16-ديسمبر-2021

أثبتت الأبوة الإيجابية نفسها كأسلوب تربوي ناجع (Getty)

هل تتذكر آخر مرة سمعت بها مديحًا عنك من والدك، أو إشادة بتصرف بدر منك؟ للأسف قد تكون إجابة البعض، أنه مرّ زمن بعيد. للوطن العربي اختلاف ربما بفلسفته للعلاقات الاجتماعية، خصوصًا أن أنظمة الحكم فيه سلطوية وقد تلقي بظلالها على المؤسسات المجتمعية الأصغر، كالعائلة مثلًا، وتمتد تبعًا لذلك منهجية التعامل مع الفرد من سلطة الحكومة إلى سلطة الأبوين، ومقدار السلطة المفروضة من قبل الأقوى أو الأعلى.

تقول الدراسات إنه وعلى عكس الأبوة الاستبدادية، التي تطالب الأطفال بتصرفات سليمة تزامنًا مع قلة الرعاية، فإن الأبوة الإيجابية هي نهج قائم على التعاطف يتضمن تقنيات مثل التشجيع

فلا غرابة أن تسمع تصنيفات حكومية لأفراد العائلة على سبيل المزاح، مثل وزارة المالية التي كثيرًا ما يلقب بها الأب، ووزارة الداخلية التي تنسب للأم، كناية عن دور الأب الرئيسي بتوفير المال للعائلة، وتنظيم شؤون الأسرة عبر الأم.

اقرأ/ي أيضًا: "الحب الخانق".. 4 نصائح لتربية طفل يمكنه الاعتماد على نفسه

لكن لا بد من قول كلمة فصل في عالم التربية، إذا ما كان للأبوين رغبة حقيقية بتنشئة أبنائهم بطريقة سليمة ومتينة، سيسعى الوالدان لأن يكونا إيجابيين أكثر في حياة أولادهم، حتى لو كانوا ينتمون لمجتمعات مضطهدة.

تربية الأبناء

ما هي الأبوة الإيجابية؟

تقول الدراسات وفق ما نشرت قناة CNBC الأمريكية، إنه وعلى عكس الأبوة الاستبدادية، التي تطالب الأطفال بتصرفات سليمة وترفع مستوى التوقعات لسلوكياتهم، تزامنًا مع قلة الرعاية أو التوجيه من قبل الآباء، فإن الأبوة الإيجابية هي نهج قائم على التعاطف يتضمن تقنيات مثل التشجيع وحل المشكلات، بدلاً من الصراخ والعداء أو التشهير أو الاستفادة من المكافآت.

فعندما يلجأ الآباء إلى الصراخ المستمر أو التذمر، فإنهم عادة ما ينتهي بهم الأمر بالشعور بالإحباط والغضب ثم بالذنب بعد ذلك، وقد يشعر الأطفال بدورهم بالإحباط والغضب أيضًا ويستمرون في إساءة التصرف.

وهنا، تشير دراسة سابقة قادها مينغ تي وانغ الأستاذ المساعد في علم النفس بكلية التربية بجامعة بيتسبرغ وعلم النفس في مدرسة كينيث بي ديتريش للفنون والعلوم في بيت، إلى أن السلوكيات الخاطئة للأطفال تخلق الرغبة في إعطاء تأديب لفظي قاسي من قبل الوالدين، لكن هذا التأديب قد يدفع بالأطفال نحو السلوكيات الخاطئة نفسها".

لا تُفلت المقبض

قد تسمع أحيانًا عبارات من والديك مثل "قسيت عليك لمصلحتك"، "أنا أدرى بما يناسبك"، أو "العصا من الجنة" كناية عن ضرورة الشِدّة بالتربية، لكن باحثين وجدوا أيضًا أن "دفء الوالدين" أي درجة الحب، والدعم العاطفي، والمودة بين الوالدين والأطفال أو المراهقين، لم يقلل من آثار التأديب اللفظي الممارس، حيث يقول وانغ إن الشعور بأن الوالدين يصرخان في وجه الطفل "بدافع الحب" أو "من أجل مصلحتهم"، لا يخفف من الضرر الذي يلحق به، مهما كانت قوة الرابطة بين الوالدين والطفل.

وأضاف وانغ أن السقوط من حين لآخر في استخدام التأديب اللفظي القاسي ولو كان قليلًا يمكن أن يكون ضارًا، "فحتى لو كنت داعمًا لطفلك، لا يزال سيئًا إذا تركت المقبض".

أسلوب التربية الإيجابية يطرح تحديات وتساؤلات لدى بعض الآباء، عن دقة الأبوة والأمومة الإيجابية في قدرة تعبير الأطفال عن مشاعرهم السلبية أو تفسيرها والتفاعل معها، إذا لم يساعدهم الآباء على رؤيتها، الأمر الذي قد لا يخدمهم جيدًا في وقت لاحق في الحياة.

بدورهم، يرى علماء النفس أن الأبوة الإيجابية يمكن أن تعزز ثقة الأطفال وتزودهم بالأدوات اللازمة لاتخاذ خيارات جيدة، كما أنها تغذي احترام الذات والإبداع والإيمان بالمستقبل والقدرة على التعايش مع الآخرين.

ولذا ينصح الخبراء لبدء ممارسة الأبوة والأمومة الإيجابية، بقضاء وقت ممتع مع الأطفال وإعداد السلوك الجيد على أنه منهاج، وهذا أفضل ما يمكن فعله لمساعدتهم على تطوير الثقة بالنفس والعلاقات الصحية. ويقول الخبراء إن "الأطفال يحتاجون إلى اهتمام إيجابي وتواصل عاطفي، لكن عندما لا يتلقونه، فإنهم يبحثون عنه بطرق سلبية، ثم يواجه الآباء صراعات على السلطة وتبدأ الانهيارات".

توضيح المشهد للطفل، وشرح النتيجة والسبب، أدوات أيضًا يمكن استغلالها، فقط اشرح لطفلك أنه عند الانتهاء من الجزء المكروه من مهمة صعبة، يمكن التحدث عن أشياء أكثر إمتاعًا. فعلى سبيل المثال، يمكنهم استخدام جهاز iPad أو اللعب في الخارج بعد اكتمال روتينهم الصباحي، كتنظيف أسنانهم، وارتداء ملابسهم، وتناول وجبة.

لا ترشِ أبناءك

اكتشفت دراسات أن الأطفال الذين يتم رشوتهم لفعل أمر ما، أو بصورة أخرى قد يكافَؤون فغالبًا أنهم يفقدون الاهتمام بالنشاط الذي يكافؤون عليه، ويصبحون أكثر اهتمامًا بالحصول على المكافآت، مما يعني أنه قد يتعين عليك الاستمرار بالرشاوى للحفاظ على نفس جودة السلوك.

تربية الأبناء

في حين يعد استخدام التشجيع الطريقة المثلى لإخراج أفضل ما لدى الأطفال، مع الحرص على تجنب العبارات التي تشير إلى شخصهم أو شخصيتهم، مثل "أنت أفضل لاعب في الفريق" أو "أنت ذكي جدًا"، بل شجع الفعل المحدد، فإذا أظهر ابنك اهتمامًا بشخص يبدو حزينًا، أشر إلى ما فعله بشكل صحيح: "كان هذا لطيفًا جدًا منك أن تسأل عما إذا كان صديقك على ما يرام".

ولا تنسى أنه حالما الطفل يبدأ بالتصرف، فإن فرض العواقب الطبيعية يمكن أن يحول الخيارات السيئة إلى فرص تعلم، فمثلًا إذا رفض الطفل ارتداء أحذية المطر في صباح ممطر، فشرح النتيجة الطبيعية: "سوف تتشرب جواربك وستشعر أقدامك بالبلل بشكل مزعج"، وهذا يتيح لطفلك اختيار ما إذا كان سيرتدي الأحذية أم لا، والتعرف على القرار الصحيح بنفسه.

وعطفًا على ما ذكر، فإن علاقة الأطفال القوية مع والديهم، ستجعلهم يتصرفون بشكل مناسب ويكبرون ليكونوا بالغين مرنين وواثقين ومهتمين ومسؤولين.

مستقلون وناجحون

بحسب مجلة علم الأبوة والأمومة فإن الأبحاث تشير إلى أن الأطفال الذين يتم تربيتهم من قبل آباء موثوقين سيصبحون أكثر استقلالًا واعتمادًا على الذات، وسيكونون مقبولين اجتماعيًا، وناجحين أكاديميًا ومحسنين السلوك، كما أنهم أقل عرضة للإبلاغ عن الاكتئاب والقلق، أو الانخراط في السلوك المعادي للمجتمع مثل الجنوح وتعاطي المخدرات.

 علاقة الأطفال القوية مع والديهم، ستجعلهم يتصرفون بشكل مناسب ويكبرون ليكونوا بالغين مرنين وواثقين ومهتمين ومسؤولين

ورغم الدراسات العديدة التي أثبتت نجاعة التربية الإيجابية أو التربية بالحب أو غيرها من المصطلحات، إلا أنه على الطرف المقابل لا يزال هناك من يرفض اتباع هذه المنهجية، بدعوة "كما تربينا سنربي أولادنا"، وقد تكون العصبية القبلية والتمسك بالعادات والتقاليد والامتصاص الكبير لما يتم توريثه من قبل الأجيال السابقة، ضمن الأسباب التي تدفع بالبعض إلى رفض الأبوة والأمومة الإيجابية رغم لطافة مفرداتها وجدوى نتائجها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل يحتاج المراهقون اليوم إلى دروس في "مهارات النوم"؟

كيف أعرف أن طفلي ذكي.. 7 علامات توضح لك

كيف نتحدث مع أطفالنا عن الجنس؟

5 نصائح للتعامل مع الطفل العنيد