29-أبريل-2025
تعود جذور إدراج مادة الدراسات العرقية إلى احتجاجات طلابية شهدتها جامعات كاليفورنيا في ستينيات القرن الماضي (Getty)

تعود جذور إدراج مادة الدراسات الإثنية إلى احتجاجات طلابية شهدتها جامعات كاليفورنيا في ستينيات القرن الماضي (Getty)

في الوقت الذي تتصاعد فيه الرقابة على الأصوات المناصرة لفلسطين داخل الجامعات الأميركية، تشهد ولاية كاليفورنيا واحدة من أخطر محاولات تقويض حرية التعليم والتعددية الثقافية، من خلال مشروع قانون مثير للجدل يسعى إلى فرض رقابة صارمة على مناهج "الدراسات الإثنية" في المدارس الثانوية، ولا سيما عند تناولها للقضية الفلسطينية.

يكشف تحقيق نشره موقع "ذي إنترسبت" الأميركي أن مشرّعين ديمقراطيين، بدعم من لوبيات موالية لإسرائيل، يعملون على تمرير مشروع قانون جديد يُعرف باسم " AB 1468" من شأنه فرض رقابة على محتوى المقررات الدراسية المتعلقة بتاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بذريعة مكافحة "خطاب الكراهية".

ويُحذّر خبراء حقوقيون ومؤسسات معنية بحرية التعبير من أن يشكّل هذا القانون منعطفًا خطيرًا باتجاه فرض رقابة على التعليم في ولاية كاليفورنيا، الأكبر ديموغرافيًا، على نحو يُشبه ما يحدث في ولايات محافظة كفلوريدا وتكساس.

كشف تحقيق نشره موقع "ذي إنترسبت" الأميركي أن مشرّعين ديمقراطيين، بدعم من لوبيات موالية لإسرائيل، يعملون على تمرير مشروع قانون جديد يُعرف باسم " AB 1468" من شأنه فرض رقابة على محتوى المقررات الدراسية المتعلقة بتاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

مشروع قانون مثير للجدل

على مدار سنوات، تبنّى الديمقراطيون في ولاية كاليفورنيا مشروعًا طموحًا لإدراج مادة الدراسات الإثنية ضمن المناهج الثانوية، باعتبارها خطوة ضرورية نحو تعليم أكثر شمولًا وعدالة.

ورغم الهجمات المتكررة من وسائل الإعلام اليمينية المحافظة والانتقادات المحلية، تمكّنت الأغلبية التشريعية في الولاية من إقرار قانون عام 2021 يجعل من هذه المادة شرطًا إلزاميًا للتخرج، مع ترك الحرية للمجالس التعليمية المحلية في إعداد المناهج الخاصة بها. غير أن هذا الإجماع لم يصمد طويلًا، إذ تعرّض للاهتزاز مع دخول القضية الفلسطينية إلى صلب المناهج.

خلال العام الماضي، تحالف عدد من مشرّعي الولاية مع منظمات مجتمعية وائتلاف الضغط المؤيد لإسرائيل، ممثَّلًا باللجنة اليهودية للشؤون العامة في كاليفورنيا (JPAC)، لدفع مشروع قانون يفرض قيودًا على صلاحيات المجالس التعليمية المحلية في ما يتعلق بمناهج الدراسات الإثنية، وذلك ردًا على دروس تناولت تاريخ فلسطين وإسرائيل، اعتُبرت، بحسب مؤيدي القانون، مُحرّضة على "كراهية غير مسبوقة ضد الطلاب اليهود".

وتقول النائبة دون أَديس، إحدى مُعدّات المشروع، في مقالة رأي نشرتها بتاريخ 30 آذار/مارس، إن الهدف من القانون هو "ضمان أن تحارب الدراسات الإثنية جميع أشكال الكراهية". وأضافت: "في وقت تسعى فيه الحكومة الفيدرالية إلى إعادة كتابة التاريخ الأميركي من خلال حظر مبادرات التنوع، يجب على كاليفورنيا أن تواصل إبراز التجارب الحيّة لكل من يعيش على هذه الأرض".

وبينما يلقى مشروع القانون دعمًا من أطراف يمينية تؤيد تقييد مناهج الدراسات الإثنية، حذّر تحالف من الأكاديميين والمدافعين عن حرية التعبير من أن هذه القيود قد تفتح الباب أمام رقابة حكومية مشابهة لتلك المفروضة في ولايات محافظة مثل تكساس وفلوريدا.

وفي هذا السياق، قالت المتحدثة باسم منظمة "PEN America"، سوزان تريمِل، إن القانون "يستحضر نماذج من قوانين تقييد حرية التعليم التي طُبقت في ولايات أميركية أخرى "، محذّرة من أنه "قد يفضي إلى سحب مواد دراسية بحجة غياب التعددية، وهي مفاهيم فضفاضة يصعب تعريفها بدقة".

قانون "AB 1468"، الذي طُرح في شباط/فبراير الماضي، يهدف إلى وضع معايير جديدة لمقررات الدراسات الإثنية، على أن تبدأ المدارس في تطبيقها مع العام الدراسي المقبل.

وتعود جذور إدراج مادة الدراسات الإثنية إلى احتجاجات طلابية شهدتها جامعات كاليفورنيا في ستينيات القرن الماضي، وقد تم تقنينها رسميًا ضمن القانون التعليمي للولاية عام 2021 بعد سنوات من الجدل. غير أن تلك العملية استبعدت الأصوات الداعية إلى مقاربة مناهِضة للاستعمار، وأُزيلت من المناهج أي إشارات إلى القضية الفلسطينية قبل إقرار القانون.

ورغم ما أُثير من جدل، لا يزال القانون الحالي يُلزم المدارس في كاليفورنيا بتقديم مقرر في الدراسات الإثنية بحلول خريف عام 2025، مع منح المجالس التعليمية المحلية حرية تطوير مناهجها بالتعاون مع المجتمعات والجهات الاستشارية، أو بالاستناد إلى الإرشادات الرسمية الصادرة عن الولاية.

دعم ديمقراطي وتحالفات خفية مع اللوبي الإسرائيلي

أما مشروع القانون الجديد، فيقترح إنشاء لجنة من الأكاديميين لوضع معايير موحدة لمقررات الدراسات الإثنية، تضم متخصصين في أربعة مجالات: الدراسات الإفريقية الأميركية، والدراسات اللاتينية/التشيكانية، ودراسات الأميركيين من أصول آسيوية/جزر المحيط الهادئ، ودراسات السكان الأصليين. كما ستُؤخذ بعين الاعتبار مساهمات ممثلين عن المجتمعات الأكثر تضررًا من جرائم الكراهية، بحسب بيانات سلطات إنفاذ القانون في الولاية.

ووعد القائمون على المشروع كذلك بإدراج أكاديميين "تقليديين" يختارهم الحاكم. لكن النموذج التعليمي الرسمي المعتمد حاليًا لا يزال يختزل النكبة الفلسطينية بوصفها مجرد "رحيل للفلسطينيين من أرضهم"، من دون أي شرح أو سياق تاريخي.

بحسب مشروع القانون، يتوجب على وزارة التعليم في كاليفورنيا أن تتسلّم بحلول عام 2026 نسخًا من جميع المناهج التعليمية التي تعتمدها المناطق التعليمية المحلية، وأن تنشرها علنًا. ويهدف هذا الإجراء إلى التأكد من خلوّ المناهج من "نظريات أيديولوجية مجردة"، والتركيز بدلًا من ذلك على "التجربة الأميركية الداخلية".

وفي ندوة عبر الإنترنت عُقدت في آذار/مارس، قال السيناتور الديمقراطي جوش بيكر، الممثل لمنطقة وادي السيليكون وأحد داعمي مشروع القانون، إن القانون "لا يحظر أي محتوى"، لكنه أبدى قلقه من محتوى عرض تعليمي تلقّاه ابنه في الصف الثاني عشر ضمن مادة الدراسات الإثنية، حيث ظهرت صورة ليد تحرك خيوط دمى، مرفقة بعبارة تقول: "إسرائيل دولة أُنشئت على أرض فلسطينية، والأمم المتحدة تعتبر ذلك غير قانوني".

وأضاف بيكر: "نحن نعلم أن الأمم المتحدة هي من أنشأت إسرائيل، وأنه لم تكن هناك فلسطين قبل ذلك، وكانت غزة تحت السيطرة المصرية"، وهي تصريحات حُذفت لاحقًا من الفيديو المنشور للندوة. وبعد موجة انتقادات، كتب بيكر على منصات التواصل: "لم أقصد، ولن أقصد، التقليل من ارتباط الفلسطينيين بأرضهم".

أما المدير التنفيذي للجنة اليهودية للشؤون العامة في كاليفورنيا (JPAC)، ديفيد بوكارسلي، فقال إن التعامل مع كل منطقة تعليمية بشكل منفرد تحوّل إلى "لعبة ضرب الخلد"، مما استدعى على حد تعبيره تبنّي حل على مستوى الولاية.

في المقابل، حذّرت منظمة "PEN America"من أن مشروع القانون يعتمد نهجًا موحدًا يُفرض على جميع المدارس دون مراعاة لخصوصياتها، مما قد يؤدي إلى نوع من "الترهيب التعليمي".

ورغم التحذيرات المتزايدة، يحظى مشروع القانون بدعم قوي داخل المؤسسة الديمقراطية في كاليفورنيا، إذ وقّع عليه 31 نائبًا ديمقراطيًا، بينهم جميع أعضاء "التكتل اليهودي التشريعي" باستثناء نائب واحد.

ومن بين أبرز المؤيدين، توني ثورموند، المشرف العام على التعليم في الولاية، الذي دعم نسخة سابقة من المشروع، ويُتوقع أن يترشح لمنصب حاكم الولاية في انتخابات عام 2026. كما أيد جهود اللجنة اليهودية للشؤون العامة (JPAC) عدد من الشخصيات الطامحة سياسيًا، من بينهم النائب آل موراتسوتشي، رئيس لجنة التعليم في الجمعية التشريعية.

سانتا آنا.. الشرارة التي أطلقت العاصفة

تعود جذور الأزمة الحالية إلى منطقة التعليم العام في سانتا آنا، حيث أقرت في نيسان/أبريل 2023 مقررين في مادة الدراسات الإثنية تضمّنا محتوى عن إسرائيل وفلسطين، بما في ذلك النكبة والمستوطنات. وقد أثار ذلك اعتراضًا من منظمات مؤيدة لإسرائيل، على رأسها رابطة مناهضة التشهير (ADL)، التي رفعت دعوى قضائية ضد المنطقة التعليمية. وفي شباط/فبراير 2025، أُلغيت المواد الدراسية محل الجدل بموجب تسوية قانونية توصل إليها الطرفان.

بعد أيام من أزمة سانتا آنا، طُرح مشروع القانون " AB 1468"، ونشرت اللجنة اليهودية للشؤون العامة في كاليفورنيا(JPAC)  قائمة بخمس حالات قالت إنها تمثّل "أمثلة على معاداة السامية"، من دون إرفاق أي مصادر. وقد فوجئ بعض المسؤولين الواردة أسماؤهم في القائمة، مثل مدير منطقة التعليم في فورت براج، الذي قال إنه علم بالاتهامات من وسائل الإعلام، مضيفًا: "كنت أتمنى لو تواصلوا معنا مباشرة بدلًا من نشر أسمائنا على الملأ".

وفي منطقة بيتسبرغ التعليمية، أعربت المشرفة جانيت شولتزه عن "دهشتها واستغرابها" من إدراج اسم منطقتها على خلفية استخدام مزعوم لتعريف متحيّز لحركة المقاطعة (BDS)، مؤكدة أنهم لم يتلقوا أي شكاوى من المجتمع المحلي.

تزايدت حملات الاعتراض على المناهج التقدمية بعد هجمات 7 أكتوبر وتصاعد الحراك المناهض للحرب في الولايات المتحدة، لكنها لم تكن وليدة اللحظة. النائب الديمقراطي ريك زبور من لوس أنجلوس وصف المعارضين لمشروع القانون بأنهم "مروّجون لمناهج متطرفة"، مشيرًا إلى نفوذهم في نظام جامعة كاليفورنيا ونقابات المعلمين.

وبعد أن تم تهميش الجناح اليساري خلال عملية صياغة القانون الأول للدراسات الإثنية، أسس هذا التيار "ائتلاف المنهج المحرّر للدراسات الإثنية" كمؤسسة استشارية بديلة، ليجد نفسه منذ ذلك الحين في مرمى الانتقادات. وقد رُفعت دعوى فدرالية ضد الائتلاف عام 2023، لكن قاضيًا فيدراليًا رفضها محذرًا من خطورة تقويض حرية التعليم لمجرد أن جهة ما تعترض على مضمون مقرر دراسي.

وفي منطقة وادي باخارو، خاضت السلطات التعليمية نزاعًا دام 18 شهرًا حول تجديد عقد التعاون مع مؤسسة "التعليم المتجاوب مجتمعيًا"، قبل أن تقرر الأسبوع الماضي تجديده، بعد مراجعة أثبتت خلو المواد التعليمية من أي محتوى "معادٍ للسامية".

أما مدينة كوداهي، ذات الغالبية اللاتينية، فقد صوّت مجلسها البلدي بالإجماع في 15 نيسان/أبريل ضد مشروع القانون، معتبرًا إياه "تقويضًا للسيادة المحلية". وقالت عضوة المجلس دايزي لوملي خلال الجلسة: "من الواضح أن هذا القانون محاولة للتلاعب بالسردية حول الإبادة الجارية في فلسطين".

ورغم الضغوط السياسية المتزايدة، تواصل مئات المناطق التعليمية في كاليفورنيا تطوير مناهج الدراسات الإثنية بشكل مستقل، دون دعم مالي يُقدّر بأكثر من 200 مليون دولار كانت الولاية قد تعهدت به.

ومن المقرر أن تُناقش نسخة القانون في لجنة التعليم التابعة للجمعية التشريعية يوم 30 نيسان/أبريل، في جلسة يتوقع أن تشهد سجالًا حادًا، ما لم يصوّت المشرّعون على تمديد المهلة. وجّهت (JPAC) رسالة إلى مؤيديها جاء فيها: "الأصوات التي تسعى إلى حقن محتوى ضار في صفوفنا ترتفع... ويجب أن نرد عليها".

معركة على سردية التاريخ

ما يكشفه تحقيق "ذي إنترسبت" يتجاوز مجرد جدل تعليمي محلي في كاليفورنيا. فالمعركة الدائرة حول مناهج الدراسات الإثنية، وتحديدًا ما يتعلق بفلسطين، تعبّر عن صراع أعمق داخل المجتمع الأميركي بين قوى تسعى إلى إعادة كتابة التاريخ بما يخدم سرديات القوة، وأخرى تصرّ على تثبيت الحق في سرد الحكايات المسكوت عنها.

لذا، مشروع القانون " AB 1468" لا يمكن فصله عن السياق السياسي العام في الولايات المتحدة من صعود التيارات اليمينية، وتحالفات غير معلنة بين بعض مراكز القرار الديمقراطية واللوبيات المؤيدة لإسرائيل، فضلًا عما يمكن اعتباره حملة منظمة لشيطنة الخطاب المؤيد للفلسطينيين داخل المؤسسات الأكاديمية والتعليمية.

وإذا كانت ولايات كفلوريدا وتكساس قد تحركت باسم المحافظين الدينيين واليمينيين لحظر تعليم قضايا العبودية والعنصرية والنوع الاجتماعي، فإن ما يحدث في كاليفورنيا ـ الولاية التي طالما تباهت بتقدمها وتنوعها ـ يضعنا أمام شكل جديد من الرقابة: رقابة تُمارس باسم "مكافحة الكراهية" ولكنها تستهدف إسكات رواية تاريخية سياسية لشعب بأكمله.

إن تدريس القضية الفلسطينية في المناهج التعليمية الأميركية ليس مسألة هامشية، بل هو مقياس صريح لحدود حرية التعبير، ولمدى قدرة المجتمع على مواجهة تاريخه ومواقفه الخارجية بصدق وشجاعة. وإن استمرار الضغط على المدارس والمعلمين والطلاب لتجاهل النكبة، وتخفيف واقع الاحتلال، أو شيطنة حركة المقاطعة (BDS)، هو مسعى لا يضر بالفلسطينيين فقط، بل يقوض أسس التعليم النقدي والديمقراطي في الولايات المتحدة.