26-مارس-2021

سفينة إيفر غرين العالقة في قناة السويس (Getty)

كانت سفينة الشحن العملاقة "إيفر غرين" تعبر قناة السويس ضمن قافلة الجنوب، في رحلة قادمة من الصين ومتجهة إلى روتردام في هولندا، قبل أن تجنح في الممر الملاحي وتصبح محصورة بين جانبي القناة، بعد أن تعرضت لرياح شديدة.

تقدّر قيمة البضائع التي عبر قناة السويس يوميًا بحوالي 9.6 مليارات دولار أمريكي يوميًا، بما يعادل 400 مليون دولار من التبادل التجاري في الساعة 

ويجري العمل حاليًا على إعادة تعويم السفينة بالاستعانة بحفّارات وقاطرات جرّ ضخمة وفرق إنقاذ من خبراء دوليين من عدة دول، من أجل استئناف حركة السفن في الممر ووقف الخسائر والإرباك الحاصل في حركة الشحن التجارية العالمية في أسرع وقت ممكن. إذ تقدّر قيمة البضائع التي عبر القناة يوميًا بحوالي 9.6 مليارات دولار أمريكي يوميًا، بما يعادل 400 مليون دولار من التبادل التجاري في الساعة في هذا الممر المائي الأهم عالميًا، والذي يربط بين الشرق والغرب، ويعدّ من أكثر طرق التجارة ازدحاماً في العالم، إذ يمر عبر قناة السويس حوالي 12% من إجمالي حجم التجارة العالمية. 

فقناة السويس إذن هي إحدى أهم الطرق البحرية العالمية، لموقعها الإستراتيجي وقدرتها على اختصار طرق الملاحة، ولأن البديل الوحيد عنها هو الالتفاف عبر رأس الرجاء الصالح، والذي يضيف أسبوعين على رحلة السفن على الأقل إن كانت منطلقة من الخليج العربي، ما يزيد بشكل كبير من التكلفة الإجمالية للشحن.

 

وسفينة إيفر غيفن العالقة، التي تديرها شركة "إيفرغرين مارين" التايوانية، هي سفينة شحن عملاقة، وتعد واحدة من أكبر سفن نقل الحاويات في العالم، إذ يعادل طولها طول أربعة ملاعب كرة قدم، ويبلغ وزنها أكثر من 200 ألف طن، وهي قادرة على نقل 20 ألف حاوية كبيرة. ويتوقّع أن تستغرق عملية إعادة تعويمها عدة أسابيع على الأكثر، وهو ما سيحدث إرباكًا حتميًا في سلاسل التوريد العالمية ويعطلها، ويزيد من الضرر الاقتصادي الحاصل أصلًا بسبب الظروف التي فرضتها جائحة كورونا عالميًا.

إلا أن هذه الكارثة التجارية العالمية، بالرغم من آثارها المنظورة على المدى القريب، ليست أسوأ ما شهدته قناة السويس من كوارث على صعيد توقف حركة السفن التي تمرّ عبرها، إذ شهدت القناة منذ عام 1967 حادثة معروفة هي الأكثر شهرة في تاريخ القناة، حتى الآن. 

الأسطول الأصفر

في مطلع حزيران/يونيو من ذلك العام كانت 14 سفينة شحن من ثماني دول في طريقها للعبور عبر قناة السويس، وساء حظها كما ساء حظ العرب، واندلعت حرب حزيران، فبادرت إسرائيل بهجوم جويّ ساحق استهدف سلاح الجو المصري ومهّد لانتصارها السريع على الجيوش العربية. وفي السادس من حزيران/يونيو 1967، أعلن جمال عبد الناصر إغلاق قناة السويس، وتم توجيه أوامر للسفن بأن ترسو في الجزء الأعرض من القناة، في البحيرة المرّة الكبرى. الحرب التي انتهت بنكسة العرب لم تستغرق سوى أيام معدودة، أما السفن الأربعة عشر فاحتجزت في البحيرة لمدة ثمانية أعوام، بين العامين 1967 وحتى العام 1975، في أزمة كانت الأطول والأبرز في تاريخ القناة.

لقد كان هذا الإغلاق هو الخامس في تاريخ قناة السويس منذ إنشائها عام 1869، فقد أغلقت القناة عدة أيام فقط عام 1882 إبان الاحتلال البريطاني، ثم أغلقت ليوم واحد عام 1915 خلال الحرب العالمية الأولى، كما أغلقت خلال الحرب العالمية الثانية لمدة 76 يومًا، ثم لمدة خمسة أشهر عام 1956 عقب العدوان الثلاثي على مصر. 

أطلق على السفن الأربعة عشر التي علقت تلك السنوات الثمانية اسم "الأسطول الأصفر"، وذلك لأن الصحراء المجاورة كستها بالرمال حتى غطت طوابقها خلال السنوات. كانت السفن قادمة من بلغاريا وتشيكوسلوفاكيا وفرنسا وبولندا والسويد وألمانيا الغربية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. وقد استمرّ الإغلاق ثماني سنوات، شهدت المنطقة خلالها حرب الاستنزاف ثم حرب عام 1973، كما شهدت القناة في تلك الأعوام عمليات تجريف واسعة، قبل أن يعود إليها النشاط عام 1975، بالتزامن مع التحركات الدبلوماسية بين نظام السادات وإسرائيل، والتي نجم عنها اتفاقيات "كامب ديفيد" عام 1978.

بعد مضي ثلاثة أشهر طويلة على توقف تلك السفن، سمح لأفراد طواقمها بالمغادرة، لكنّ الشركات المديرة لتلك السفن كانت حريصة على عدم تركها غير مأهولة، حرصًا على ما فيها من بضائع، فتم إرسال طواقم تتناوب على البقاء في السفن، ليتشكّل في ذلك السياق مجتمع ارتبطت حياته بتلك السفن العالقة، وانتظم أفراده في مؤسسة عرفت باسم "اتحاد البحيرة المرّة الكبرى".

تم تنظيم منافسات كروية على السفن (e-flux)

لقد كان لكل فريق في هذا الاتّحاد مهامّ محدّدة تتوزع على كل "بلد"، فالطواقم البولندية كانت مهمتها إدارة التواصل البريدي، بينما كان البريطانيون مسؤولين عن تنظيم منافسات لكرة القدم على متن إحدى السفن، في حين كانت أخرى تستخدم كمستشفى. في أيام الآحاد كانت الصلوات تعقد على سفينة ألمانية لمن يرغب، فصار يطلق عليها اسم "الكنيسة"، بالرغم من أنها كانت كذلك تستخدم لإقامة حفلات الشرب الصاخبة. وبلغ الأمر بأفراد تلك الطواقم أن نظموا نسختهم الخاصة من الأولمبياد عام 1968، كما قام بعضهم بتصميم طوابعهم البريدية الخاصة.

طوابع بريدية للأسطول الأصفر (amusingplanet)

في العام 1975، بعد إعادة فتح القناة، كانت معظم سفن الأسطول الأصفر غير قادرة على الحركة وذلك نتيجة توقفها التام طوال ثماني سنوات، ما استلزم صيانتها لإعادة تشغيلها، فكان الخيار العملي الوحيد حينها هو سحبها عبر قواطر شحن أكبر، باستثناء سفينتين ألمانيتين أعيد تشغيلهما بنجاح لإتمام الطريق عبر القناة. 

كان هذا الإغلاق هو الإغلاق الأطول على الإطلاق  في تاريخ القناة، في حين من غير المرجّح أن يستمر الإغلاق الحاصل منذ يوم الخميس، 25 آذار/مارس سوى بضعة أسابيع على الأكثر

كان هذا الإغلاق هو الإغلاق الأطول على الإطلاق إذن في تاريخ القناة، في حين من غير المرجّح أن يستمر الإغلاق الحاصل حاليًا منذ يوم الخميس، 25 آذار/مارس سوى بضعة أسابيع، ولن يكون على أية حال أطول إغلاق تشهده القناة، بالرغم من الآثار الاقتصادية الفادحة. ف.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

إعلام السيسي يحاول "تعويم" أزمة قناة السويس

غاز شرق المتوسط القضية المحورية في محادثات القاهرة وأنقرة