24-أبريل-2025
أطفال اليمن

(AFP) أطفال يمنيون يتجمعون لتلقي مساعدات إنسانية في غرب الحديدية

يتعمّق جرح الطفولة في اليمن مع تفاقم الصراع المستمر منذ أكثر من عقد، مما أدى إلى انهيار الخدمات الأساسية، واضطر ملايين الأطفال إلى ترك مقاعد الدراسة والانخراط في التسوّل أو الأعمال الشاقة لتأمين الحد الأدنى من سُبل العيش. وفيما تكشف المنظمات الدولية أن أكثر من 9.8 ملايين طفل باتوا في حاجة ماسة للمساعدات، وسط تراجع حاد في التمويل الإنساني، فإن توقّف تمويل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية يُنذر بتهديد حياة آلاف العائلات التي كانت تعتمد عليها في مخيمات النزوح.

وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن نحو 9.8 مليون طفل يحتاجون إلى مساعدات إنسانية في اليمن، لافتة إلى أطراف الصراع هاجمت المستشفيات والمدارس، مما تسبّب في تعطيل الخدمات الصحيّة وتعليم الأطفال، وهو ما أدى إلى اضطرار العديد من الأطفال إلى ترك المدرسة للتنقل والوقوف في طوابير طويلة لإحضار الماء لعائلاتهم.

المساعدات مورد اليمنيين الوحيد

يشير موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، في تقريرٍ يُسلّط الضوء على واقع الطفولة في اليمن، إلى أن أحمد غالب (60 عامًا) يعيش مع زوجته وأطفاله الأربعة في مخيم مؤقت بمحافظة تعز الجبلية جنوب غرب البلاد، بعدما اضطر إلى الفرار من منزله عام 2018، تاركًا كل شيء خلفه. ومنذ ذلك الحين، باتت المساعدات الإنسانية المصدر الوحيد لتأمين أساسيات الحياة لعائلته.

يتعمّق جرح الطفولة في اليمن مع تفاقم الصراع، حيثُ اضطر ملايين الأطفال إلى ترك مقاعد الدراسة والانخراط في التسوّل أو الأعمال الشاقة لتأمين الحد الأدنى من الحياة

يقول غالب: "في قريتي كنت أعمل في الزراعة أو في السوق، أما هنا في النزوح فلا توجد فرص عمل"، وأضاف لـ"ميدل إيست آي": "المساعدات الإنسانية هي موردنا الوحيد". يوضح الرجل الستيني في حديثه أن "المساعدات النقدية كانت تخفف من معاناتي بشكل كبير، إذ كنت أشتري بها الطعام والدواء والضروريات الأخرى"، وأردف متسائلًا: "أنا رجل مسن لدي أربعة أطفال، من سيساعدنا إن لم تكن هذه المنظمات؟".

وبحسب "ميدل إيست آي"، فقد كان لقرار الولايات المتحدة فرض حظر لمدة 90 يومًا على جميع المساعدات الخارجية في كانون الثاني/يناير الماضي دور في وقف المساعدات الإنسانية، لافتًا إلى أن مستقبل غالب إلى جانب ملايين اليمنيين أصبح أكثر غموضًا، بعدما باتت الإعانات الشحيحة التي يعتمدون عليها مهددة بالتوقف الكامل.

ملايين الأطفال أُجبروا على ترك الدراسة

وفقًا لبيانات منظمة "أنقذوا الطفولة"، فإن ما لا يقل عن 9.8 مليون طفل يمني بحاجة إلى مساعدات إنسانية بسبب الصراع المستمر والانهيار الاقتصادي، وأضافت أن نحو 4.5 مليون طفل أجبروا على ترك الدراسة، ما يُمثل 39% من الأطفال في سن الدراسة، مرجعة ذلك إلى التحديات الاقتصادية التي تواجهها الأسر، وهو ما أدى تفشي عمالة الأطفال. 

وكان ممثل "اليونيسف" في اليمن، بيتر هوكينز، قد قال تصريحات صحفية في آذار/مارس الماضي إن الصراع في اليمن "سرق الطفولة، ودمّر المستقبل، وترك جيلًا كاملًا يكافح من أجل البقاء"، مضيفًا أن "أكثر من نصف السكان يعتمدون على المساعدات الإنسانية للبقاء"، لافتًا إلى أن "أسعار الغذاء ارتفعت بنسبة 300% منذ عام 2015"، مرجعًا ذلك إلى أن "الموانئ والطرق الحيوية، التي تشكل شرايين الحياة للغذاء والدواء، إما متضررة أو محاصرة".

ووفقًا لـ"ميدل إيست آي"، فإن الولايات المتحدة موّلت العام الماضي أكثر من 33% من خطة الاستجابة الإنسانية لليمن، بما يعادل 795 مليون دولار، بالإضافة إلى حصول اليمن على أكثر من 700 مليون دولار في 2023، وأكثر من مليار دولار في 2022. لكن الآن، وفي ظل تجميد المساعدات الأميركية، فقد اضطرت عدة منظمات إلى إيقاف برامج المساعدات النقدية والخدمات الأخرى.

التسول أو العمل القسري

يصف غالب الوضع بعد توقف المساعدات قائلًا: "لم يكن أمامنا خيار سوى إرسال أطفالنا للتسول في الأسواق، ومن يستطيع العمل، يعمل"، موضحًا في حديثه لـ"ميدل إيست آي" أنه "في الصباح الباكر ترى الأطفال يخرجون جماعات، إما للتسول أو للعمل في الأسواق المختلفة". وأضاف: "في بعض الأيام، عندما لا يكفي ما جمعه أطفالي، أضطر للخروج بنفسي لطلب بقايا الطعام من المطاعم. نحن مجبرون على الاختيار بين التسول أو الموت جوعًا".

في قصة ثانية يستعرضها التقرير، يشير الموقع البريطاني إلى أنه في مكان قريب من المخيم، كان محمد عبد الله (10 أعوام)، قد بدأ الدراسة مؤخرًا وكان يشعر بالحماسة تجاه التعليم، حتى توقفت المساعدات فجأة. يقول عبد الله: "كنت أحلم بأن أصبح معلمًا لأساعد الأطفال الفقراء على التعلم"، وأضاف "لكن يبدو أن حلمي لن يتحقق لأن دخل والدي لا يكفي لإعالتنا، ولم نعد نحصل على مساعدات، لذا اضطررت للعمل".

وفقًا لـ"ميدل إيست آي"، يعمل محمد في مزارع القات المجاورة مقابل 1500 ريال يمني يوميًا، أقل من دولار واحد أميركي، وهو بالكاد يكفي لوجبة واحدة لعائلته المكونة من سبعة أفراد. كما يجمع الأكياس البلاستيكية الفارغة ويبيعها لمصانع إعادة التدوير. يوضح عبد الله في حديثه "ما أجنيه بالكاد يغطي وجبة العشاء، وإخوتي مسؤولون عن توفير الغداء"، مؤكدًا بقوله: "أفضل العمل على التسول، لكن عندما لا يكون هناك عمل ولا طعام في البيت، أضطر للتسول".

أعربت والدته في حديثها للموقع البريطاني عن قلقها الدائم على ابنها عندما يعمل في مزارع القات أو يتسول في السوق، مشيرةً إلى أنه "أحيانًا يُهان في السوق لأنه يضطر إلى التسول"، موضحة أن "هذه الأيام أسوأ من أيام النزوح الأولى؛ نحن نفقد كرامتنا فقط من أجل البقاء". وأضافت: "نحن لا نطلب الكثير، فقط سلة غذاء شهرية. إذا توفر لنا الطعام، نحافظ على كرامتنا ولن نضطر لإرسال أطفالنا إلى الشارع".

جيل يتعلم التسول

يقول عامل في المجال الإنساني، تحدث لـ"ميدل إيست آي" بشرط عدم الكشف عن اسمه، إنه يتلقى عشرات المكالمات يوميًا من المستفيدين يسألون عن موعد استئناف المساعدات، لكنه لا يملك إجابات، مما يضطره في بعض الأحيان إلى إغلاق هاتفه بسبب كثرة الرسائل، مضيفًا "أعرف عائلات كثيرة تضطر لإرسال أطفالها للتسول، وأخرى تعيش على وجبة واحدة يوميًا"، مؤكدًا أنه "من المؤلم أن ترى الأطفال لا يأكلون سوى مرة واحدة في اليوم".

وأكد أن التمويل الأميركي كان حيويًا في تخفيف معاناة اليمنيين في السنوات الأخيرة، وأن فقدانه المفاجئ فاقم الأزمة، مشيرًا إلى أنه "في سنوات الحرب الأولى، كان التمويل الإنساني كافيًا لمساعدة الملايين، أما اليوم، واليمن يعاني من أزمة اقتصادية وانكماش في التمويل، فنحن أمام أسوأ سيناريو".

ولفت إلى  أن غالبية العاملين في المجال الإنساني فقدوا وظائفهم بسبب قطع التمويل الأميركي، وهم يعانون الآن من البطالة، موضحًا في حديثه أن "الأثر لا يقتصر على المتلقين للمساعدات، بل يطال أيضًا العاملين في القطاع الإنساني".

وكانت منظمة العفو الدولية قد أصدرت تحذيرًا، الخميس الماضي من أن قرارات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بقطع المساعدات ستعرض ملايين اليمنيين للخطر، مع ارتفاع متوقع في معدلات الجوع وسوء التغذية. وقالت الباحثة في شؤون اليمن لدى العفو الدولية ديالا حيدر إن: "القطع المفاجئ وغير المسؤول للمساعدات الأميركية ستكون له عواقب كارثية على الفئات الأضعف والأكثر تهميشًا في اليمن"، مؤكدةً أن ما لم تُستأنف المساعدات، فإن الأزمة الإنسانية المتفاقمة ستزداد سوءًا".

أما بالنسبة لغالب، فإن عودة المساعدات لا تعني فقط إنقاذ أسرته من الجوع، بل تعني أن أطفاله سيذهبون إلى المدرسة بدلًا من الشوارع كل صباح. يقول في نهاية تقرير "ميدل إيست آي": "حزننا ليس علينا، بل على أطفالنا"، وأضاف "نشاهد جيلًا بأكمله ينشأ وهو يتقن التسول والعمل الشاق بدلًا من أن يتلقى تعليمًا لائقًا".