05-ديسمبر-2020

يواجه أوربان أزمة محلية وإقليمية (Getty)

يواجه رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان أزمة على الصعيدين المحلي والأوروبي بعدما ألقت قوات الأمن البلجيكية القبض على أحد أبرز حلفائه في حزب الاتحاد المدني المجري (فيدس) في بروكسل ضمن حفلة للرجال العراة بسبب خرقهم للقوانين المرتبطة بحظر التجمعات لمكافحة فيروس كورونا الجديد التي فرضتها الحكومة البلجيكية، وهو ما يتناقض مع برنامج الحزب اليميني محليًا الذي سن قوانين تحد من الحريات الشخصية لمجتمع الميم خلال العقود الماضية.

يواجه رئيس الوزراء المجري أزمة على الصعيدين المحلي والأوروبي بعدما ألقت قوات الأمن البلجيكية القبض على أحد أبرز حلفائه في حزب الاتحاد المدني المجري (فيدس) في بروكسل ضمن حفلة للرجال العراة 

مأزق أوربان أمام الاتحاد الأوروبي وأنصاره

برزت القضية المثيرة داخل الحزب اليميني بعدما كشفت الصحافة البلجيكية عن إلقاء قوات الأمن القبض على المشرع المجري في البرلمان الأوروبي جوزيف زاير إبان فراره من حفلة خاصة للعراة كان يحضرها ما يقارب 25 شخصًا، والذي اعتبرته خرقًا واضحًا لقواعد الإغلاق الصارمة التي فرضتها الحكومة البلجيكية لمكافحة الجائحة، الأمر الذي يدل على تناقض واضح في برنامج الحزب الذي سعى جاهدًا لتكريس خطاب معادٍ لمجتمع الميم على الصعيدين المحلي والأوروبي.

اقرأ/ي أيضًا: هل ستصمد الديمقراطية أمام شعبوية ترامب؟

ووفقًا لما تناقلته الصحافة الغربية فإن زاير قدم استقالته من البرلمان الأوروبي بعد التقارير التي تناقلتها وسائل الإعلام الأوروبية على نطاق واسع، فضلًا عمّا يبدو أنه أُجبر على تقديم استقالته من الحزب، بعدما كان له دور فاعل خلال العقود الماضية ساهم خلالها سواء أكان عبر سنه قوانين محلية أو تصريحات صحفية بإنتاج خطاب معادي لمجتمع الميم، وهو ما يبدو واضحًا من حديث أوربان الذي هاجم زاير بقوله: "إنه لا مكان له في قيم عائلتنا السياسية".

وتأتي الأزمة المحلية التي يواجهها أوربان – أحد أبرز الحكام الشعبويين في الاتحاد الأوروبي – في الوقت الذي عمل فيدس مؤخرًا على سن قانون جديد يحظر على المتحولين/ات والعابرين/ات جنسيًا من تغيير جنسهم/هن بشكل قانوني، الأمر الذي يعكس عدم إيمان بعض أعضاء وقادة الحزب أنفسهم بالسياسات والخطاب اليميني المحافظ الذي يروج له فيدس بين أنصاره محليًا، وحمله لواء الدفاع عن العائلة المسيحية التقليدية بين دول الاتحاد الأوروبي.

قوانين فيدس لتحقيق "مكاسب سياسية"

مما لا شك فيه أن الشعبوية حظيت بدعم غير محدود خلال الأعوام الماضية، مدفوعة بالوصول المفاجئ للرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهو ما بدا واضحًا في سياسات فيدس المحلية، كان أبرزها التشديد على مكافحة الهجرة للحفاظ على أوروبا مسيحية، والعولمة الثقافية والاقتصادية، وزاد عليها سنه قوانين تحظر الزواج خارج المؤسسة العائلية التقليدية، من خلال تأكيد الدستور المجري على أن الزواج "اتحاد بين رجل وامرأة".

كما سعت الحكومة المجرية في وقت سابق من العام الجاري لسن قانون ساري المفعول يجعل من المستحيل على المتحولين/ات والعابرين/ات جنسيًا تغيير هويتهم/هن الجنسية بشكل قانوني، فضلًا عن اقتراحه تشريعًا ساري المقعول يحظر على مجتمع الميم تبني الأطفال، وهو ما دفع مفوضة حقوق الإنسان بمجلس أوروبا دونجا مياتوفيتش لوصف القوانين التي سنتها المجر بأنها تصعيد واضح اتجاه مجتمع الميم الهدف منها "تحقيق مكاسب سياسية".

قضية زاير  قد تزيد من أزمة المجر  مع الاتحاد الأوروبي

من المتوقع أن تنعكس قضية زاير المرتبطة بالحفل الخاص سلبيًا على سياسات المجر في الاتحاد الأوروبي، خصيصًا بعد التقارير التي أشارت إلى أن الدبلوماسي المجري يعتبر من أبرز حلفاء أوربان محليًا، فضلًا عن أنه من الأسماء التي تدافع بشدة عن سياسات المجر في الاتحاد الأوروبي، وكانت له تصريحات مثيرة للجدل بخصوص مجتمع الميم، بما في ذلك تأكيده على أن المفهوم التقليدي للزواج لا يمكن أن يغير لمجرد أننا دخلنا في القرن الحادي والعشرين.

والواضح أكثر أن قضية زاير قد يكون لها دور في الأزمة الناشبة بين المجر من جهة، والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، من الممكن أن تدفع الأخير لتوجيه المزيد من الانتقادات لسياسات أوربان المحلية، ويمكن إضافتها للأزمة التي التي نشبت مؤخرًا بين المجر وبولندا من طرف، والاتحاد الأوروبي من طرف آخر، بعد تعهد أوربان إلى جانب رئيس الوزراء البولندي ماتيوس مورافيسكي، بإعلانهما إنشاء جبهة موحدة يعترضان من خلالها على خطة الإنفاق التي اقترحها الاتحاد الأوروبي، وربطها بالتزام الدول الأعضاء بسيادة القانون.

فقد استخدمت المجر إلى جانب بولندا حق النقض (الفيتو) خلال جلسة التصويت التي عقدها الاتحاد الأوروبي مؤخرًا لإقرار ميزانية الاتحاد البالغة قيمتها 1,8 تريليون يورو، واشترط صرف الميزانية للدول الأعضاء باحترام سيادة القانون، بما في ذلك القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان واستقلال القضاء، الأمر الذي دفع أوربان لوصف القرار بأنه انتهاك "للقيم والسيادة الوطنية المجرية"، فيما اعتبر مورافيسكي أن الآلية التي ينتهجها الاتحاد "تهدد بتفكيك" التكتل الأوروبي في المستقبل.

ومن الواضح أن الأزمة ستتوسع في المستقبل القريب لتشمل الدفاع عن حقوق مجتمع الميم في الدول الأعضاء، بعدما كشف الاتحاد عن أول استراتيجية لدعم حقوق المثليين/ات والعابرين/ات جنسيًا، على خلفية القرارات الأخيرة التي تدفع لتمييزهم/هن جنسيًا سواء في بولندا أو المجر، حيث يهدف القانون لتجريم خطاب الكراهية الذي يستهدف المثليين/ات، إضافة لصياغة قوانين تضمن لهم/هن الاعتراف بحق الأبوة للجنس نفسه.

رسالة بايدن لدعم الحقوق المدنية ومواجهة الشعبوية

ضمن هذا الإطار لا يمكن فصل القرارات التي يسعى الاتحاد الأوروبي لسنها لهزيمة الأحزاب الشعبوية الحاكمة عن فشل ترامب الفوز بولاية ثانية في البيت الأبيض، من حيث أن الخلاف تعمّق بشكل مثير للجدل في الفترة التي أعقبت فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بالانتخابات الرئاسية، إذ أنه على الرغم من أن الفوز جاء بهامش بسيط، إلا أن ذلك يشكل دفعة للتيار الديمقراطي الليبرالي داخل التكتل الأوروبي، وهو ما أعطى صورة مصغرة عن الطريقة التي يمكن فيها احتواء القادة الشعبويين عالميًا، وإمكانية هزيمتهم عبر صناديق الاقتراع.

إلى جانب ذلك فإن التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي استطاع استغلال هزيمة ترامب في الانتخابات الرئاسية، للتأكيد مجددًا على دعمه مجتمع الميم والحركة النسوية عمومًا، بعدما تراجعت خلال الأعوام الأربعة الماضية مع وصول ترامب للبيت الأبيض، وفشل الجمهوريين بتمرير قانون في المحكمة العليا في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حاولوا خلاله التصويت على إلغاء القانون الصادر عام 2015 بنصه على جعل زواج المثليين/ات قانونيًا في الولايات المتحدة.

وليس غريبًا أن يأتي في هذا السياق فوز المرشحة الديمقراطية سارة ماكبرايد بمقعد مجلس الشيوخ عن المنطقة الأولى لولاية ديلاوير، بعد حصولها على نسبة 73 بالمائة من الأصوات على حساب المرشح الجمهوري ستيف واشنطن، لتكون بذلك أول متحولة جنسيًا على مستوى الولايات المتحدة تنتخب لهذا المنصب، بعدما كانت أول متدربة متحولة جنسيًا في البيت الأبيض خلال ولاية الرئيس السابق باراك أوباما.

كما أنه لا يمكن إغفال التعيينات الأخيرة التي أقرها الرئيس المنتخب بايدن ضمن إدارته التي من المتوقع أن تبدأ مهامها بشكل فعلي في 20 كانون الثاني/يناير القادم، بتعينه فريق الاتصال الخاص بالرئيس في البيت الأبيض من سبع نساء، بينهن أربع نساء من أصول غير أمريكية، واختياره للسيناتورة الديمقراطية كامالا هاريس نائبة له، لتسجل بذلك تعيينات بايدن لموظفي إدارته تميزًا واضحًا عن رؤساء الولايات المتحدة السابقين.

مستقبل القادة الشعبويين في أوروبا الشرقية بعد هزيمة ترامب

ليس غريبًا القول إن وصول ترامب للبيت الأبيض سمح للأحزاب اليمينية والشعبوية بالصعود للسلطة على المستوى العالمي، والذي يدخل في إطارها قادة أوروبا الشرقية الشعبويون؛ إذ أنه وفقًا للباحثة في معهد كارنيجي جودي ديمبسي فإن عدم تمكن ترامب من الفوز بولاية ثانية يُعد "خسارة كبيرة للقادة الأفراد" في أوروبا الشرقية، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال عمل حزب القانون والعدالة الشعبوي الحاكم في بولندا على تفكيك النظام القضائي وقمع الصحافة في البلاد، مستغلًا بذلك وجود ترامب في البيت الأبيض، وتوجهه مؤخرًا لفرض قانون يمنع النساء من حق الإجهاض.

وفيما تشير عديد التقارير إلى أن هزيمة ترامب لن تؤثر بشكل فعلي على القادة الشعبويين في القارة الأوروبية، فإنها في مقابل ذلك تؤكد على أنهم فقدوا حليفًا قويًا في البيت الأبيض، وخصت في هذا الصدد كلًا من أوربان ورئيس حزب القانون والعدالة والحاكم الفعلي لبولندا ياروسلاف كاتشينسكي، بالإشارة إلى أنهم لن يكونوا قادرين – كما السنوات الماضية – على دعم سياساتهم المحلية أولًا، واستمرارهم بمقاومة الضغوط من مؤسسات الاتحاد الأوروبي التي تدفع لدعم استقلال القضاء وحرية الإعلام والحقوق المدنية.

وترجح التقارير المرتبطة بهذا الإطار أن يتم تجاهل القادة الشعبويين من قبل الإدارة الديمقراطية على اعتبار أنهم "منبوذون سياسيًا"، والتي تدعمها التصريحات التي أطلقها بايدن سابقًا عندما وضع الحكومتين المجرية والبولندية في خانة واحدة مع الديكتاتور البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، حين قال في تصريحات صحفية إن إدارة ترامب عملت على احتواء جميع القادة الشعبويين على المستوى العالمي، فضلًا عن مساهمتها بدعم الأنظمة الشمولية عالميًا.

غير أن هزيمة ترامب لا تعني أن القادة الشعبويين في الكتلة الشرقية الأوروبية سيتراجعون عن مواقفهم السابقة، بالنظر إلى وجود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين، والذي يقوم بتقديم الدعم السياسي لهم عبر منصات التواصل الاجتماعي، أو من خلال الدعم المباشر كما الحال مع بيلاروسيا، مدفوعًا بمحاولته تقويض نفوذ الاتحاد الأوروبي، بالأخص بعد وصول أحزاب اليمين في كل من إيطاليا وفرنسا إلى البرلمان الأوروبي.

وتدور التوقعات في الوقت الراهن حول عمل الدبلوماسيين/ات الذين سيقوم بايدن بتعيينهم/هن في أوروبا الشرقية على تعزيز الحكم الديمقراطي، والتعددية الثقافية والجنسية، وتوجيه الدعم لحقوق الإنسان، إضافة لدفعهم بفصل السلطة التنفيذية عن السلطة القضائية، وهي تدخل في القضايا عينها التي عملت إدارة أوباما على دعمها خلال الفترة التي قضاها في البيت الأبيض، وكان بايدن حينها يشغل منصب نائب الرئيس.

هزيمة ترامب لا تعني أن القادة الشعبويين في الكتلة الشرقية الأوروبية سيتراجعون عن مواقفهم السابقة، بالنظر إلى وجود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين

لكن ذلك لا يعني اختفاء قضايا الهوية والقومية التي يقوم باستغلالها القادة الشعبويون في الاتحاد الأوروبي، عبر تعزيزهم لمفاهيم القومية محليًا، والتي لا تحتاج عادةً إلى دعم خارجي، خصيصًا بعد عودة الهجمات الإرهابية في الدول الأوروبية مؤخرًا، مما سمح للقادة الشعبويين باستغلالها مرةً أخرى، إذ أنه صحيح أن أولئك القادة خسروا حليفًا قويًا في البيت الأبيض إلا أن ذلك بكل تأكيد لا يعني انحسار أو زوال الشعبوية على المستوى العالمي.