26-أغسطس-2019

تهيمن صورة مهيأ لها مسبقًا، على الأدب العربي في المهجر (SOAS)

"نحن نشهد الآن موجات الهجرة غير المسبوقة، من الجنوب إلى الشمال ومن الشرق الأوسط إلى أوروبا، خاصة بعد أن أصبحت الأوضاع في الدول العربية غير مستقرة. أمرٌ يذكرنا، من حيث المظهر، بالقرن الماضي، العشرين، الذي كان قرن الهجرة بامتياز.

ومع ما عرفه من توالي الحروب والأزمات السياسية والاقتصادية الدامية، اشتدت موجات الهجرة من أوروبا المنهكة بسبب حربين نحو العالم الجديد: أمريكا. لكن وفي المقابل، حدثت هجرة عكسية لكتاب وفنانين أمريكين من أمريكا إلى أوروبا، باريس على وجه التحديد، مثالَ أرنست همنغواي، هنري ميلر، بول أوستر، دوس باسوس وغيرهم؛ بحثًا عن متنفس جديد لأفكارهم وأساليبهم.

والمقصود، أن المآسي التي شكلت أنهارًا بشرية من المهاجرين الهاربين من الموت لا يمكن أن تمر دون أن تخلف آثار عميقة على الأفكار والأشكال التعبيرية".

المآسي التي شكلت أنهارًا بشرية من المهاجرين الهاربين من الموت لا يمكن أن تمر دون أن تخلف آثار عميقة على الأفكار والأشكال التعبيرية

تقذف بنا المقارنة بين اليوم والأمس، تلك التي أشار إليها في حديثه لـ"الترا صوت" الناقد والباحث الجزائري لونيس بن علي، إلى البحث عن أدب متولد عن هذه الهجرات، خاصة وأن العرب عاشوا طفرةَ ما تفتقت عنه هجرات بداية القرن الماضي من تيارٍ أدبي كامل المعالم.

اقرأ/ي أيضًا: الكتابة والمنفى.. تلك الهوية الرمادية

في ضوء ما استجد ويستجد، نطرح سؤال الكتابة العربية من المهجر، وهي ترزح تحت ثقل اللحظة التاريخية ورهاناتها البنيوية التي تحدث الفروق، بل تصنع طبيعة هذا الأدب.

هل من وجود لأدب مهجر معاصر؟

يدافع الباحث الإيطالي المختص في الأدب العربي والأستاذ الجامعي، سيموني سيبيليو، عن وجود "أدب مهجر معاصر"، معارضًا أقوال من ينفون ذلك بحجة اختزال المسافات بين عالم اليوم، واكتساح التقنية التي قربت المسافات ما أدى لانعدام الحنين الرومانسي الذي دفع الرعيل الأول من أدباء المهجر للكتابة تعبيرًا عن اغترابهم. هكذا وحسب هذه الأقوال، ينتهي الحديث عن هذا الأدب في شكله المعاصر.

سيموني سيبيليو
الباحث الإيطالي المختص في الأدب العربي والأستاذ الجامعي، سيموني سيبيليو

بينما يرى سيبيليو، في حديثه لـ"الترا صوت" أن هناك "جيل جديد من الكتاب العرب المقيمين في الخارج، الذين من خلال اتصالهم المثمر مع البيئات الثقافية في البلدان المضيفة، والنشاط في دور النشر العربية الجديدة، وحضورهم المستمر في المهرجانات الدولية والنقاشات العامة، وعن طريق استخدام وسائل الإعلام الجديدة. يساهمون في التجديد الثقافي والإبداعي في العالم العربي، بذات الشكل تمكن به آباء المهجر في بداية القرن الماضي من المساهمة في الثقافة العربية". هكذا لا يبدو من الغريب، عند الناقد الإيطالي، الحديث عن "أدب مهجر معاصر".

وهكذا يُقرّ سيبيليو شرطًا آخر، أكثر حيوية، لوجود أدب مهجر، هو ديمومة هذا الثالوث الجدلي:

  1. الكاتب. 
  2. واقع البلد المضيف. 
  3. ثقافة البلد الأصلي.

ومع أن المقارنة بين التجربتين السابقة والحاضرة، ليست ذات صلة وثيقة "إذ تختلف السياقات، والظروف، والعمليات التاريخية - السياسية، وعلى وجه الخصوص تغير الأشكال التعبيرية والفنية على مدى قرن أو أكثر"، يجزم سيبيليو، بأنه "إذا نظرنا إلى تأثير الثقافة العربية الجديدة في الشتات، سنسجل أثر انبثاق ظاهرة مهمة، قد تؤدي إلى مرحلة رائدة للتغيير الثقافي".

وهذا التغيير الثقافي يمكن متابعة خطه إلى المنبع الذي أشار إليه الناقد الإيطالي، أي إلى بلدان المهجر. ومن السويد، نرصد مثالًا لشاعر سوري مهاجر، انتقل إليها ضمن موجة اللجوء التي تلت الحرب التي شهدتها سوريا.

أدب الدفء في الأرض الباردة

"كانت موجة تهجيرٍ قسري للشعب السوري"، يشدد الشاعر السوري وفائي ليلا، مضيفًا: "ولا يمكن الحديث عن هجرة طوعية بعد كل التشريد والتذبيح والتجويع الذي طال ذلك الشعب".

ويحكي ليلا لـ"الترا صوت" عن وصوله المهجر، حيث كان ذلك المجهول الغريب، غرابة عن نفسه وعن واقع العيش، الأمر الذي أخذ يتسرب إلى فعل الكتابة في كل مكوناتها، كما يقول ليلا: "أنا أكتب هلعي من مكاتب التحقيق والاستجوابات والتشكيك بي والإهانات التي كانت تتمثل كل مرة بمحاولة تعريفي وإعطائي صفة ما"، أو كما وصف الشاعر الذي نشرت له ثلاث مجموعات شعرية، واحدة منها مترجمة إلى السويدية.

 ويسترسل وفائي ليلا ذاكرًا حضور المكان الجديد بـ"مفرداته الجديدة والمختلفة: الصمت، ةالمساحات الواسعة للحقول، والبيوت المضاءة التي لا يقطنها أحد، والمشي على رؤوس الأصابع في المؤسسات ومكاتب العمل، مع الكثير من التوجيهات والنصائح كي لا تخدش هدوء المكان أو تثير أي ضجيج"، في لغة كتابته التي صارت "أكثر انعتاقًا وجرأة مع ارتفاع سقف الحرية في السويد".

الشاعر السوري وفائي ليلا
الشاعر السوري وفائي ليلا

يجدر الإشارة إلى أن وفائي لم يعش الحرب السورية وإنما راقبها من على بعدٍ عبر الهاتف ومراسلات العائلة. لكن هذا التفصيل غير مهم، أو لنغض الطرف عنه قليلًا، بالقدر الذي يحيل إلى معضلة هوية عامة للمهاجر.

مكان النص ونص المكان

"هل المهاجر أو المنفي هو مواطن عالمي؟ أم هو شخص لا ينتمي أصلًا إلى أي مكان؟ أقصد، ما معنى أن تهاجر مكانًا لتجد نفسك في مكان آخر قد لا يقبلك، وقد يقبلك بشروط، وقد لا تقبله أنت أصلًا؟"، تساؤلا يرى لونيس بن علي أنه حريّ فيها، مؤكدًا أن "المأزق وجودي أكثر من كونه معضلة سياسية"، إذ تطرح علاقة الإبداع بالمكان في شكلها تفاعلية: "لا يلغي النفي من المكان الأول حضوره في ذاكرة المنفي، بقدر ما يعزز أكثر حضوره"، كما قال لونيس.

اختلال التوازن هذا يشترط من المهاجر/المبدع أن يبحث عن مواطن التكيف مع الوضعية، بحثًا اجتماعيًا مضنٍ ودقيق. ويأتي الإبداع الأدبي في مرحلة متقدمة من طفرة هذه التناقضات، حيث لا تجدي معها المصالحات المفتعلة. 

يقول لونيس: "يتحول الإبداع إلى ضرب من البحث عن البدائل التي كثيرًا ما تكون مستحيلة، لكنها تظل بدائلَ ممكنة عن غياب المكان الأول".

مكان متخيل جديد هو الذي يخلقه النص: "خارطةٌ مصنوعة من نسيج اللغة وحسب، لكنه أيضًا يحمل ملامح مرسومة من مجموعة التصورات والعواطف والأحلام والسيرة  الشخصية وثقافة الكاتب"، على حد وصف زهير كريم، الكاتب العراقي المهاجر إلى بلجيكا. 

وهذا المكان لا ينفصل كليًا عن مبدعه ولا يرتبط به كليًا، بل هو مكان كليّ يظهر في النص، بشكل واضح، باعتباره مكانًا حسيًا مشبعًا بالعاطفة، أو مستودع الشقاق الوجودي الحاصلَ.

وهو "الشقاق الذي يؤول إلى نفيه وعدمه"، كما يقول زهير في حديثه لـ"الترا صوت"، مسترسلًا: "الكاتب المهاجر في البداية، يرسم المكان بتأثير اتصاله بالمكان الأصلي، فيظهر المكان في نصه خاضعًا لصورة  قديمة، وحتى مخيلته تقوم بدور طاردٍ لأي ملامح للمكان الجديد، فهو يكتب بتأثير المكان الحسي الذي رافقه". 

ويستدرك: "لكن مع مرور الوقت "يجد نفسه يقترب من مكانه الفيزيائي، الجغرافية الجديدة التي  يعيش فيها فعليًا، لهذا يظهر في نصوص الكثير من الكتاب العرب في المهجر أثر المكان الجديد، منهم من تضعف علاقته حتى بالمكان القديم".

فخ التغيرات الطارئة

نعود إلى تجربة الشاعر السوري، وفائي ليلا، في ضوء التنافر المكاني. إذ طرأ تغير على لغته الإبداعية، وداخلتها آثار وانطباعات ثقافة الاستقبال، مرفوقة بإحساسٍ من "الانعتاق والتحرر والجرأة"، كما يقول. 

والسؤال هو: هل كان نص وفائي ليلا، من خلال وصفه، عجينة أخرى للمركبات البنيوية: الشرق/الغرب والشمال/الجنوب؟

هذا ولم يُثر الانتباه إلى ليلا في السويد إلا بعد أن ترجم عمله العربي إلى السويدية، وعلى يد مترجم عربي. بعدها فقط أتت الجولات الشعرية والحوارات الصحفية والمراجعات، والدعم المادي كذلك.

ففي سنة 2018 استضافت مجلة "Karavan"  السويدية وفائي ليلا، في حوار بعنوان "هل سنكون هناك؟"، طارحة أسئلة تدور في مجملها عن الحرب التي لم يعشها ليلا من الداخل!

بالإضافة إلى أسئلة أخرى من نوعية العلاقة بالجسد والعلاقة بالأبوية، وبالخوف وتكراراه المفزع؛ كلها أسئلة كلها تبحث في جرح ما مع افتراضٍ بأنه شرط وجود الكاتب هناك. إنهم لا يرغبون في معرفة شيء عنك، وإنما عن آلامك!

طارق الطيب
الروائي السوداني طارق الطيب

"على طول منتصف القرن العشرين وإلى اليوم، توالت موجات الهجرة على أوروبا. وعلى صعيد آخر تدريجي وحاسم، هيّأ الإعلام الغربي وأبدعت صوره الإخبارية المنقولة عن عالمنا العربي، نسخة نمطية ستُرسَّخ وتتصاعد عبر سنوات"، يعلق طارق الطيب، الروائي والأديب السوداني المقيم في النمسا، في حديث لـ"الترا صوت".

ويضيف الطيب موضحًا: "صور الحروب والمعاناة واللجوء، صور الأحوال الكارثية العربية. أما التحلية بعد الوجبة الأساسية، فهو بالتأكيد الحديث عن وضعية المرأة الشرقية، مع بهارات مفتعلة من ألف ليلة وليلة".

إذًا، يمكن أن نخلص إلى أنه "أغلب ما يطلبه الأوربيون هنا والرائج، هو ما هيّأه الإعلام المُسيَّس مسبقًا بخبث وانتهازية وحسابات اقتصادية ماكرة"، كما يقول الطيب.

وهنا تكمن المفارقة كما يراها سيموني سيبيليو، تحديدًا في أنه "بدلًا من أن تسهم حالة الهوس الإعلامي بالهجرة في توضيح أبعاد تلك الظاهرة المعقدة، عمل الإعلام على تسطيحها وتنميطها، ما أدى إلى انقسام المجتمع الإيطالي حولها".

يُذكر أن إيطاليا، بلد سيبيليو، ساهم العديد من الكتاب والمؤلفين العرب في خلق ما بات يعرف بأدب الهجرة فيها، مثل الجزائري عمارة لاخوص، الذي حقق شهرة عالمية.

ليس الأدب العربي كله عن المعاناة. لكن على ينبع الأدب كله من المعاناة؟ يجيب عن ذلك، كريم مترف، الصحفي والباحث الجزائري المقيم في إيطاليا. يبدأ مترف أولًا بالموافقة على أن ما يسيطر على الإعلام الأوروبي هي صورة "المهاجر الرث الذي وصل لتوه منتشلًا من عرض البحر".

ثم ينطلق من مقولة "الحياة السعيدة مملة"، فالمعاناة والتراجيديا بالنسبة له محرك الإبداع الأدبي بوصفه إبداعًا، معتبرًا أن "النموذج القائل بأن الأوروبيين لا يهتمون إلا بصور معاناتنا، يقوم على نوع من التلذذ بلعب دور الضحية"، في وقت يرى أن سوق الأدبي الأوروبي منفتح على أقلام عديدة ومتنوعة قادمة من الضفة الجنوبية للمتوسط، بل ومنها ما طبع قدم إضافة إلى الثقافة الأوروبية.

"سوق الأدب في أوروبا تخضع لحسابات اقتصادية في المقام الأول"، هذه الجملة تبدو لأول وهلة بديهية، بيد أن التلويح بانفتاح السوق واستقلاليته التي طالما لوّح بها، تبقى حلمًا طوبويًا.

فهناك دائمًا قرار سياسي يجثم بظله على هذه السوق، إذ تقوم الحسابات الاقتصادية بالضرورة على أرضية سياسية مؤيِّدة تسمح لها بالانتعاش وبتبادل المصالح، ويأتي تطويع الاجتماعي ببساطة في إطار هذين الضلعين.

لكن "ليس كل الأدب واقع تحت سطوة الاقتصادي والسياسي، لكنه سيكون بطبيعة الحال أقل تأثيرًا"، يقول طارق الطيب، ودليله على ذلك أن "أفضل المبيعات" من الكتب ليست معيارًا لجودة الأعمال الأدبية.

سوق أدب في الضفة الأخرى

في سنة 2018، نشرت دار بوينديا الإيطالية إصدارًا للكاتبة أمل بوشارب، تحت عنوان L’Odore. الاصدار الذي تضمن قصة بنفس العنوان، كتبت أول الأمر باللغة العربية، أعادت كتابتها الكاتبة الجزائرية المقيمة في إيطاليا بلغة بلد الإقامة، و‎تطرح من خلالها مسألة الفساد الاقتصادي المرتبط بالانفتاح الرأسمالي المتوحش، وتشابكه مع السياسات النيوكولونيالية.

قصة كالتي أبدعت أمل بوشارب تختلف عمَّا أخذ ينشرُ من أدب "عربي" داخلَ السوق الأوروبية، عدا كونها تضع اليد على التبعات الاقتصادية المسكوت عنها للعولمة، وتتضمن نقدًا صريحًا للثقافة الاستهلاكية، فشخصيتا القصة المحوريتان، ومحركتا عملية السرد، هما سيدتان نافذتان في تنظيم هرمي لشركة، أي صورة تتعارض صفاتها بشكل كلي وصورة المرأة العربية التي تسكن المخيال الأوروبي.

هكذا تطلب من دار النشر نشرها شجاعة كبيرة، هي التي نستفسر فيها فرانشيسكا موغافيرو، مديرة دار بونديا، والتي قالت: "قصة أمل بوشارب تتعدى كل الصور النمطية والمسبقة عن واقع الضفة الجنوبية للمتوسط".

وتضيف موغافيرو: "أصيلة وعميقة في ذات الوقت، ومتعددة الأوجه وتمتلك صوتها وشخصيتها الخاصة"، وتلك هي الصفات التي ترى الناشرة الإيطالية وجوب احتواء كل نص عليها.

إضافة إلى ذلك، ترى موغافيرو أن قصة بوشارب "تمثل نفس تغيير جديد في الأدب الإيطالي، لأنها تمنحنا قراءة جديدة للواقع، ناقدة، ترتبط بمشترك وجودنا البشري في شموليته ووسعه".

وهذا تحديدًا ما تطلب شجاعة من الناشرة الإيطالية الشابة، لخوض هذه المغامرة ومعارضة ما يغزو السوق من "موضة الحوار بين الثقافات دون الحرص بالضرورة على نشر أعمال أدبية ذات جودة عالية"، كما يسميها الناقد سيموني سيبيليو، أو بتعبير آخر: امتياز الأقليات الذي يطغى أو يهمش جودة المنتوج الأدبي.

وبالنسبة لموغافيرو فإن "أدب بمواصفات L’Odore هو ما يجب على المتلقي أن يقرأ"، لكنها في ذات الوقت تعترف بأن السوق "يخاف التجديد أو مبرمج على ذات الصور القديمة لأدب جنوب المتوسط: غرائبي وأقل أصالة وحداثة".

في مطحنة الأجندات السياسية

هل يُوظَّف الأدب العربي في أوروبا داخل أجندة سياسية معينة، تبتدئ بالاحتضان وتقديم الدعم، وتنتهي بفرض موضوعات معينة على الكتاب مقابل النشر والمنح والترجمات؟ يجيب طارق الطيب: "الأمر ليس بالصورة المباشرة طبعًا وليس على المدى القصير".

يوضح الأديب السوداني نظرته للأمر، فهو لا يرى أن الدعم يفرض موضوعات معينة للكتابة، "فهناك أشخاص بطبيعتهم آتين من أجواء بلدانهم الكارثية وسيكتبون عن هذه الأجواء بأي شكل تعبيري"، كما يقول، لكنه لا ينفي مع ذلك وجود جزء من المشهد الأدبي الأوروبي، الإعلامي والسياسي، يؤول بشكل "مغرض ومبرمج يمكن أن ينقل الصورة الأدبية الفنية لوضعية سياسية مصلحية على غير ما يقصد صاحبها، لتلعب في اتجاه معين مرغوب"، على حد تعبيره.

لونيس بن علي
الناقد والباحث الجزائري لونيس بن علي

هنا يرخي الصراع السياسي الأوروبي، بين اليمين الشعبوي واليسار الليبرالي، ظلاله على أدب المهجر المعاصر، ويجعله مباشرة في بوتقة هذه المنازعة، بما أن المشترك الحيوي في الأمرين هو "الهجرة" والاختلافات الثقافية الظاهرية، في اشتباك المصالح والأجندات السياسية التي تتحكم بنيويًا بحقل الثقافة.

"الأجندات السياسية، شبكات التواصل الاجتماعي والإعلام السيء، دائمًا ما يعطوننا فكرة مشوهة لا فقط على الثقافة العربية بل على الثقافات المغايرة ككل. ربما لأن هذه الصور سهلة الانتشار واجتذاب المتابعين؛ هكذا حال أي تجارة إعلامية رائجة"، تعلق الناشرة الإيطالية فرانشيسكا موغافيرو، متسائلة: "بالتالي لماذا على دور النشر أن تعارض كل هذا التيار الجارف وتقدم صورًا تغاير ما اتفق عليه إعلاميًا وسياسيًا ومخيالا عامًا هو نتاجهما؟".

تجيب موغافيرو بأن الأدب يجب عليه أن يكون "مشاغبًا، غير عادي، يكسر كل المتاريس ونقط التفتيش ليخلق مشهد فضاء إنساني رحب". وتضيف: "ربمَا سوقنا ليست مستعدة بعد لهكذا أدب" تطرح الناشرة الإيطالية، "لكن علينا أن نتعلم، أن نقرأ أدبًا حقيقي، لنحضى بسفرٍ عالمي خالي من الأحكام المسبقة، يمكن من التمتع بكل جمال العالم في كل زواياه".

أغلب ما يطلبه الأوروبيون في الأدب العربي بالمهجر، والرائج أوروبيًا، هي الصورة التي هيأها الإعلام المسيس بانتهازية وحسابات اقتصادية ماكرة

من ناحية أخرى، وبحسب طارق الطيب، هناك "قسم من الأدباء العرب، وهم الأقل نوعًا ما، يعملون للمصلحة الإنسانية بغض النظر عن عرق أو دين أو أي انتماءات ضيقة، وهذَا لا ينفي أيضًا أن بعض الدعم الموجه لمقاصد معينة يفرح بها قليل من الباحثين عن الشهرة والمتطلعين للترجمة والوصول للعالمية المزيفة بغض النظر عن أي قِيَم أو تاريخ".

قد يستدعي هذا الوضع الصراعي أكثر من حيطة وحذرٍ لدى المبدع العربي في المهجر. فربما عليه أن يعي بعمق الاستراتيجيات الخفية وموازين القوى التي يطفو عليها وجوده داخل سوق الأدب العالمي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الأدب العربي والزمن الرقمي

أليس غاثري: الأدب العربي بالإنجليزية محكوم بعقلية الرجل الأبيض