للقضاء على تجارة المخدرات في البلاد، أو الحد منها بشكل مؤثر.

وكان العقيد فضل صائل، المدير السابق لإدارة مكافحة المخدرات في عدن، نشطًا في عميلات مكافحة المخدرات، كما عُرف كمحاضر دؤوب للتوعية ضد المخدرات. وقبل اغتياله بأيام، قال: "قضية مكافحة المخدرات فاتورة مكلفة جدًا لأن الجهات التي تدعمها عابرة للقارات".

وبحسب مصدر أمني لـ"الترا صوت"، رفض الافصاح عن اسمه، فقبيل مقتله، اكتشف فضل صائل طرفًا من الجهات التي تقف وراء ترويج المخدرات في مدينة عدن.

وفي سياق متصل، كانت الكاتبة والناشطة اليمنية هدى عطاس، قد قالت إن "تجار المخدرات الذين تمكنوا من اغتيال العقيد فضل صائل لهم ارتباطات بأجهزة أمنية ونفوذ يحميهم ويهدد كل من يجابههم".

واعتبرت عطاس أن اغتيال صائل "أثبت أن نشر المخدرات فعل ممنهج يراد به تعويم الجنوب في لجة الإدمان من أجل تغييب شعبه وإشغاله عن قضيته، وأن انتشار تعاطي المخدرات ليس مجرد تسيبًا وفوضى مجتمعية فقط".

ويعزو الصحفي والباحث اليمني نواس الحميدي، انتشار ظاهرة تجارة وتعاطي المخدرات في عدن، إلى "خطط مدروسة تشرف عليها جهات منظمة"، لم يسمها.

وقال الحميدي لـ"الترا صوت"، إن الذين لم يتجاوزا 15 عامًا من بين الفئات الأكثر استهدافًا من قبل تلك العصابات والجهات التي تقف وراءها"، مشيرًا إلى أن المدارس والجامعات باتت أسواقًا خفية لترويج المخدرات.

تهريب وتنظيم

وفي تعز وحضرموت لم يكن الوضع أقل سوءًا. ففي تعز، وإلى جانب أنواع المخدرات الأكثر شيوعًا مثل الحشيش والبانجو والهروين والكوكايين؛ انتشر تعاطي مواد كيميائية تستخدم في التطبيب والعمليات الجراحية، مثل الديزبام والماكدوم والتوسيرام والزبروت، وغيرها.

ويزيد من خطورة هذه المواد أنها متوافرة في الصيدليات، ويمكن الحصول عليها بسهولة وبأسعار تقل كثيرًا عن أسعار مواد مخدرة أخرى. وأغلب هذه المواد يمكن شراؤها بدون وصفات طبية.

وفي حضرموت، أكبر المحافظات اليمنية مساحة، كشف مدير إدارة مكافحة المخدرات، عبدالله حمدي، عن ضبط إدارته لـ382 شخصًا متورطًا في تجارة وترويج المخدرات خلال العام الماضي، قائلًا لـ"الترا صوت" إن إدارته تضبط ما بين الحين والآخر، عشرات الأطنان من مختلف أنواع المخدرات قبل ترويجها.

وتمر المخدرات التي تدخل البلاد عبر المنافذ البرية والبحرية في محافظات المهرة والحديدة ومأرب والجوب، وكذلك عبر محافظتي صعده وحجه، اللتان تشتركان في الحدود مع المملكة العربية السعودية.

وتقول مصادر محلية لـ"الترا صوت"، إن هناك مزارع حشيش مخفية في منطقتي الحيمة وبلاد الروس بصنعاء، ومناطق مختلفة في محافظة إب.

المخدرات في اليمن
ضبطية مخدرات في عدن

يُذكر أنه قبيل الحرب كانت الأجهزة الأمنية المعنية بمكافحة المخدرات، تعمل ضمن إدارة واحدة مقرها العاصمة صنعاء، قبل أن تتفكك بعد عام 2015 بسبب الحرب.

لكن مع ذلك، تعمل الإدارات والأجهزة الأمنية المعنية بمكافحة المخدرات في مختلف المدن اليمنية، وفقًا لقانون مكافحة المخدرات الصادر عام 1993.

وينص هذا القانون على تنفيذ عقوبة الإعدام للمدان بتهريب المخدرات أو زراعتها أو المشاركة في تصنيعها، والسجن لمدة تتراوح ما بين 15 إلى 25 عامًا، لمن تثبت إدانته بحيازة أو نقل أو ترويج المخدرات.

عدم الاستقرار الأمني

تُرجع سعاد علوي، رئيسة "مركز عدن للتوعية من خطر المخدرات"، انتشار المخدرات في البلاد إلى حالة عدم الاستقرار الأمنية، إضافة لأسباب اجتماعية واقتصادية أخرى.

يعمل المركز الذي تشرف عليه سعاد علوي، وغيره من المراكز الشبيهة، على مواجهة المخدرات في البلاد من خلال التوعية المجتمعية، والمساهمة في إعادة تأهيل متعاطي المخدرات، والدخول للمدارس والجامعات لأداء دور توعوي هناك.

يعزو العديد من اليمنيين، بينهم كتاب وباحثون، الزيادة الكبيرة في تجارة المخدرات بالبلاد، إلى "خطط مدروسة تشرف عليها جهات منظمة"

لكن الحرب وما يستتبعها من انفلات أمني، وانعدام للنظام العام، تقف عائقًا أمام مثل هذه الجهود. وتمثل الحرب ونتائجها، في هذه الحالة، عائقًا يصعب تجاوزه ولو بالحيلة، بسبب عنفه، الأمر الذي يستند إليه كما يبدو تجار ومروجي المخدرات في البلاد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

من القات اليمني إلى حبوب الهلوسة العربية

قصص مؤلمة من عالم المخدرات