11-مارس-2022
صالون هدى-اسراء عرفات

من الفيلم (IMDb)

في بعض الأحيان تكون الدعوة إلى التمسّك بالخصوصية الثقافية هي دعوة إلى الحجب والتعمية عن عورات مجتمعية حقيقية تضجّ بها المجتمعات بشكل عام، ويُمكن القول بأنّ هذا هو ما حدث تمامًا في حالة أصوات الاعتراضات التي انطلقت في الأوساط الفلسطينية على مشهد عري بطلة من بطلات فيلم "صالون هدى" للمخرج هاني أبو أسعد، الذي أثير الجدل حوله مؤخرًا.

ورغمَ أنّ المشهد تمّ تصويره ضمن إطار درامي معين لاستعراض فداحة وبشاعة عملية الابتزاز الجنسي التي تتعرّض له النساء الفلسطينيات لإسقاطهنّ في فخّ العمالة مع الاحتلال، فإنّ المتابع لتعقيبات المعترضين على الفيلم، والتي ضجت بها وسائل التواصل الاجتماعي، يُلاحظ أنّها جميعها تعقيبات تأخذ على مخرج الفيلم قيامه بتصوير هذا المشهد من منطلق وجوب التمسّك بالخصوصية الثقافية للمجتمع الفلسطيني، وبطبيعته المحافظة والحساسة عندما يتعلّق الأمر بالنساء الفلسطينيات وقضاياهنّ.

يأتي المشهد المثير للجدل في إطار درامي يعرض فداحة وبشاعة عملية الابتزاز الجنسي التي تتعرّض له النساء الفلسطينيات لإسقاطهنّ في فخّ العمالة مع الاحتلال

 

الاعتراضات التي يبنيها هؤلاء من منطلق وجوب التمسّك بالخصوصية الثقافية في حالة فيلم كفيلم "صالون هدى"، والذي هو عمل فني إبداعي أساسًا، هي اعتراضات تطلّب التوقّف قليلًا لتأمّلها وتفنيدها في ما تدعو إليه ليس فقط من منطلق توصيفات الأفلام كأعمال فنية إبداعية بشكل عام، ولكن من منطلق الثيمات الأساسية التي حملها الفيلم وجاء ليُدافع عنها.

بدايةً فإنّه بتسليط الضوء على هذه الاعتراضات من منطلق توصيفات الأفلام كأعمال فنية إبداعية بشكل عام، فيُمكن القول بأنّ الأصوات المعترضة على الفيلم من زاوية هذا المشهد تستبطن في داخلها هجومًا على المنتَج الفني الإبداعي بشكل عام، إذ إنّها تنصّب ما تدعوه الخصوصية الثقافية للمجتمعات بمثابة رقيب وقيّم على هذا المنْتَج، يأتي ليَفرض عليه ما يصحّ وما لا يصحّ وما يجب وما لا يجب، ولا عجب أنّ نرى أنّ مثل هذه الاعتراضات تمتد لتشمل منتجات إبداعية أخرى كالروايات والشعر وغيره، فرواية "جريمة في رام الله" مثلًا هي رواية حوكمت تحت وطأة هذه الاعتراضات التي تبناها الإطار الرسمي في فلسطين حينها.

وبتفنيد هذه الاعتراضات من زاوية الثيمات الرئيسة للفيلم، فيُمكن القول بأنّ الفيلم يأتي ليستعرض قصة مستوحاة من أحداث حقيقية لطرق الابتزاز الجنسي التي يتبعها الاحتلال الإسرائيلي من أجل إسقاط النساء الفلسطينيات في فخّ العمالة والتخابر معه، وهو يحكي قصة هدى صاحبة إحدى صالونات التجميل التي جنّدها الاحتلال -عبر استغلال حادثة خيانتها لزوجها- من أجل إسقاط النساء الفلسطينيات في العمالة من خلال طريقة ابتزاز جنسي تتمّ عبّر تخديرهنّ وتصويرهنّ عاريات مع رجل يظهر بمظهر الذي يقيم علاقة معهنّ، يحكي الفيلم قصة هدى مع ريم، تلك المرأة المتزوجة التي استدرجتها وقامت بابتزازها جنسيًا في محاولة لإسقاطها في العمالة، وذلك في اليوم السابق للقبض عليها واعتقالها من قبل ما يَظهر في الفيلم على أنّه المقاومة الفلسطينية.

وإنّ إحدى الثيمات الأساسية التي حَملها الفيلم، سواء في عرضه لقصة هدى أو ريم، هي ثيمة نظام الهيمنة الذكورية التي يأتي كنظام شريك ومتواطئ في عملية إسقاط النساء الفلسطينيات في كثير من الأحيان، والمقصود بنظام الهيمنة الذكورية ذلك النظام الأبوي البطريركي الذي تعيش تحت وطأته المرأة الفلسطينية ويأتي في تقييداته الكثيرة ليُحاكمها وليربط بين جسدها وبين مفاهيم الشرف والعِرض وغيرها.

جاء فيلم "صالون هدى" لمناهضة نظرة النظام الأبوي البطريركي التي تختزل مفاهيم الشرف في أجساد النساء، وهي تلك النظرة ذاتها التي وقع المعترضون عليه فيها!

 

إنّ الفيلم يأتي ليقول بشكل واضح وصريح بأنّ هذا النظام الذي يُشكّل جسد المرأة هاجسًا لديه، بحيث يختزل مفهوم الشرف فيه وفي امتلاكه، ويكفي اشتباه وقوعه في المحظور لقتل صاحبته وإنهاء حياتها، هو نظام يأتي كشريك ومتواطئ في عملية إسقاط النساء الفلسطينيات في فخّ  العمالة مع الاحتلال، لأنّ المرأة التي تعيش في ظلاله تختار –مرغمة- في حالات تعرضها للابتزاز الجنسي من قبل الاحتلال الالتجاء إلى العمالة وذلك بدوافع الخوف من الالتجاء إلى حاضناتها الاجتماعية المتمثلة بالأهل والعائلة والمجتمع التي لا تتوقّع ان تجد فيها سندًا ودعمًا، وذلك لطغيان شكل النظام البطريركي الأبوي عليها جميعًا.

وتبعًا لذلك، يُمكن القول بأنّ دعاوى وجوب مراعاة الخصوصية الثقافية للمجتمع الفلسطيني التي أطلقها المعترضون على الفيلم هي دعاوى تنطلق من نفس أطر نطام الهيمنة الذكورية التي جاء الفيلم في ثيماته الرئيسة من أجل محاربته، فهيَ دعاوى يأتي جسد المرأة كما لو كان هاجسها الوحيد، وكأنّها تقول بأنّ عَرض عورة هذا الجسد ضمن إطار مشهد تصوير قد تكون له متطلباته الدرامية التي يراها المخرج هو انتهاك لشرف مجتمع بأكمله. وبهذا يكون فيلم "صالون هدى" هو ذلك الفيلم جاء لمناهضة نظرة النظام الأبوي البطريركي التي تختزل مفاهيم الشرف في جسد النساء، وهي تلك النظرة ذاتها التي وقع المعترضون عليه فيها!