11-سبتمبر-2019

يصيغ المنجمون جملًا تناسب الجميع (Getty - الترا صوت)

الترا صوت - فريق الترجمة

ربما دفعك الملل ذات مساء إلى تصفح قسم الأبراج في مجلة ما، أو تزجية الوقت في اختبار ما للشخصية على شبكة الإنترنت، لتتفاجأ بأن التنبؤات الواردة في المجلة، أو نتائج الاختبار الذي أجبت على أسئلته؛ تصفك بالفعل!

يُطلَق مصطلح "عبارات بارنوم" على العبارات التي تبدو مُصمّمةً خصيصًا لك، لكنها تنطبق على العديد من الناس في الواقع

في العادة سيدفعك ذلك للتساؤل حول ما إذا كانت للأبراج فعلًا قدرة على التنبؤ، وربما تذهب للاعتقاد بأن اختبار الشخصية الذي أجريته على الإنترنت، يستند فعلًا إلى أبحاث علمية.

اقرأ/ي أيضًا: سيكولوجيًا.. لماذا هناك منجمون؟

لكن في الواقع، ذلك أبعد ما يكون عن الصحة، فكل ما قامت به المجلة أو قام به الموقع، هو مغازلة مشاعرك، بالاعتماد على حيلةٍ نفسية تعرف باسم "تأثير بارنوم". المزيد من التفاصيل عن كيفية عمل هذا الوهم، في السطور التالية المنقولة بتصرف عن موقع "Inews".


هل قرأت صفات برجك يومًا ما، متسائلًا: "كيف يُعقَل أنها تطابق شخصيتي لهذه الدرجة المخيفة؟"، أو ربما تفاجأت بتشابهٍ كبيرٍ بينك وبين نتيجة اختبار ما للشخصية؟ قد يعود ذلك لحيلة في علم النفس تُدعى تأثير بارنوم.

 في ما يُعدّ أحد التجارب الكلاسيكية في علم النفس، أخضع برترام فورير، 39 من طلابه لاختبار شخصية يتكوّن من 14 جملة تصف شخصياتهم. طلب فورير من طلابه تقييم دقة هذا الوصف بإعطائه علامة من 1 إلى 5، وكان معدل تقييم الطلاب لدقة الاختبار 4.3. وهنا تكمن الحيلة، فقد قرأ جميع الطلاب الوصف ذاته!

الطالع
الطالع ليس إلا عبارات مكررة تصلح للجميع

 أوضح فورير في دراسته المنشورة في مجلة "Journal of Abnormal Psychology" أن جمل الاختبار مأخوذةٌ عشوائيًا من كتب الأبراج المباعة في أكشاك الصحف.

أما الجمل التي كتبها فورير في اختبار الشخصية، فكانت: 

  • "تشعر بالحاجة الشديدة للحصول على إعجاب الآخرين، وقد تُسرِف في انتقاد نفسك أحيانًا".
  • "لديك الكثير من الإمكانيات التي لم تستغلها بعد، قد يكون لديك بعض نقاط الضعف لكنك في الوقت ذاته قادرٌ على التعويض عنها".
  • "قد تسبب لك رغباتك الجنسية بعض المشاكل".
  • "تبدو متماسكًا وحازمًا من الخارج، إلا أنك تشعر بالقلق وعدم الاطمئنان في داخلك".
  • "قد يساورك الشك حيال بعض قراراتك".
  • "تُفضّل عادةً التغيير وتصاب بالملل من القيود".
  • "تعتبر نفسك مفكرًا مستقلًا وترفض ادعاءات الآخرين ما لم تكن مُدعّمةً بالدلائل".
  • "تجد أنه من غير الحكمة أن تظهر على حقيقتك أمام الآخرين".
  • قد تكون اجتماعيًا تحب التواصل مع الآخرين في بعض الأحيان، وفي أحيانٍ أخرى قد تميل إلى الانطوائية والتحفظ".
  • "قد تبدو أحلامك وطموحاتك غير واقعية، ويُعتبَر الشعور بالأمان من أهم أهدافك".

هل تبدو لك جملًا مألوفة؟ على الرغم من معرفتك المسبقة أن هذه الأوصاف لم تكتب خصيصًا لك، إلا أنه من الصعب ألا ترى نفسك بين هذه الجمل!

على كل، لم تكن تجربة فورير الأخيرة، فقد كُرّرت هي نفسها لاحقًا مع أناس آخرين قيموا الجمل التي يفترض أنها تصفهم، بـ"شديدة الدقة".

عبارات بارنوم

يُطلَق مصطلح "عبارات بارنوم" على العبارات التي تبدو مُصمّمةً خصيصًا لك، لكنها تنطبق على العديد من الناس في الواقع. وسُميَّت بذلك تيمنًا بـ"فينياس تايلور بارنوم" الذي تم استوحاء فيلم The Greatest Showman من حياته وعمله.

وكان باول ميهل هو من ابتكر هذا الاسم في مقالةٍ نُشِرَت في مجلة The American Psychologist، عام 1956، عبّر فيها عن امتعاضه من إطلاق علماء النفس للتعميمات في وصف المرضى، إذ قال: "أقترح، وبجدية، أن نعتمد مصطلح عبارات بارنوم من أجل تسمية تلك التجارب السريرية الناجحة في ظاهرها فقط، وهي زائفة في حقيقتها والتي تقوم على نتائج اختبارات شخصية صيغت على نحو فضفاض لتناسب المريض بشكل كبير أو كامل، بحكم تفاهتها".

بارنوم
إعلان لأحد عروض بارنوم السحرية

 ومن أهم خصائص هذه العبارات، أنها مبهمةٌ وفضفاضة بالقدر الكافي بحيث يجد أي قارئ فيها ما يريده، أو ما يعبر عنه، أو ما يشعر أنه يصفه. 

ويدخل أيضًا في هذه المعادلة، نوعٌ من أنواع الانحياز الإدراكي، يُعرَف باسم "المصادقة الذاتية" (Subjective Validation). ويقودنا هذا النوع من الانحياز إلى الظنّ بأن الأوصاف تنطبق علينا دون غيرنا، رغم أنها من الممكن أن تنطبق على الجميع!

وهذه نفسها كانت الطريقة التي عرفت بـ"وصفة بارنوم"، والتي أنجحت له عروضه السحرية من خلال إستراتيجية "القليل مما يرضي الجميع". 

ثغرة الأمل

تميل عقولنا إلى إلصاق التفسيرات الشخصية بالأشياء، وتجاهل ما لا يناسب تلك التفسيرات، الأمر الذي يستغله المنجمون لإقناع الآخرين بأنهم مطلعون على الغيب.

وغالبًا ما تنجح هذه الحيلة، كما يفسّر عالم النفس باري بيرستن، في نقده لما يسمى بـ"علم" تحليل الخط، حين كتب: "يحفّز الأمل الممزوج بالشك عمليات نفسية يستغلها الذين يعملون في قراءة الخط والطَّالع وغيرها من العلوم الزائفة".

يحفّز الأمل الممزوج بالشك عمليات نفسية يستغلها الذين يعملون في قراءة الخط والطَّالع وغيرها من "العلوم" الزائفة

وما استنتجه فورير من تجربته سابقة الذكر، أننا لا نستطيع الثقة بشكل كامل في تقييم الناس لما يظنوه في أنفسهم. وعلى كل حال، يبدو أن نتائج التجربة استفزت فورير، لدرجة أن عنون ورقته البحثية بـ"برهان جليّ على البلاهة"!

 

اقرأ/ي أيضًا:

الطب الشعبي.. العلم في مواجهة موروث مشوّه

كيف خدع "وليّ" كنز سرغينة 20 ألف مغربي واتّبعوه للوهم؟